الرئيسية / مقالات رأي / 25 تموز في تونس

25 تموز في تونس

بقلم: أسامة رمضاني- النهار العربي
الشرق اليوم- تحتفل تونس يوم 25 تموز (يوليو) المقبل، مثل كل عام، بـ”عيد الجمهورية” الذي يخلّد ذكرى إقامة النظام الجمهوري على أنقاض الملكية سنة 1957.

بقي الاحتفال بهذه الذكرى صامداً أمام تغير الحكومات والأنظمة المتعاقبة، وما رافقها من مراجعات لرزنامة الأعياد والعطلات الرسمية. ولكن يوم 25 تموز يذكّر التونسيين أيضاً بالعديد من الحوادث الأخرى التي طبعت التاريخ السياسي المعاصر للبلاد.

في بعض الحالات اختار حكام تونس هذا التاريخ، لأنهم رأوا فيه رمزية يستظلون بها في محاولتهم إكساب مبادراتهم شرعية أكبر.

ترى المؤرخة التونسية أروى العبيدي المختصة في مظاهر “التوظيف السياسي للماضي”، أن الكثير من الحوادث المرتبطة بـ25 تموز في تونس كانت مرتبطة بالمسألة الدستورية التي “شكلت الهاجس الأكبر على مدى قرن كامل من الاضطرابات السياسية”.

يبدو كلامها صحيحاً إلى حد كبير، بخاصة إذا ما تذكرنا تزامن هذا التاريخ مع محطات دستورية مهمة، آخرها مبادرة الرئيس قيس سعيّد تجميد البرلمان قبل حله وإقالة الحكومة في 25 تموز 2021، ثم تنظيمه بعد ذلك بسنة بالضبط، أي في 25 تموز 2022، استفتاءً شعبياً حول دستور جديد أراد به التأسيس لمنظومة جديدة أعطته سلطات واسعة. بل إن إحدى المجموعات المساندة لتمشي الرئيس التونسي الحالي انضوت تحت لواء مبادرة أسمتها “حراك 25 تموز”.

وكان الرئيس الراحل زين العابدين بن علي قد اختار قبله تاريخ 25 تموز 1988 لتنقيح الدستور، من أجل إلغاء الرئاسة مدى الحياة التي كان قد كرّسها تنقيح دستوري سابق إبان حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة سنة 1975.

اختيار هذا التاريخ من قبل الرئيسين سعيّد وبن علي، يعكس قناعة بأن صورة 25 تموز كتاريخ تأسيس النظام الجمهوري هي صورة لا غبار عليها ولا جدال فيها في أذهان التونسيين.

بعد مرور 66 عاماً على إعلان الجمهورية من قبل بورقيبة كأساس لبناء الدولة العصرية المستقلة، لم يفقد الحدث بريقه ولم يصبح محل تنازع بين الفرقاء السياسيين. ولم ترتفع أبداً أصوات للمطالبة بعودة الملكية، وإن طالب البعض بإعادة الاعتبار لأفراد الأسرة الحاكمة السابقة الذين تعرضوا للإذلال بعد إطاحة حكم “البايات”. بقي الإجماع على الجمهورية قائماً، وإن رأى منتقدو بورقيبة أنه أسس بإعلانه الجمهوري تقاليد للحكم الفردي والسلطوية في البلاد.

غاب الإجماع عن العديد من المحطات الأخرى من تاريخ الحركة الوطنية، ومن بينها محطة الاستقلال ذاتها.

كان هناك مأخذ غير معلن من أنصار بورقيبة والحزب الدستوري على وثيقة الاستقلال لسنة 1956، هو أن الرئيس الأول للبلاد التونسية لم يكن هو الشخصية التي وقعت على وثيقة الاستقلال من فرنسا. أما من منطلق غرمائه القدامى والجدد فهذه المحطة لم تحقق الاستقلال الفعلي للبلاد، بل كرّست مواصلة المستعمر هيمنته على خيرات البلاد وعلى قراراتها السيادية.

بعد 2011 طفت على السطح مظاهر استقطاب حاد تعود جذورها إلى الانشقاق بين جناحي بورقيبة وصالح بن يوسف بخصوص الاستقلال الذاتي سنة 1955. وكاد الخلاف بين الجناحين آنذاك يلقي بالبلاد في أتون حرب أهلية مدمرة.

كانت هناك حوادث أخرى لا علاقة لها بالدستور صادفت تاريخ 25 تموز، وكان بعضها قضاءً وقدراً. وشكلت كلها حوادث مفصلية أثّرت في المسارات السياسية بكل تأكيد.

في اليوم نفسه من عام 2013 اغتيل النائب في المجلس الوطني التأسيسي ومؤسس التيار الشعبي (قومي عربي) محمد البراهمي، بعد أشهر قليلة من اغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد.

كادت تونس بعد الاغتيالين تسقط مرة أخرى فريسة للحرب الأهلية.

ولا يزال الاغتيالان يشكلان عاملاً محدداً في الحياة السياسية، بخاصة أنه لم تتضح حتى اليوم ملابساتهما، وإن كان يُعتقد أن متطرفين إسلاميين كانت لهم يد في الاغتيالين.

بعد عقد كامل من الزمن من البحث عن الأسباب والمسببات، يختار حزب التيار الشعبي تاريخ 25 تموز 2023 بالذات لعقد ندوة صحافية ينوي أن يقدم خلالها – بحسب قول قادته – “حججاً وبراهين وأجوبة دقيقة عن الأسئلة التي طُرحت طيلة 10 سنوات”.

وقبل أربع سنوات في 25 تموز من سنة 2019 توفي الرئيس الباجي قايد السبسي. وانتهت بوفاته فترة حكم حزب “نداء تونس”، بل أنهت وفاته الدور السياسي للحزب وطوت نهائياً صفحة “التوافق” التي أشركت إسلاميي “حزب النهضة” في الحكم إن لم تكن أعطتهم ريادة المشهد. وفتح رحيل قايد السبسي الطريق خلال العام نفسه أمام انتخابات جديدة أتت بقيس سعيد – الجامعي غير المعروف بين الزعماء التقليديين – إلى سدة الحكم.

كل هذه المحطات والحوادث أظهرت أن تاريخ تونس الحديث، بعكس السرديات التي حاولت أنظمة ما بعد 25 تموز 1957 ترسيخها، لم يكن دوماً مساراً سياسياً سلساً وهادئاً. كان ولا يزال مزيجاً من التحولات السلمية ومن التشنجات العنيفة التي بلغت حد وضع البلاد على حافة الاحتراب الداخلي.

الوعي بهذا الخيط الناظم في تاريخ تونس من شأنه أن يشجع الفرقاء السياسيين على الواقعية والحذر من المطبات والهزات التي يمكن أن تطرأ على الساحة حتى لما يبدو الهدوء مستتباً.

وبغض النظر عن السرديات الرسمية ومحاولات الاستظلال بتاريخ 25 تموز، فإن البحث عن الحلول الحقيقية لأزمات تونس كان ولا يزال رهين قدرة قادتها على النظرة الثاقبة والشجاعة التي تأخذ بالاعتبار مصلحة البلاد على المدى البعيد، بعيداً من حسابات السلطة وإغراءاتها.

كما يظهر تاريخ تونس منذ 25 تموز 1957 أن البلاد تحتاج إلى سلطة حاكمة، تصر على إدخال الإصلاحات الضرورية بقدر إصرارها على هندسة الدساتير أو توظيفها.

شاهد أيضاً

إنصاف «الأونروا»

بقلم: وليد عثمان – صحيفة الخليج الشرق اليوم- لم تكن براءة وكالة الأمم المتحدة لغوث …