الرئيسية / دراسات وتقارير / عندما تكون الحاجة لعدو “ضرورة وطنية”

عندما تكون الحاجة لعدو “ضرورة وطنية”

بقلم: إنجي مجدي – اندبندنت عربية
الشرق اليوم– ساعات قليلة فصلت بين تمرد يفغيني بريغوجين زعيم مجموعة “فاغنر” المسلحة، على القيادة العسكرية الروسية، ثم سحب قواته وإعادتها إلى معسكراتها، بعد قبول وساطة الرئيس البيلاروسي لوكاشينكو، ما دفع بكثيرين للاعتقاد أن الأمر مدبر بالاتفاق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إما لخداع القوى الغربية وإيهامهم بضعف يضرب الجيش الروسي أو لتوظيف الأمر داخلياً بخلق عدو مزعوم ما من شأنه أن يعزز موقف بوتين داخلياً في ظل حرب لا نهاية لها تلوح في أوكرانيا، لكن بعيداً من التأويلات والتحليلات ونظرية المؤامرة، أثبت التاريخ حاجة الدول لوجود أعداء أو حتى البحث عنهم وإيجادهم.

ما بين عدو حقيقي أو مزعوم، يمثل وجود خصم دوراً حيوياً في تحقيق أغراض الحكومات وسياساتهم. يمكن أن يكون العدو محفزاً قوياً للدول لتعزيز جيوشها وتطوير أسلحتها واستراتيجيتها على الصعيد الداخلي والخارجي أو لإظهار القوة، ويمكن أن يتحول استخدامه لأداة سياسية فيكون مبرراً للقمع الداخلي بالنسبة للحكومات الاستبدادية التي تبحث عن مبررات للسيطرة على شعوبها، وحتى في الدول الديمقراطية يشكل وجود عدو أرضاً صلبة يقف عليها الخصوم السياسيون بالداخل، لا سيما في أوقات الانتخابات، كما أن وجود عدو يهدد الأمن القومي يدفع الشعوب في كثير من الأحيان للاصطفاف خلف حكوماتهم.

وطالما كانت الولايات المتحدة حريصة على الحديث علانية عن أعدائها الخارجيين، سواء في تصريحات سياسييها أو استراتيجيات الأمن القومي. ففي الاستراتيجية الدفاعية لعام 2022، حددت واشنطن كلاً من الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية كتهديدات وتحديات تواجه الأميركيين، وفي حين أنه أمر ليس بجديد، لكن بعض المراقبين يعتبرونه مبالغة مقصودة بالنظر إلى الميزانية الدفاعية للولايات المتحدة التي بلغت 801 مليار دولار عام 2021 مقارنة بـ293 مليار دولار للصين و65.9 مليار دولار لروسيا، بحسب المعهد الدولي للبحث حول السلام في استوكهولم.

البحث عن الأعداء

في كتابه الصادر في مارس (آذار) 1984 “البحث عن الأعداء” يروي جون ستوكويل المسؤول السابق بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي)، كيف سعت الوكالة إلى استعادة هيبتها بعد كارثة فيتنام وانهزام قواتها، بإثارة مواجهة جديدة مع السوفيات وحلفائهم الكوبيين في أنغولا، تستهدف إنفاق كثير من المال لإثبات أن الأميركيين ما زالوا قادرين على الرد.

يشير آخرون إلى كيفية تحويل وجود عدو إلى فرصة، فيسرد جاكوب غريجيل أستاذ السياسة بالجامعة الكاثوليكية الأميركية في واشنطن، والذي خدم كمستشار سياسي في إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، فوائد عدة لوجود عدو للدولة وفق أفكار الفيلسوف والمؤرخ اليوناني بلوتارخ. فوجود أعداء هو حافز للحكم الرشيد، فيقول جاكوب في مقاله بمجلة “أميركان أنترست” إنه “بمجرد أن نعترف بوجود عدو معين، فإننا نجد حوافز لتعديل نظرتنا للمستقبل وكيف نستعد له وكيف ننظم أنفسنا. وبطبيعة الحال، سنكون أكثر انسجاماً مع الحاجة إلى تطوير تدابير دفاعية أو حتى، في أسوأ الظروف، خطط للقضاء على العدو، وهو ببساطة رد فعل غريزي مدفوع بالرغبة في الحفاظ على الذات، فيما ينبع التغيير المفيد من حقيقة أن العدو مثل مرآة لنا، أو ناقد يشير إلى نقاط الضعف لدينا”.

خطورة غياب عدو

يقول غريجيل إن “خطر عدم وجود عدو يكمن في صعوبة التفكير بشكل استراتيجي، فتصبح السياسات أجندات وليست استراتيجيات، وتصبح قيادة الدولة ومؤسساتها مهملة في سلوكها لأن هناك مخاطر محدودة لسوء الإدارة أو لقرار خاطئ أو حتى لاستراتيجية سيئة. وهناك خطر إضافي يتمثل في أن غياب الأعداء يدفع بتمزق المؤسسات والأفراد المتنوعين داخل الدولة، إذ يصبح من الصعب تسخير عديد من الجهات الفاعلة داخل الدولة لتحقيق هدف مشترك”.

وفي بُعد آخر، يشير بلوتارخ إلى وجود علاقة مباشرة بين المنافسات الدولية والنظام الداخلي، فوجود عدو على الحدود يجعل مواطني الدولة المهددة أكثر تقديراً للنظام السياسي والحكم الرشيد. فالطموح الأساسي للناس هو الأمن، وعندما يتم تذكيرهم بالمخاطر التي يتعرضون لها، فإنهم يسعون إلى تحسين فرصهم في البقاء على قيد الحياة، وتتمثل إحدى طرق القيام بذلك في تغيير سلوكهم مثل تقليل الاقتتال الداخلي في ما بينهم ومزيد من التقدير للوحدة أو ما يصفه بلوتارخ بـ”الالتفاف حول العلم”.

فعلى الأخص، غياب الأعداء الخارجيين -أو الأسوأ من ذلك، الاعتقاد الساذج بعدم وجود أعداء- أمر خطير لأنه يدفع بالمصالح والأجندات الفردية المتضاربة إلى المقدمة لينشغل الساسة والقادة داخل الدولة بالسعي وراء المصالح الضيقة للفصائل والأفراد.

مبالاة العولمة

الأهمية السابقة للالتفات إلى الخصوم والأعداء تثير جدلية ملحة تتعلق بالعولمة. فيقول مراقبون إن الغرب بقيادة الولايات المتحدة أمضوا العقود القليلة الماضية في حالة من اللامبالاة المدفوعة بالعولمة، فالقوة التقدمية للعولمة تحول الأعداء والمنافسين إلى أصدقاء وشركاء وترتقى بالسيادة الوطنية والمواطنين إلى مستوى المجتمع العالمي والمواطنين العالميين. كان هذا الاعتقاد خاطئاً عندما استيقظ الغرب على حقيقة أن الأعداء، من الصين إلى روسيا وإيران، أمضوا هذه السنوات يخططون لكيفية تقويض النظام الدولي الذي بناه الأميركيون وحلفاؤهم.

بشكل ما تختلف الحاجة لوجود عدو للدولة بالنسبة للأنظمة الاستبدادية والفاسدة، فوجود عدو هو مبرر قوي تستخدمه تلك الأنظمة لقمع المعارضة الداخلية. ومع ذلك يقول “معهد فرازر”، في كندا، إن الحكومات حول العالم تستخدم “الأعداء” لتبرير القمع، مستشهداً بمؤشر حرية الإنسان لعام 2021 الذي أظهر أنه منذ عام 2008 تراجعت حرية أربعة من كل خمسة أشخاص على مستوى العالم. فتراجع الحرية بات أمراً يتعلق بالديكتاتوريات والديمقراطيات في جميع أنحاء العالم، بينما كانت أكثر الحريات التي تراجعت هي الرأي والدين وتكوين الجمعيات والتجمع.

تختلف أسباب تراجع الحرية، ففي بعض الحالات، يستلهم القادة المنتخبون ديمقراطياً بعض أساليب الحكام المستبدين، ويضخمون سلطتهم من خلال قمع المعارضة والرأي والتجمع وحتى الدين وحرية العلاقات، كما هي الحال في الفيليبين وتركيا والمجر والمكسيك وبولندا. وفي بلدان أخرى، كثف القادة الاستبداديون هجماتهم على الحرية، مثلما يحدث في روسيا والصين ونيكاراغوا وفنزويلا.

شاهد أيضاً

هل تؤثر تظاهرات الجامعات الأمريكية على إدارة بايدن؟

الشرق اليوم– ناشدت الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة الطلاب المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين إخلاء المخيمات، …