الرئيسية / مقالات رأي / الغرب ومفارقات حقوق الإنسان

الغرب ومفارقات حقوق الإنسان

بقلم: إدريس لكريني – صحيفة الخليج

الشرق اليوم– تعيش الكثير من الأوساط الغربية خلال هذه الأيام على إيقاع ثلاثة أحداث، أعادت بشكل جدّي النقاشات حول واقع حقوق الإنسان وحرياته داخل هذه الدول التي طالما وجّه زعماؤها ونخبها الانتقادات والدروس لدول أخرى؛ في سياق حثّها على احترام الحقوق والحريات. بل وصل الأمر إلى حدّ الدفع باتجاه فرض عقوبات وتدابير زجرية في هذا الخصوص؛ وهو ما عكسته الكثير من التدخلات التي تمت في كل من العراق وليبيا والسودان، وغيرها من مناطق العالم؛ بذريعة حماية حقوق الإنسان والحريات.

 يتعلق الحادث الأول باندلاع احتجاجات عارمة في فرنسا، إثر مقتل شاب فرنسي من أصول جزائرية برصاص أحد أفراد الشرطة، ضمن سلوك عنصري، أثار الكثير من الانتقادات والتنديد، وبصورة أعادت إلى الأذهان الممارسات العنصرية التي ما فتئت تواجه المهاجرين .

 أما الحادث الثاني، فيتعلق بإقدام شخص سويدي من أصول عراقية على إحراق القرآن الكريم، بعد سماح السلطات السويدية بالأمر، في سياق خطوة مستفزّة، خلّفت استياء كبيراً، وتنديداً واسعاً، بخاصة داخل أوساط البلدان الإسلامية، والجالية المسلمة المقيمة بأوروبا، وانكشف معها حجم العداء الذي تكنّه بعض التيارات المتطرفة في الغرب للإسلام والمسلمين، ضمن ما يعرف ب”الإسلاموفوبيا”.

 لا يمكن تبرير هذه الخطوة المسيئة للدين الإسلامي ولشعور المسلمين، والتي تنطوي في مجملها على حسابات سياسية ضيقة، تنتعش منها الأحزاب والتيارات اليمينية المتطرفة في أوروبا، بممارسة حرية التعبير، فهي مرفوضة بكل المعايير، الأخلاقية والدينية والقانونية، خصوصاً أنها تحرض على العنف.

 ويتعلق الحدث المؤسف الثالث بانفجار الغواصة “تيتان” التي كانت تحمل خمسة أثرياء ضمن رحلة استكشافية في أعماق البحر، والذي حظي بمتابعة إعلامية، غربية ودولية، واسعة، لم يسبق أن لاقتها الكثير من أحداث غرق المهاجرين في مناطق مختلفة من العالم.

 فقد شهد البحر الأبيض المتوسط، خلال السنوات الأخيرة، حوادث غرق عدة، تسبّبت في مقتل الكثير من الشباب الراغب في الهجرة نحو الضفة الشمالية، كان آخرها غرق سفينة قبالة السواحل اليونانية، كانت تقلّ أكثر من سبعمئة مهاجر سرّي من جنسيات مختلفة، ما تسبب في وفاة أكثر من سبعين منهم، وفقدان المئات، وهي المحطات التي ووجهت بتعتيم إعلامي كبير، ذلك أنها لم تلق متابعة إعلامية ومواكبة من قبل الرأي العام الغربي.

 إن المفارقة التي تطبع تعاطي الدول الغربية مع قضايا حقوق الإنسان، والتناقض الصارخ بين الخطابات والممارسات في هذا الشأن، ليست جديدة، فقد وظفت المدخل الإنساني كآلية لتحقيق أهدافها واستراتيجيتها في عدد من مناطق العالم، كالشرق الأوسط وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، حيث شكلت حماية حقوق الإنسان ذريعة للقيام بعدد من التدخلات الانفرادية، أو في إطار الأمم المتحدة.

 كما دأبت الكثير من الدول والمنظمات الغربية على إصدار تقارير ترصد من خلالها واقع حقوق الإنسان في عدد من بلدان العالم، وهي التقارير التي كثيراً ما حملت “دروساً” وتوجيهات في هذه المجال.

 وفي مقابل ذلك، سكتت الكثير من الدول الغربية عن جرائم طالت عدداً من الشعوب، كما هو الشأن بالنسبة للشعب الفلسطيني، بينما مارست الولايات المتحدة جرائم خطرة داخل العراق وأفغانستان في أعقاب تدخلها العسكري داخل البلدين، وشكلت مكافحة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر، ذريعة للتضييق على الحقوق والحريات داخل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية، ولتنامي الممارسات العنصرية ضد العرب والمسلمين وربطهم بشكل تعسفي بالتطرف والعنف.

 ورغم التطور الكبير الذي شهدته قضايا حقوق الإنسان في أبعادها الكونية، مع صدور عدد من الاتفاقيات والتشريعات والمواثيق ذات الصلة، فإن هذه الأحداث تكشف عن حجم التناقضات والتحديات التي تواجهها، والتمييز التي يطبع التعامل معها.

شاهد أيضاً

أيهما أخطر؟

بقلم: محمد الرميحي – النهار العربي الشرق اليوم- جاء الزمن الصعب لنسأل أنفسنا: أيهما الأكثر …