الرئيسية / مقالات رأي / ثروات واستعمار ومجاعة

ثروات واستعمار ومجاعة

الشرق اليوم- هل من قبيل الصدفة أن تجتمع هذه المصطلحات الثلاثة “المجاعة والثروات والاستعمار” في منطقة واحدة من المعمورة؟ وهي قارة إفريقيا، القارة السمراء، ليس بسبب السمرة الجميلة لبشرة غالبية سكانها، ولكن نسبة إلى ثرواتها وكنوزها المدفونة في كل شبر منها.

الإجابة بالقطع لا ليس من قبيل الصدفة.. فإفريقيا التي تعد ثانية قارات العالم من حيث المساحة وعدد السكان ويعيش على أرضها ما يقرب من 1.4 مليار نسمة تمتلك ثلث ثروات العالم المعدنية، و65% من أراضيها صالحة للزراعة، وتمتلك احتياطيات كبيرة على المستوى العالمي، من المعادن الثمينة مثل الذهب “40%” والنحاس “40%” والماس “95%”، كما تنتج نحو 12% من النفط عالمياً، و 7.5% من إجمالي الإنتاج العالمي للغاز الطبيعي،ورغم هذه الثروات تعاني شعوبها أسوأ معدلات الفقر، فضلاً عن صراعات ونزاعات دامية.

الأفارقة حقاً يعيشون “زمناً بلا يقين وحياة بلا استقرار”.. هذه الجملة كانت عنواناً لتقرير التنمية البشرية لعام 2022 الصادر عن الأمم المتحدة، وتمثل في الوقت نفسه وصفاً دقيقاً لما تعيشه إفريقيا حالياً، فحالة عدم الاستقرار السياسي تسيطر على عدد كبير من دولها، وفي مقدمتها السودان التي أنهكها الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع في معركة لا طائل من ورائها ولا نتيجة لها سوى هدم السودان سياسياً واجتماعياً وتقسيمه مجدداً، وهو ما عكسه تحذير خطير ورد في تقرير أطلقته منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو”، بشأن أزمة الغذاء المتفاقمة في البلاد، وقالت الفاو: “21 مليون شخص في السودان يواجهون جوعاً حاداً”.

وفي ليبيا ضل ما سُمي “الربيع العربي” طريقه، وتحوّل إلى خريف مدمّر أكل الأخضر واليابس على مدى 13 عاماً مضت، في دولة تعد الأغنى بثرواتها النفطية والمعدنية بين دول القارة، ولكنها ما زالت تائهة في النفق المظلم.

أما النيجر، أحدث الكوارث، فقد انقلب فيها الجيش على الرئيس محمد بازوم، ويديرها الآن مجلس انتقالي يرفض الغرب وفرنسا تحديداً دعمه، وتهدد أمريكا بإزالته فوراً، بينما روسيا ترفض المساس بخيارات شعب النيجر الذي يوشك 4 ملايين نسمة منه على الدخول في مجاعة قاتلة، رغم أنها تنتج 5% من اليورانيوم على مستوى العالم، وتمد فرنسا بما نسبته 70% من الطاقة الكهربائية.

نماذج الشقاء والبؤس في القارة كثيرة، ولكن الحقيقة التي لاجدال فيها أنه ومنذ فجر التاريخ والاستعمار ينهش إفريقيا، بداية من حملات الإسكندر على مصر 356 قبل الميلاد، ومروراً بغزوات الاستعمار الأوروبي بقيادة “بريطانيا وفرنسا وألمانيا والبرتغال وإيطاليا”. منذ نهايات القرن الثامن عشر وحتى الربع الأول من القرن التاسع عشر، ناهيك عن نهب كنوز القارة وتجارة الرقيق التي مارستها أمريكا وأوروبا في أقصى وأقسى صور الاتجار بالبشر. وما زالت عمليات النهب مستمرة، وإن اختلفت صورها بل وتم تقنين بعضها.

“الأمم تتداعى على القارة السمراء مجدداً، كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها”.. والقوى الكبرى تحيل إفريقيا إلى مسرح من الصراع الدولي العسكري والاقتصادي والسياسي في ما بينها، فتهدم كل ما تم إنجازه وتسرق كل ما تبقى.

والخوف كل الخوف ما لم يستفق أبناء إفريقيا.

المصدر: صحيفة الخليج

 

شاهد أيضاً

أميركا إذ تتنكّر لتاريخها كرمى لعينيّ نتنياهو

بقلم: راغب جابر- النهار العربيالشرق اليوم– فيما تحارب إسرائيل على أكثر من جبهة، تزداد يوماً …