الرئيسية / مقالات رأي / عندما كادت روسيا تقع في السّيناريو السّوداني

عندما كادت روسيا تقع في السّيناريو السّوداني

بقلم: أسعد عبود- النهار العربي
الشرق اليوم– أثبت التمرد الذي قام به زعيم مجموعة “فاغنر” المسلحة الروسية الخاصة، استحالة التعايش بين جيش نظامي وميليشيات رديفة. ما جرى في روسيا شبيه جداً بما جرى في السودان قبل أكثر من شهرين وأدى إلى انفجار حرب لا تزال تدور رحاها حتى اليوم.

أين تكمن أوجه الشبه بين روسيا والسودان؟
في السودان، قوات الدعم السريع هي ميليشيات انبثقت مما كان يعرف سابقاً بميليشيا الجنجويد في دارفور. هذه الميليشيات المتحدرة من قبائل عربية قامت في العقد الأول من القرن الجاري بمساندة الجيش النظامي في حربه مع حركات سودانية متمردة تتحدر من قبائل غير عربية. وانتهت حرب دارفور إلى جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية. وعمد الرئيس السوداني السابق عمر البشير إلى مكافأة الجنجويد بتحويلها رسمياً إلى ميليشيات تابعة لوزارة الدفاع تحت مسمى قوات الدعم السريع.

وعندما سقط حكم البشير، ساندت قوات الدعم السريع الجيش في قمع المتظاهرين المطالبين بالحكم المدني. وسارت الأمور بين قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” على ما يرام منذ خلع البشير عام 2019، إلى 15 نيسان (أبريل) الماضي.

وانفجر الخلاف بين الجيش وقوات الدعم السريع عندما حان التوقيع على “الاتفاق الإطاري”، الذي نص على مرحلة انتقالية في البلاد تجري في نهايتها انتخابات عامة تنبثق منها حكومة مدنية. أحد بنود الاتفاق ينص على دمج قوات الدعم السريع بالجيش. وهنا بدأ الخلاف على الفترة التي يتعين تبنيها للدمج. البرهان اقترح عامين بينما تمسك حميدتي بعشرة أعوام. حقيقة الأمر، أن كلاً منهما لا يريد أن يكون تابعاً للآخر ويرى في نفسه الكفاءة لقيادة السودان بمعزل عن الآخر، فكانت الحرب.

في روسيا، لعبت مجموعة “فاغنر” دوراً كبيراً في توطيد النفوذ الروسي، من سوريا إلى أفريقيا. واستفاد رئيسها يفغيني بريغوجين من العلاقات الوطيدة التي تربطه بالرئيس فلاديمير بوتين. لكن عندما نشبت الحرب في أوكرانيا، وواجهت القوات الروسية النظامية سلسلة من الانتكاسات، اتجهت الأنظار إلى مجموعة “فاغنر” التي تملك نخبة من الرجال المتطوعين، إلى سجناء سابقين، يقاتلون مقابل الحصول على حريتهم. وخاضت المجموعة أشرس قتال في مدينة باخموت في منطقة دونيتسك لمدة أشهر، قبل أن تتمكن من الاستيلاء على المدينة.

وبينما كان دور مجموعة “فاغنر” يزداد ميدانياً، كانت تكبر الطموحات لدى قائدها بريغوجين. وتسبب ذلك في نشوء نزاع بينه وبين كل من وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس الأركان الجنرال فاليري جيراسيموف. واتهم بريغوجين الرجلين بحجب السلاح عن مقاتليه، ما تسبب بمقتل أعداد كبيرة منهم. وفي أحد التسجيلات المصورة، ظهر بريغوجين في باخموت وبالقرب منه جثث قال إنها لمقاتلين من مجموعته راحوا ضحية النقص في السلاح. وتطور الأمر إلى اتهام بريغوجين لشويغو وجيراسيموف بالعجز والخيانة.

وفي غمرة هذا النزاع الناشئ بين بريغوجين، من جهة، وجيراسيموف، من جهة أخرى، اختار بوتين الوقوف إلى جانب المؤسسة العسكرية النظامية، من خلال مطالبته “فاغنر” بالتوقيع على عقد مع وزارة الدفاع يجعل منها عملياً شركة تابعة مباشرة للجيش، الأمر الذي أزعج بريغوجين ورأى فيه تحجيماً لدوره، فما كان منه إلا أن أعلن التمرد ليل الجمعة-السبت والاستيلاء على مقاطعتي روستوف وفورونيج في جنوب روسيا والزحف من هناك نحو موسكو.

التمرد ومحاولة بريغوجين السير نحو موسكو، أعطيا مثالاً آخر على أن روسيا كانت على وشك أن تدخل في سيناريو سوداني، مع فارق أن روسيا أكبر قوة نووية في العالم، ونشوب حربٍ أهليةٍ فيها يشكل تهديداً للعالم بأسره.

شاهد أيضاً

إنصاف «الأونروا»

بقلم: وليد عثمان – صحيفة الخليج الشرق اليوم- لم تكن براءة وكالة الأمم المتحدة لغوث …