الرئيسية / مقالات رأي / بوتين والغرب وتمرد فاجنر

بوتين والغرب وتمرد فاجنر

بقلم: عمرو حلمى- المصري اليوم
الشرق اليوم– يُجمع العديد من القوى الغربية على أن التطورات التى شهدتها روسيا مؤخرًا قد كشفت مدى هشاشة نظام بوتين وأنها مزقت ما تبقى من صورة الرئيس الروسى المصممة بعناية كضامن «للاستقرار» أو shredded what remained of the Russian president’s carefully crafted image as the guarantor of “stability.”.

وبغض النظر عن مدى سلامة التقديرات التى صدرت عن واشنطن وباريس وبرلين حول تآكل مكانة الرئيس بوتين وإمكانية تعرضه للإطاحة، إلا أنها فى ذات الوقت لم تخلُ من القلق من احتمالات أن تتمسك الشخصيات التى يمكن أن تخلف الرئيس بوتين- فى حالة الإطاحة به- بنهج يمينى قومى متشدد.

وأن تتخذ قيادة روسية جديدة مواقف شديدة التطرف بعد أن تضع يدها على ترسانة هائلة من أسلحة الدمار الشامل، الأمر الذى سيمثل تهديدًا خطيرًا لكافة دول الناتو، إذ تمتلك روسيا أكبر مخزون فى العالم من الأسلحة النووية وبرامج أسلحة كيميائية وبيولوجية كبيرة، وكلها تشكل خطرًا كارثيًا إذا وقعت فى الأيدى الخطأ.

ويبدو أن القوى الغربية تحاول الاستعداد لاحتمالات أن تشهد روسيا اضطرابات داخلية فى حالة الإطاحة ببوتين، خاصة أن التطورات التى شهدها العالم، والتى بدأت بانهيار حائط برلين عام ١٩٨٩ ثم وحدة الألمانيتين عام ١٩٩٠، ثم انهيار وتفكك الاتحاد السوفيتى عام ١٩٩١، قد حدثت بسرعة فائقة لم تتوقعها حتى أشد القوى التى كانت تتطلع لكسب الحرب الباردة، الأمر الذى أحدث ارتباكًا حيال كيفية التعاطى مع انهيار القوة العسكرية العظمى الثانية على مستوى العالم.

فالعديد من الدوائر الغربية التى كانت تدرك ضخامة التحديات التى كانت تواجه الاتحاد السوفيتى لم تكن تتخيل أن يحدث الانهيار والتفكك على النحو الذى شهدناه فى أوائل تسعينيات القرن المنصرم، وأن يختفى حلف وارسو وتجمع الكوميكون من الوجود بهذه الصورة، وأن يلهث الجميع من أجل محاولة تأمين الترسانة العسكرية الهائلة للاتحاد السوفيتى من الأسلحة التقليدية وغير التقليدية.

فمن الثابت أن التمرد الذى قاده Prigozhin، والذى لم يستمر سوى ٣٦ ساعة، قد تم فى إطاره استيلاء قوات فاجنر على مساحه تقدر بحوالى ٧٥٠ كيلومترًا فى يوم واحد، كما سيطرت على مدينتين كبيرتين، وعلى مقر المنطقة العسكرية الجنوبية فى روستوف، ووصلت إلى مسافة ٢٠٠ كيلومتر من موسكو، وذلك دون مقاومة تُذكر بعد أن خرجت حشود من المتفرجين لمشاهدة الإثارة دون أن تتخذ موقفًا معارضًا للتمرد.

وأنه بعد تعهد الرئيس بوتين بسحق التمرد إلا أنه عاد وقبل الصفقة التى طرحها الرئيس ألكسندر لوكاشينكو، والتى بمقتضاها وافق بوتين على رحيل Prigozhin إلى بيلاروسيا دون أى مشاكل آخذًا معه قوات فاجنر مقابل وقف التمرد، الأمر الذى دفع ألينا بولياكوفا، الرئيسة والمديرة التنفيذية لمركز تحليل السياسة الأوروبية، إلى القول: «إن القوة العسكرية الروسية بدت ضعيفة، حيث سلط التمرد الضوء على الانقسامات العميقة بين قادة الجيش الروسى، وذلك فى الوقت الذى أظهر فيه بوتين ضعفًا شديدًا عندما وافق على الصفقة المهينة التى بمقتضاها تم وقف التمرد دون معاقبة أو ملاحقة للمشاركين فيه».

وبين تقديرات غربية تشير إلى احتمالات الإطاحة ببوتين وتولى قيادة جديدة شؤون البلاد، هناك تقديرات غربية أخرى تؤكد أنه لا يمكن مقارنة بوتين بـLuigi Facta، رئيس وزراء إيطاليا الأسبق، الذى كان عاجزًا عن منع Mussolini من الاستيلاء على السلطة، وأن بوتين سيستطيع فى النهاية تأمين مكانته.. وبين هذه التقديرات وتلك، تبقى الأوضاع السياسية الداخلية الروسية شديدة السيولة.

وذلك فى الوقت الذى تشهد فيه الحرب الأوكرانية تصعيدًا خطيرًا بين الناتو وروسيا مع خسائر فادحة لأطراف الصدام وللعالم بأسره.. فبعد أن عانت روسيا بالفعل من ضربات كبيرة لاقتصادها وقوتها العسكرية منذ غزوها لأوكرانيا، فقد كان آخر ما يحتاجه بوتين هو تحدى سلطته بشكل مباشر، وهو تحدٍّ حقيقى لا يمكن التقليل من خطورته، ومن بين ألغاز التمرد الذى قاده Prigozhin يبقى التساؤل الملح حول مستقبل فاجنر وقواتها المتواجدة فى ليبيا والسودان وسوريا ومالى وإفريقيا الوسطى وموزمبيق.

وتأثير الأحداث الأخيرة على دورها المستقبلى فى هذه الدول بعد أن كانت تنفذ السياسات الروسية فى مواجهة النفوذ الغربى فى عدد من الدول العربية والإفريقية، إذ يصعب تصور أن تُقدم القيادة الروسية على تفكيك فاجنر، التى تعد من بين الشركات العسكرية الروسية الخاصة، ومن بين أهم مصادر الدخل للكرملين فى ضوء أنشطتها فى مجال التعدين والسيطرة على مناجم الذهب، خاصة أن القيادة الروسية أكدت التزامها بالسماح لعناصر فاجنر بالانتقال إلى بيلاروسيا أو توقيع عقود مع وزارة الدفاع الروسية، وذلك تمهيدًا للسيطرة الكاملة عليها.

شاهد أيضاً

بأية حال تعود الانتخابات في أمريكا!

بقلم: سمير التقي – النهار العربي الشرق اليوم- كل ثلاثة او أربعة عقود، وفي سياق …