الرئيسية / دراسات وتقارير / زيارة مرتقبة للسيسي إلى أنقرة تنهي عشرية الجفاء السياسي

زيارة مرتقبة للسيسي إلى أنقرة تنهي عشرية الجفاء السياسي

بقلم: أحمد عبد الحكيم، محمد مختار – اندبندنت عربية

الشرق اليوم– على رغم بعض التعثر قطار المصالحة بين البلدين يصل إلى وجهته الأخيرة بعد عامين من انطلاقه وآمال معقودة على انتعاشة اقتصادية على مستوى الاستثمارات والتبادل التجاري

يمضي قطار المصالحة المصرية – التركية نحو محطته الأخيرة مع الزيارة المرتقبة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى أنقرة، التي ستكون الأولى من نوعها منذ وصوله إلى السلطة في عام 2014، وبعد أكثر من عقد من الجمود السياسي بين البلدين.

وتأتي الزيارة التي ستشهد أول قمة رسمية بين الرئيس المصري ونظيره التركي رجب طيب أردوغان لـ”تتويج الجهود المتبادلة بين القاهرة وأنقرة لاستعادة الدفء في علاقات البلدين بما يخدم المصالح المشتركة والارتقاء بمستويات التعاون نحو تحقيق تطلعات الشعبين، لا سيما على الصعيدين السياسي والاقتصادي”، وفق ما أوضح مصدر مصري مطلع لـ”اندبندنت عربية” من دون تأكيد موعدها، وذلك بعد نحو شهر من اتفاق البلدين على أهمية البدء الفوري في رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية بينهما وتبادل السفراء.

وبينما لم يصدر أي بيانات رسمية بعد من البلدين حول الموعد المحدد للزيارة أو الملفات التي ستتصدرها، نقلت وسائل إعلام مصرية محلية عن السفير التركي لدى مصر صالح موتلو شين قوله إن “الزيارة حسمت بالفعل بين حكومتي البلدين وذلك مع عودة العلاقات الثنائية”، مشيراً إلى أن الجانبان “يواصلان العمل على برنامج القمة ومضمون الزيارة”، من دون تأكيد موعدها.

هل حسمت الملفات الخلافية؟

على مدار الأشهر الماضية أبقى عدد من الملفات العالقة بين القاهرة وأنقرة على تعثر قطار استعادة العلاقات بين البلدين، الذي انطلق في مايو (آيار) من عام 2021، بـ”محادثات استكشافية” على المستويين الدبلوماسي والأمني، حتى تسرعت وتيرة المصالحة في أعقاب مصافحة “تاريخية” بين السيسي وأردوغان على هامش الافتتاح الرسمي لبطولة كأس العالم لكرة القدم التي استضافتها قطر في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وأعقبها تبادل للزيارات على مستوى وزراء خارجية البلدين.

لم يكد يمر وقت يذكر على فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بولاية رئاسية جديدة حتى أعلن، بعد اتصال هاتفي بينه وبين مهنئه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، رفع مستوى العلاقات مرة أخرى بين البلدين إلى مستوى تبادل السفراء، وهي الخطوة التي نفذت بالفعل في أوائل يوليو (تموز) الجاري.

وبحسب تقارير سابقة كان ملف جماعة “الإخوان المسلمين” التي دعمتها أنقرة وقت وصولها إلى السلطة في مصر في عام 2012، واستضافت عدداً من قياداتها بعد سقوط حكمهم في يوليو (تموز) 2013، فضلاً عن التباينات بشأن ملفات ليبيا وسوريا والعراق وغاز شرق المتوسط أبرز الملفات العالقة في مسار تسريع عودة العلاقات بين البلدين.

وبحسب المصدر المصري الذي تحدث لنا بشكل مقتضب، “على رغم استمرار التباين في وجهات النظر في بعض الملفات إلا أن البلدين اتخذا من الخطوات ما يكفي البناء عليها، لاستعادة علاقات طبيعية واحترام المصالح الوطنية لكل منهما”، موضحاً “أن الفترة المقبلة ستكون كفيلة بأن تشهد مزيداً من التعاون بين البلدين على المستويات الاقتصادية والأمنية والسياسية”.

وخلال الأسابيع الأخيرة بدا أن أنقرة خفت من حدة دعمها لعناصر جماعة “الإخوان المسلمين” التي تصنفها السلطات المصرية “إرهابية”، وذلك بعد أن كانت طالبت القنوات التي يديرها عناصر من التنظيم على أراضيها خلال مارس (آذار) 2021 بتخفيف النبرة الحادة الموجهة ضد مصر.

وأخيراً رصدت تقارير إعلامية تركية عززتها روايات بعض من المنتمين لجماعة الإخوان والمقيمين في تركيا على مواقع التواصل الاجتماعي منع أنقرة تجديد إقامات بعض منهم، فضلاً عن رفضها منح الجنسية لآخرين، لا سيما من هم مطلوبين قضائياً بالنسبة إلى القاهرة.

وفي مايو (أيار) الماضي بث الداعية الإخواني وجدي غنيم، المدان بحكم إعدام بمصر، مقطعاً مصوراً أعلن خلاله رفض السلطات التركية منحه الجنسية بعد تسع سنوات قضاها في البلاد، الأمر نفسه تكرر بالنسبة إلى مجموعة من الإعلاميين المحسوبين على الجماعة، أبرزهم حسام الغمري وعماد البحيري وهشام عبدالله وأحمد عبده وهيثم أبو خليل وغيرهم، مما دفعهم إلى مغادرة الأراضي التركية.

وقبل نحو شهر كشفت قناة “العربية” السعودية، نقلاً عن مصادر لم تسمها، عن أن السلطات التركية رفضت تجنيس قائمة تضم أكثر من 100 من عناصر الإخوان، بينهم عناصر من دول عربية أخرى بخلاف مصر، كما كشفت عن أن هؤلاء قد يتجهون للاستقرار في البوسنة خلال الفترة المقبلة، بعدما تأكد أن الجماعة ستوفر لهم ملاذات آمنة.

كذلك شكلت الأزمة الليبية أحد الملفات الخلافية بين البلدين، إذ ترفض القاهرة الوجود العسكري لتركيا في جارتها الغربية ضمن منطقة تعتبرها عمقاً استراتيجياً لأمنها الوطني، كما تتمسك بإدانة ما تعتبره “تدخلات أطراف إقليمية من بينها أنقرة في الملفات والأزمات العربية لا سيما سوريا والعراق”، في المقابل ووفق مراقبين أتراك فإن أنقرة تضغط بالملف الليبي في مقابل حلحلة أزمة ترسيم الحدود البحرية بمنطقة شرق المتوسط، مما يسمح لها بمزيد من حقوق التنقيب على الغاز، وترى في اجتذاب القاهرة نحوها مكسباً لمواجهة اليونان، “عدوها التقليدي” بتلك المنطقة.

وانعكست صعوبة إحراز أي تقدم في تلك الملفات الخلافية على تباطؤ قطار المصالحة بين البلدين، وهو الأمر الذي تجلي في تصريحات من أعلى الهرم الدبلوماسي في البلدين، إذ أعلن وزير الخارجية المصري في أكثر من مناسبة العام الماضي تعثر مسار تطبيع العلاقات، مرجعاً الأمر إلى عدم حدوث “أي تغيرات في إطار الممارسات من أنقرة”، مشيراً إلى غضب القاهرة من الوجود العسكري التركي في ليبيا، ومؤكداً أن “من الأمور التي تثير القلق هو عدم خروج القوات الأجنبية من ليبيا”، في المقابل أوضح وزير الخارجية التركي حينها مولود جاويش أوغلو أن “تطبيع العلاقات مع مصر يسير ببطء، ولسنا المسؤولين عن ذلك”، مضيفاً “إذا كانت مصر صادقة في تطبيع علاقاتها مع تركيا فعليها اتخاذ خطوات ملموسة”، واعتبر أن “التعاون بين البلدين ستكون له انعكاسات إيجابية على المنطقة”.

ويقول مساعد وزير الخارجية المصري السابق رخا أحمد حسين إنه في وقت لم يحدد بعد موعد زيارة الرئيس السيسي إلى تركيا، إلا أنها تمثل بالتأكيد “بداية عهد جديد بين البلدين”، موضحاً في حديثه لـ”اندبندنت عربية” أن “الاتفاق على ترفيع مستوى العلاقات بين البلدين وتبادل السفراء يعني بشكل ضمني أن الطرفين وصلا إلى مرحلة ما من تسوية جميع الملفات العالقة في ما بينهم، أو اتخاذ خطوات من شأنها التمهيد لتسوية ما تبقى”، مشيراً في الوقت ذاته إلى الإشارات الإيجابية التي جاءت من تركيا بخصوص جماعة الإخوان المسلمين والتضييق على أعضائها لا سيما المطلوبين بالنسبة إلى القاهرة خلال الأيام الأخيرة.

وذكر رخا أن ملف الإخوان كان العقبة الأكبر في عودة العلاقات لطبيعتها بين البلدين، موضحاً “أن الملفات الأخرى كالملف الليبي وملف التدخلات التركية في سوريا والعراق فإن تعقيدها أكثر من مجرد وجود الطرف التركي”، وأضاف أن ملف غاز المتوسط ليس “منحصراً على الطرفين التركي والمصري، وأن مشكلة أنقرة الأكبر مع قبرص وباليونان في هذا الشأن”.

وبحسب رخا فإن أهمية الزيارة يكمن في قدرتها على “إزالة جزء كبير من حال الاحتقان التي كانت موجودة بين قيادتي البلدين، والآمال المنعقدة عليها في أن تفتح المجال للتوسع في الاستثمارات والتبادل التجاري”.

من جانبه يقول غواد غوك المحلل السياسي التركي في حديثه لنا أن “حسم ملف جماعة الإخوان المسلمين في تركيا سرع من وتيرة المصالحة بين البلدين”، مضيفاً أن “استعادة العلاقات وإعادة الزخم لها إلى طبيعتها من شأنه أن ينعكس بشكل إيجابي على عديد من ملفات المنطقة لا سيما ليبيا وسوريا والعراق”.

وذكر غوك “لا شك في أن المصالحة في صورتها النهائية تخدم مصالح البلدين الإقليمية والوطنية، لا يمثله البلدان من ثقل على الصعيد الإقليمي، وأن خطوة استعادة السفراء من شأنه حلحلة مزيد من القضايا العالقة عبر المسارات الدبلوماسية والحوار بين تركيا ومصر”.

آمال اقتصادية واسعة

وفق من تحدثوا لـ”اندبندنت عربية” يعد الملف الاقتصادي وتعزيز الاستثمارات والتبادل التجاري بين البلدين أحد أبرز الثمار المرتقبة من الزيارة، لا سيما في وقت يعاني فيه اقتصاد البلدين تحديات كبيرة خلفتها الحرب الروسية – الأوكرانية وما قبلها سنوات الوباء، فضلاً عن الانهيارات غير المسبوقة في العملة وارتفاع نسب التضخم.

فمن جانبه أعرب نائب رئيس جمعية رجال الأعمال الأتراك المصريين (تومياد) متى بشاي، عن بالغ تفاؤله بزيارة الرئيس المصري المرتقبة إلى تركيا، قائلاً إن الزيارة التي تأتي لإذابة الجليد بعد سنوات من التوتر، ينتظر أن يكون لها أصداء على الصعيد الاقتصادي بشكل ملحوظ.

وعلى رغم الخلافات السياسية بين البلدين خلال العقد الماضي إلا أن الأرقام على الصعيد الاقتصادي تكشف عن تطور يؤشر إلى مضي المسار الاقتصادي بمعزل عن المواقف السياسية، إذ استوعبت السوق التركية العام الماضي صادرات مصرية بقيمة 4 مليارات دولار من 3 مليارات دولار في عام 2021، بنسبة نمو بلغت 32.3 في المئة، لتحتل بذلك المركز الأول في قائمة الدول الأكثر استيراداً من مصر، كما ارتفعت قيمة التبادل التجاري بين البلدين لتصل 7.7 مليار دولار عام 2022 من 6.7 مليار دولار في العام السابق له، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.

وذكر بشاي في حديثه لـ”اندبندنت عربية”، إلى الاجتماعات الأخيرة لـ”تومياد” التي استهدفت مناقشة كيفية الاستفادة القصوى من التقارب الأخير بين البلدين، وكيفية جذب مزيد من الاستثمارات التركية إلى مصر، وفي المقابل استيعاب السوق التركية لصادرات مصرية أكبر.

وارتفعت الاستثمارات التركية في مصر 179.9 مليون دولار خلال العام المالي 2021-2022، في مقابل 138.1 مليون دولار في العام السابق له، بنسبة نمو 30.3 في المئة بحسب بيانات “الإحصاء المصري”.

ويرى نائب رئيس جمعية رجال الأعمال الأتراك المصريين (تومياد) أن العلاقات المصرية – التركية هي علاقات متجذرة، وأن تركيا من أكبر أسواق الصادرات المصرية والعكس صحيح، علاوة على كونها من أكبر الدول المستثمرة في مصر، وأن المستثمر التركي ليس كغيره من المستثمرين الأجانب في مصر، بل هو مستثمر يعرف السوق المصرية جيداً.

على رغم ذلك يعتقد متى بشاي أن الضبابية الحالية في سعر الصرف والتضخم قد تلقي بظلالها على تطور العلاقات الاقتصادية بين البلدين، كما في ملفي الاستثمار والتبادل التجاري، ومن شأن تسوية تلك المعضلة دفع المؤشرات الاقتصادية قدماً الفترة المقبلة ليس مع تركيا فحسب، إنما مع جميع الدول الأخرى.

يتفق رئيس مجلس الأعمال المصري التركي عادل اللمعي، مع ما ذهب إليه متى بشاي في شأن الزيارة المرتقبة للرئيس المصري، التي يصفها اللمعي في حديثه لنا بـ”التاريخية”، كونها تأتي بعد سنوات طويلة من الجفاء السياسي كما يقول.

لم يفت اللمعي التأكيد على “حصافة الدولة المصرية” بعد عام 2013، إذ يقول إن القاهرة كانت حريصة كل الحرص على فصل الملف السياسي عن الملف الاقتصادي، وأن يمضي الأخير بمعزل عن العلاقات السياسية التي توترت خلال العقد الأخير بين البلدين.

يضيف اللمعي أن العلاقات الاقتصادية بين القاهرة وأنقرت مضت على نحو جيد للغاية طوال العشرية الماضية، على رغم الضبابية التي غلفت العلاقات السياسية بين البلدين، ويعتقد أن زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى أنقرة بدعوة رسمية من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ستكون بمثابة تطور مهم على صعيد العلاقات بين مصر وتركيا خلال السنوات الأخيرة، وستؤدي إلى زيادة الاستثمارات التركية في مصر، وستبعث رسائل طمأنة في شأن ضخ الاستثمارات التركية، وتمنح المستثمرين الأتراك في مصر فرصة للتوسع وزيادة التبادل التجاري.

وينظر رئيس مجلس الأعمال المصري التركي إلى أصداء الزيارة المرتقبة فيقول إن تبعاتها ستظهر لاحقاً، فالتطور الاقتصادي سيأتي في مرحلة لاحقة للتقارب السياسي الحالي بين القيادتين السياسيتين في القاهرة وأنقرة، وسينعكس ذلك بشكل سريع على مؤشرات التجارة البينية والاستثمارات.

وفي الرابع من يوليو (تموز) الجاري رفعت مصر وتركيا مستوى العلاقات الدبلوماسية بينهما بإعلان وزارتي الخارجية في البلدين تبادلهما سفيرين للمرة الأولى منذ 10 سنوات، لتعيد القاهرة وأنقرة بذلك العلاقات بينهما إلى طبيعتها، إذ عينت القاهرة عمرو الحمامي سفيراً لها لدى أنقرة، بينما عينت تركيا صالح موتلو شن سفيراً لدى القاهرة.

ومنذ عام 2013 توترت العلاقات بين البلدين على خلفية إطاحة نظام جماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها السلطات المصرية “إرهابية”، فيما كان النظام التركي يدعمها بقوة، وأكد أردوغان في أكثر من مناسبة أنه لن يقبل المصالحة مطلقاً مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. إلا أنه ومع بداية عام 2021 شهدت العلاقات بعض التحسن، وكانت أولى بوادره تصريحات أردوغان في مارس من العام ذاته بأن الجانبين أجريا اتصالات استخبارية ودبلوماسية واقتصادية، وبأنه يرغب في علاقات قوية مع القاهرة.

وبعد ذلك بأسبوع طلبت الحكومة التركية من ثلاث قنوات مصرية مقرها إسطنبول وتقول القاهرة إنها مرتبطة بجماعة الإخوان، وقف بعض برامجها السياسية وخطابها المعادي للسلطات المصرية، كما تحدثت وسائل إعلام عربية عن إغلاق تركيا ما وصفته بمقار الإخوان في البلاد.

شاهد أيضاً

“نيويورك تايمز”.. الإدارة الأمريكية متفائلة بشان هدنة غزة

الشرق اليوم- إن إدارة جو بايدن “متفائلة” بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحركة …