الرئيسية / مقالات رأي / عندما فَقَد اتفاق الحبوب معناه السياسي

عندما فَقَد اتفاق الحبوب معناه السياسي

بقلم: سميح صعب- النهار العربي
الشرق اليوم– إنسحاب روسيا من اتفاق الحبوب أتى بعد رسائل التصعيد التي شهدتها قمّة حلف شمال الأطلسي في فيلنيوس عاصمة ليتوانيا في 11 تموز (يوليو) الجاري و12 منه. من التعهّدات الغربية بمنح أوكرانيا المزيد من المساعدات العسكرية والمالية، ووعد بالعضوية في أكبر تحالف عسكري في العالم بعد انتهاء الحرب، فضلاً عن رفع تركيا تحفّظها عن انضمام السويد إلى الحلف.

في القمّة، لم يتحدث أحد عن التفاوض أو عن سلوك طريق الديبلوماسية لحلّ النزاع الأوكراني. وظهر جلياً أنّ الدول الأعضاء في الأطلسي تراهن كلها على نجاح الهجوم الأوكراني المضاد في طرد القوات الروسية، وأنّ هذه الدول مستعدة لتحمّل تكاليف وأعباء هذا الهجوم، من موازناتها ومن مخازن أسلحتها التي تكاد تنضب.

إذا أضفنا إلى كل ذلك استدارة تركية ملحوظة نحو الغرب في مقابل وعود أميركية وأوروبية بتقديم مساعدات لإنتشال الإقتصاد التركي من الإنهيار، وبيع واشنطن أنقرة مقاتلات “إف-16″، أحدث نوعاً من الصدمة في روسيا، التي لم تخف استياءها من إفراج تركيا عن خمسة من أسرى “كتيبة آزوف” الأوكرانية خلال زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى إسطنبول في وقت سابق من الشهر الجاري. إنّ روسيا سلّمت الأسرى لتركيا على أساس أن تبقيهم لديها إلى حين انتهاء الحرب.

وتركيا، هي لاعب رئيسي في اتفاق الحبوب الذي تمّ التوصّل إليه في آب (أغسطس) 2022. وساعد الإتفاق في تعزيز الدور الإقليمي لرجب طيب أردوغان، الذي فاخر على الدوام بهذا الإنجاز، بوصفه مساهمة تركية في إنقاذ ملايين البشر من الجوع، لو بقيت طرق تصدير الحبوب مقفلة.

وتحسب روسيا لتركيا عدم انضمامها إلى العقوبات الغربية، في مقابل استفادة أنقرة من الغاز والنفط الروسيين ومن السياح الروس. ونمت الروابط التجارية في الأعوام الأخيرة بين تركيا وروسيا، في ما بدا إتجاهاً من أردوغان للاضطلاع بدور “متوازن” بين روسيا والغرب.

لكن الصعوبات التي يمرّ فيها الاقتصاد التركي، دفعت أردوغان إلى إعادة التموضع والابتعاد عن روسيا، بحثاً عن مساعدات اقتصادية أميركية وأوروبية.

وعليه، لا يمكن استبعاد أن يكون الإستياء الروسي من المواقف التركية المستجدة، من العوامل التي تضافرت لجعل بوتين يتخذ قرار الإنسحاب من اتفاق الحبوب، ما شكّل رداً روسياً أولياً على الاستدارة التركية.

وفي الإجمال، لعبت مناخات التصعيد الأطلسية والتركية، إلى الضربة التي وجّهتها القوات الأوكرانية لجسر كيرش الذي يربط روسيا بشبه جزيرة القرم ليل الأحد- الاثنين الماضي، في جعل الكرملين يحسم قراره بعد ساعات بالانسحاب من اتفاق الحبوب.

وعلاوة عل كل ذلك، تشكو موسكو من أنّ الجانب الخاص بروسيا في الاتفاق لم يُنفّذ، أي ذلك الشقّ المتعلق بتصدير الحبوب والأسمدة الروسية. والسبب عائد إلى العقوبات الغربية التي تحظّر على الشركات البحرية نقل البضائع الروسية. وهكذا بقي الاتفاق منقوصاً من وجهة النظر الروسية.

لكن ما يجب النظر إليه في الوضع الراهن الذي يتجاوز الجانب التقني للاتفاق، إلى الجوانب السياسية، يوم وافقت روسيا على الاتفاق ربما كانت تعتقد أنّ في الإمكان جعله أساساً لبدء مفاوضات مع أوكرانيا حول سبل وقف النزاع.

صحيحٌ أنّ الاتفاق ساهم في إنقاذ الملايين من الجوع، لكنه لم يقدّم أي مساهمة في السياسة. وعندما تنسحب روسيا من الاتفاق اليوم، فإنّها لن تعود إليه إلاّ بعد تلبية طلباتها المتعلقة بتصريف إنتاجها من الحبوب والأسمدة.

هل الجانب التركي مستعد ليضمن موافقة الدول الأوروبية على تسهيل مرور الصادرات الروسية؟ هذا ما يمثّل تحدّياً لأردوغان ومهاراته الدبيلوماسية في إقناع الجانب الآخر بالمطالب الروسية.

في مرحلة التصعيد الجديد للحرب، ربما يكون من الصعوبة بمكان تحقيق اختراق على أي مستوى آخر. وهذا فولوديمير زيلينسكي يدعو إلى تحدّي روسيا وتسيير سفن القمح من دون موافقة روسيا. لكن القصف الروسي الذي طاول الموانئ في أوديسا الأوكرانية، يؤشر إلى استعداد روسي لردّ على التصعيد بتصعيد.
كيف يمكن أن يتطوّر الوضع بين يوم وآخر؟ يبقى عصياً على التكهن.

شاهد أيضاً

الأردن: معركة محور التّطرف!

بقلم: محمد صلاح – النهار العربي الشرق اليوم- ليس سراً أن مصر والأردن خسرا كثيراً …