الرئيسية / مقالات رأي / الصين تقوم بدور وساطات فى صراعات الشرق الأوسط

الصين تقوم بدور وساطات فى صراعات الشرق الأوسط

بقلم: سعد الدين ابراهيم- المصري اليوم
الشرق اليوم– حينما فاجأت الصين العالم بدور وساطة بين غريمين رئيسيين في الشرق الأوسط هما المملكة العربية السعودية، والجمهورية الإسلامية الإيرانية، انطوى ذلك على فوائد جمة للبُلدان الثلاثة: السعودية، إيران، والصين. وهو الإنجاز الذي لم تسطعه أي قوة أخرى من داخل أو خارج المنطقة.
وقد اتضح أن الصين، لعِدة سنوات، تعمل بهدوء، ومن وراء ستار في دراسة مشكلات المنطقة، واستكشاف ما تستطيع أن تفعله أو تقدمه لبُلدان المنطقة، لإنهاء تِلك الصراعات، أو على الأقل التحكم فيها، وتحاشى انفجارها.

وفى هذا الصدد، تتبع الصين الحكمة الصينية المتوارثة «الين- يان»، والتى يمثلها رسم لما يشبه زوجًا إنسانيًا لما يبدو أنه لذكر وأنثى، متلاصقين، أو متعانقين، ولكن قدما أحدهما في وجه الآخر، وقدما هذا الآخر في وجه الثانى. وفى الرسم التقليدى لـ«الين- يان»، لا يمكن تمييز أيهما الذكر، وأيهما الأنثى، ولكنهما متلاصقان متعانقان.

ولا يخفى ما ينطوى عليه ذلك الرسم الصينى (الين- يان) من رمزية التناغم التكاملى بين الين واليان، ولا منْ هو الذكر، وما هي الأنثى. وإذا سألت زميلًا صينيًا عمنْ هو الأنثى، ومنْ هو الذكر في ذلك النقش الصينى التقليدى، المتوارث من آلاف السنين، فإنه سيهز رأسه بما يعنى أنه لا يعرف، وأن ذلك غير مهم، فالمهم أنهما متناغمان مبتسمان، في حالة من الرضا والإشباع.

ودون معرفة مسبقة عما توصل إليه عُلماء السياسة في القرن العشرين حول شروط الوساطة الناجحة بين الدول، وأولها أن لا يكون للوسيط رأى مسبق أو مُعلن عن المشكلة موضوع النزاع. وثانهما، أن لا يبدو فيها أن أحد طرفى النزاع، قد خرج منتصرًا، بينما يبدو الطرف الآخر، مهزومًا أو خاسرًا، وهى الصيغة التقليدية للقول المأثور: لا غالب، ولا مغلوب.

وبلا دخول في تفصيلات النزاع السعودى الإيرانى، الذي بدأ منذ اندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية، بقيادة رجل الدين الشيعى، الإمام روح الله الخومينى، التي اقتلعت النظام الشاهنشاهى الملكى للإمبراطور محمد رضا بهلوى، عام 1979، وإعلان إيران جمهورية شيعية إسلامية. ومثل كل الثورات الحديثة في القرون الثلاثة الأخيرة، فإن حماس الموجة الأولى لكل ثورة، يدفعهم لمحاولات تصدير مبادئها للجيران. وأهم من ذلك في حالة الثورة الإيرانية، أنها بدأت تتحدث باسم الإسلام، وتنازع السعودية على مكانتها المتميزة، كمقر لأهم المقدسات الإسلامية في مدينتى مكة والمدينة، والتى يحج إليها ملايين المسلمين كل عام. وبدأ الحجاج الإيرانيون، منذ السنة الأولى للثورة في بلادهم، يُثيرون المتاعب، ويُحرضون الحُجاج من البُلدان الإسلامية الأخرى.

ولم يتوقف خُلفاء الإمام الخومينى عن إثارة المتاعب للنظام الملكى السعودى، وخاصة بتصويره كصديق أو حليف للشيطان الأكبر، الولايات المتحدة، كما دأبت إيران الثورة على وصفها وتسميتها.

درست الصين كل تِلك الخلفيات لنزاع الأربعة والأربعين عامًا (1979-2023). وكان للنظام الإيرانى مصلحة مؤكدة في المصالحة مع الجارة، المهمة دينيًا، واقتصاديًا، وسياسيًا، وخاصة لكسر الحصار المفروض عليها من الولايات المتحدة وحُلفائها بسبب ملفها النووى، ولمصلحة إسرائيل.

أما المصالح السعودية التي حققها ذلك الاتفاق، فقد تجلى في فك حصار عليها من نوع آخر، وهو تحريض مجموعات متمردة على حدودها مع جارتها في اليمن، ممثلة بالحُوثيين، وآخرين على حدودها الشمالية من أنصار حزب الله اللبنانى، وحماس والجهاد الإسلامى الفلسطينيين.

ولا يخفى أن الوساطة الصينية ما كان لها أن تُحقق ما أحرزته من نجاح، إلا بوجود قيادة سعودية طموح لنهضة سعودية شاملة داخليًا وإقليميًا ودوليًا، متمثلة في ولى العهد السعودى، الأمير محمد بن سلمان آل سعود. وهو صاحب المشروع الأكثر طموحًا منذ جدّه، عبدالعزيز، مؤسس المملكة السعودية 2030، لتحرير بلاده من الاعتماد على النفط كمورد رئيسى، يكاد يكون الأوحد، لتمويل ميزانية بلاده. ولدهشة السعوديين أنفسهم، والعالم الخارجى من بعدهم، برزت السياحة غير الدينية، أحد تِلك الموارد البديلة. فقد اتضح أن بالشمال الغربى للبلاد، قُرب الحدود مع الأردن، مناطق أثرية تعود إلى أكثر من ألف سنة قبل الميلاد، أي أن عمرها يعود إلى أزمنة وعهود الأنبياء التوراتيون- مثل نوح وهود. وذلك فضلًا عن مبادرات تحديثية أخرى- مثل تحرير المرأة السعودية من قيود الملبس، والحركة، وقيادة السيارة، وحُرية السفر والعمل، أسوة بالسعوديين الذكور، بلا محرم، وتقليص نفوذ جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المُنكر. وأظن أن الترحيب السعودى بالوساطة الصينية للمصالحة الإيرانية وتداعياتها في تحجيم حركة الحوثيين المتمردة وسلوكياتها العدوانية ضد حكومة صنعاء، وتهديدها للملاحة الدولية في مضيقى هرمز، على الخليج، وباب المندب، جنوب البحر الأحمر، دل على أن هناك دورا جديدا يتبلور في الصين وهو دور الوسيط العادل. وبهذا فإن الصين قد كسبت عدة نقاط في منافستها مع الولايات المتحدة، خاصة أن الولايات المتحدة كانت تأخذ الولاء السعودى كقضية مسلم بها..

شاهد أيضاً

بأية حال تعود الانتخابات في أمريكا!

بقلم: سمير التقي – النهار العربي الشرق اليوم- كل ثلاثة او أربعة عقود، وفي سياق …