الرئيسية / مقالات رأي / لماذا تتنزّه السّلطات الجزائريّة على ضياع الابتكارات العلميّة والفكريّة الوطنيّة؟

لماذا تتنزّه السّلطات الجزائريّة على ضياع الابتكارات العلميّة والفكريّة الوطنيّة؟

بقلم: أزراج عمر- النهار العربي
الشرق اليوم– خلال هذا الأسبوع، طرحت يومية “الشروق اليومي” الجزائرية التابعة للقطاع الخاص مشكلة مزمنة لم تجد حلاً مناسباً ومستعجلاً نهائياً منذ الاستقلال، وذلك من خلال الحديث الذي أجرته مع خبير جزائري يعمل في المنظمة العالمية للملكية الفكرية في جنيف – سويسرا هو مصطفى رموش.

يتمثل ملخص الحديث في أن “الابتكارات الجزائرية غير محميّة عالمياً، لأن أغلب الباحثين والمخترعين الجزائريين يعجزون عن الحصول على البراءة العالمية التي لا تقل كلفتها في الغالب عن 10 آلاف أورو”، علماً أن أصحاب هذه الابتكارات لا يملكون المال، لأن الرواتب التي يتقاضونها، سواء مقابل تدريسهم في الجامعات أم عملهم في مختبرات البحث المختلفة، لا تكفي حتى لضمان لقمة العيش.

ينبغي التوضيح أن المبلغ العام الذي ترصده الدولة الجزائرية لكل مختبر في هذه الجامعة أو تلك لا يتجاوز 15 ألف أورو في العام، ويُصرف كله على وحدات البحث والندوات والمجلة المحكمة التي تتبع المختبر، ويعني هذا أن هذا المبلغ الزهيد لا يمكن أن يغطي عمليات إنجاز البحوث العلمية الجادة وذات القيمة الابتكارية، كما لا يساعد على دفع مستحقات تنقل الباحثين الجزائريين إلى الدول الأجنبية المتطورة علمياً وفكرياً وتكنولوجياً، لطلب التكوين العلمي الدوري أو المتواصل، أو لعرض نتائج بحوثهم ومناقشتها، وبالتالي تسجيلها في الدوائر العلمية التي تمنح البراءات العلمية وتضمن حماية تلك الابتكارات بقوة القانون.

وفي الواقع، فإن القانون الجزائري يمنع منعاً باتاً حصول أي جمعية علمية أو فكرية أو أي مختبر علمي مباشرة على الأموال من الخارج، سواء كانت في شكل منح من الجامعات الأجنبية أم من المنظمات التي ترعى العلم والفكر مثل اليونسكو مثلاً، وجراء ذلك تعتمد مؤسسات البحث العلمي والفكري الوطنية على دعم الدولة الجزائرية فقط، ولكن هذا الدعم لا يكفي كما ذكرنا آنفاً.

وفي الحقيقة، فإن المشكل الخطير المتمثل في ثنائية عدم الاهتمام المادي والمعنوي الجدي بالبحث العلمي والفكري في الجزائر، وإدارة الظهر للابتكارات العلمية والفكرية للباحثين الجزائريين طرح مراراً وتكراراً على مستوى وسائل الإعلام الوطنية الرسمية والتابعة للقطاع الخاص معاً، كما تم التنبيه إليه على مستوى وسائط التواصل الاجتماعي.

ولكن السلطات الرسمية الجزائرية، المسؤولة عن البحث العلمي والمهني والابتكارات المختلفة، لم تقم بإنشاء ما يُدعى في الغرب “متحدات” العلماء، أو متحدات المهنيين التي يتم من خلالها بناء النظريات العلمية واختبار صحتها وفاعلياتها، وتطوير تقنيات الممارسة الميدانية، وإخضاع كل ذلك للمناقشات التي تلعب دوراً محورياً في تفجير الطاقات، فضلاً عن خلق مناخ المنافسة العلمية التي تحفز على الاكتشاف.

وفضلاً عما ذكر، فإن الجهات المسؤولة عن التكوين العلمي والفني والتقني في الجزائر لا تملك الآليات التي بوجبها تفعّل عمليات تنظيم الأيام الدراسية الجدية والموسعة والمستمرة داخل الوطن، برعاية المشرفين على البحث العلمي، جنباً إلى جنب الباحثين والعلماء الجزائريين وذوي الاختصاصات في مختلف الميادين ذات الصلة بالابتكارات المتنوعة، وذلك من أجل الخروج بتصور شامل ومتكامل يضمن إيجاد الحلول الملموسة والناجعة للمشكلات التي تلحق أضراراً قاتلة بالاقتصاد الوطني، وتتسبب في انهيار معنويات الكفاءات وانكماشها حيناً وفي هجرتها إلى الخارج حيناً آخر، بحثاً عن المناخات التي توفر الإمكانات والتشجيع والرعاية الدائمة.

وزيادة على هذا، فإن الجزائر لا تعمل بتقليد استقطاب أو توظيف علماء ومفكرين وتقنيين ذوي الصيت العالمي دورياً في الجامعات الجزائرية والمختبرات التابعة لها، ولقد أدى هذا النقص الفادح ولا يزال يؤدي، إلى عدم تلقيح الطاقات العلمية الجزائرية بالتجارب العلمية والفكرية والتقنية الأكثر تطوراً في العالم.

وما زاد الطين بلة، أن الجزائر شهدت منذ اندلاع أزمة العشرية الدموية حتى الآن نزيف هروب آلاف الكفاءات في شتى الميادين إلى فرنسا وكندا وغيرهما من دول المعمورة، وبذلك خسرت الجزائر رأسمال الطاقات العلمية والفكرية والتقنية الذي لا يُعوض بسهولة وفي المدى المنظور.

وينبغي التذكير هنا بأن ملف البحث العلمي والمهني على مستوى منظومة التعليم العالي الجزائري موجود في أرشيف الدولة الجزائرية، وربما يحتاج فقط إلى التحيين والتحسين، علماً أن هذا الملف قد أنجز منذ أربعين سنة، وذلك في ثمانينات القرن الماضي من طرف لجنة الثقافة والإعلام والتعليم برئاسة السياسي الجزائري الراحل عبد الحميد مهري، وتحت إشراف كل من رئاسة الجمهورية في عهد الشاذلي بن جديد والأمانة الدائمة للجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في ذلك الوقت، ولقد كنت شخصياً شاهداً على ذلك باعتباري شغلت منصب عضو اللجنة الوطنية التي قامت بعملية إثراء الميثاق الوطني وتعديله، وبإنجاز الملفات الخاصة بسياسات الإعلام والثقافة ومنظومة التعليم الجزائري بكل مستوياته، وكان معنا في تلك اللجنة الوطنية عدد من الوزراء البارزين، منهم وزير التعليم العالي الراحل عبد الحق رفيق برارحي.

ولكن يلاحظ أن تلك الملفات التي أعدت للتطبيق دُفنت في أدراج الدولة، ولم يعد يذكرها أو يلتزم بإخراجها إلى النور حتى حزب جبهة التحرير الوطني الذي لعب في ذلك الوقت دوراً مركزياً في الإشراف عليها على مدى شهور، وأصبح الآن مشغولاً بمعارك داحس والغبراء بين مناضليه على المستوى المركز العاصمي وعبر المحافظات والدوائر حول توزيع غنيمة المناصب في البلديات والمجالس الولائية والبرلمان وهلم جرّا وسحباً.

شاهد أيضاً

أيهما أخطر؟

بقلم: محمد الرميحي – النهار العربي الشرق اليوم- جاء الزمن الصعب لنسأل أنفسنا: أيهما الأكثر …