الرئيسية / مقالات رأي / متى يكون لبنان أولاً؟

متى يكون لبنان أولاً؟

بقلم: حسام ميرو – صحيفة الخليج

الشرق اليوم– بلغة الميتافيزيقيا، يمكن تصوّر انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020، بأنه إشارة واضحة إلى اللبنانيين عموماً، والنخب السياسية خصوصاً، بضرورة تجنّب حدوث انفجار أكبر، لبلد عانى ويلات الحرب الأهلية، ولا يزال يعاني تبعاتها، واللجوء إلى هذه الاستعارة الميتافيزيقية، يبدو أشبه بالضرورة لوصف حال يقارب العبث، وغياب أي منطق للعقلانية في كل مستوياتها؛ بل وعدم مراكمة أية معرفة عملية، لا من ماضي الاقتتال الأهلي، أو من مجريات السنوات الأخيرة في المنطقة.

مؤخراً، ودّعت السفيرة الفرنسية آن غريو لبنان واللبنانيين برسالة، يمكن اختصارها باليأس، فقد فشلت كل محاولات فرنسا الدبلوماسية، وما حملته من اهتمام كبير، منذ انفجار المرفأ، بدأ بزيارة خاصة للرئيس إيمانويل ماكرون إلى بيروت، وإبداء التضامن والدعم، ويأتي إعلان هذا الفشل بعد ثلاث سنوات من العمل المشترك مع المؤسسات اللبنانية، لتجاوز أزمات لبنان، السياسية والاقتصادية، من دون أي نجاح يذكر في حضّ اللبنانيين على تجاوز خلافاتهم وانقساماتهم.

قدّمت فرنسا، ومن ورائها الاتحاد الأوروبي، حلولاً تقوم على إعادة هيكلة القطاعات المالية، وإنشاء آليات للحوكمة في المؤسسات الحكومية، لكن الجولات الكثيرة التي خاضتها باريس في هذا المسعى، اصطدمت على الدوام بتفاصيل واقع الحال السياسي والمؤسساتي اللبناني، القائم أساساً، وبشكل دستوري، على محاصصات سياسية/ طائفية، وليس على أساس منح الأولوية للكفاءات التكنوقراطية، وبالتالي، فإن محاولات باريس وبروكسل في إحداث تغييرات هيكلية ضمن القطاعات المؤسساتية، كان من شأنه أن يمسّ المصالح القائمة على المحاصصات الطائفية، وهو ما لا تقبل به القوى السياسية، التي احتكرت تمثيل الطوائف، وتمتّعت بذلك بإمكانيات تعطيل أي تحوّلات من شأنها أن تقلّل من حجم مصالحها ونفوذها.

منذ أكتوبر الماضي، دخل لبنان في حالة فراغ في منصب رئاسة الجمهورية، من دون أن تفضي الجلسات النيابية العديدة، المخصّصة لانتخاب رئيس جديد، إلى أي نتيجة، وهو أمر غير مستغرب بالنسبة للبنانيين، الذين يعرفون أن مثل هكذا جولات هو مجرّد تمرير للوقت، وتمسك شكلي بالبروتوكلات البرلمانية، فانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، يحتاج كالعادة إلى توافقات إقليمية ودولية.

بلغة السياسيين اللبنانيين، فإن «كلمة السر» تأتي من خارج الحدود؛ إذ إن موازين القوى الداخلية تعيق إمكانية حسم الموقف السياسي الداخلي لمصلحة أي فريق لبناني، الذي يحتاج، إلى تثقيل وزنه إلى قوة مضافة من الخارج، كانت تشكلها على مدار سنوات طوال اتجاهات السياسة في دمشق، بناء على توافق إقليمي/ دولي بمنح دمشق هذا النفوذ، الذي بدأ ينحسر تدريجياً منذ عام 2005، إثر خروج القوات السورية من لبنان، وصولاً إلى مآلات السنوات الأخيرة في المشهد السوري.

تعاطي النخب السياسية اللبنانية مع واقع الفراغ في الرئاسة والحكومة، يوحي بوجود نوع من الرفاهية في الوقت، بينما الواقع الفعلي لمجمل الأوضاع اللبنانية، يشير إلى أن مقوّمات وجود لبنان نفسه آخذة في الاضمحلال، فقد خسرت العملة الوطنية حوالي 98% من قيمتها، خلال السنوات الثلاث الماضية، مع ارتفاع مستوى التضخم إلى 170%، وارتفاع نسبة الفقراء (بحسب الإسكوا والبنك الدولي) إلى حوالي 85% من الشعب اللبناني، وازدياد الهجرة إلى الخارج، مع توقف شبه كلي لحركة الاستثمار، خصوصاً بعد أزمة المصارف اللبنانية، التي خسر فيها معظم المودعين القسم الأكبر من أموالهم، بمن فيهم مستثمرون غير لبنانيين.

في مستوى الوعي السياسي والحزبي اللبنانيين، يصح إعادة السؤال الذي طرح مراراً وتكراراً منذ سبعينات القرن الماضي، وهو سؤال الموقع الفعلي للبنان في هذا الوعي، وأين يأتي ترتيبه في سلّم الانتماءات والمصالح، فشرعية بقاء السؤال راهناً لعقود، تأتي من استعصاء التحوّل المطلوب وطنياً في أن يكون لبنان أولاً، قبل الطائفة والمنطقة والعائلة والمصالح الخاصّة، وقبل العلاقات والانحيازات لهذه الدولة أو تلك في الإقليم والعالم.

كان لبنان، أول دولة عربية تأخذ صفة الجمهورية في العالم العربي، وهي صفة، تعبّر سياسياً عن تحولات حديثة وحداثية في الانتماء، لبناء مستوى من المواطنية، قوامه الفرد/ المواطن، وليس الجماعة الأهلية، لكن مسيرة بناء الجمهورية في لبنان، بقيت تمضي نحو تثبيت العلاقات ما دون الوطنية والمواطنية؛ بل وتجيير الواقع الاقتصادي، ليكون مطابقاً لهذه العلاقات التقليدية، لكن هذا المفارقة التاريخية بين مسمى الجمهورية وواقعها الفعلي، استنفدت ممكناتها التاريخية، فإما أن يكون لبنان أولاً، ومعه الجمهورية، وإما المقامرة بمستقبل لبنان واللبنانيين.

شاهد أيضاً

تركيز أميركي على إبعاد الصين وروسيا عن أفغانستان!

بقلم: هدى الحسيني- الشرق الأوسطالشرق اليوم– لا شك في أن كل الأنظار تتجه إلى التطورات …