الرئيسية / مقالات رأي / بلينكن… والشرق الأوسط المتحوّل

بلينكن… والشرق الأوسط المتحوّل

بقلم: أسعد عبود – النهار العربي

الشرق اليوم– زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للسعودية، عدا عن كونها تأكيداً للمضي في الانخراط في الشراكات المقامة مع دول المنطقة، فإنّها أوضحت بجلاء ذاك الافتراق في وجهات النظر في قضايا إقليمية ودولية بين الرياض وواشنطن.

عشية الزيارة، كانت السعودية تعلن خفضاً طوعياً جديداً في إنتاجها من النفط، في شكل لا يتلاءم مع رغبة الولايات المتحدة التي تريد زيادة الانتاج من أجل تعويض حاجة الزبائن السابقين للنفط الروسي.

وبعد ثلاثة أيام أمضاها بلينكن بين جدة والرياض، والاجتماع مع وزراء الخارجية لمجلس التعاون الخليجي، بقيت السعودية مدافعة عن قرارها تطبيع العلاقات مع دمشق. وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، وبلينكن إلى جانبه: “الوضع الذي كان قائماً لم يكن مجدياً، إنما كان يخلق عبئاً متزايداً على دول المنطقة وعلى الشعب السوري”.

المقاربة السعودية الجديدة لا تلقى قبولاً أمريكياً، بدليل تكرار بلينكن أنّ أمريكا ضدّ التطبيع مع دمشق، لأنّها “تشكّك في نيات (الرئيس السوري بشار) الأسد”.

الحضور الصيني المتصاعد في الخليج لم يكن بعيداً عن جوهر الزيارة. هو قال إنّ واشنطن لا تخيّر أحداً بينها وبين الصين. والجواب السعودي كان التأكيد على نهج التنوّع في العلاقات، والتنويه إلى أنّ العلاقات مع الولايات المتحدة “تتجدّد يومياً”. ويصبّ في هذا الإتجاه العرض السعودي للولايات المتحدة للمشاركة في البرنامج النووي المدني السعودي.

وحتى التطبيع السعودي- الإيراني الذي جاء بدفع من اتفاق بكين، لم يكن في وسع بلينكن الذي تتواصل بلاده مع إيران عبر قنوات خلفية، لم يكن في إمكانه أن يرفض رفضاً مطلقاً الوضع الجديد الناشئ في المنطقة. والدليل على ذلك ما تضمّنه البيان الخليجي- الأمريكي المشترك من ترحيب بخفض التصعيد في المنطقة.

الولايات المتحدة من خلال زيارة بلينكن للسعودية ومن قبلها زيارة مستشار الأمن القومي وزيارة مدير وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية وليم بيرنز، تريد الإيحاء بأنّ إلتزاماتها في المنطقة، لا سيما إزاء دول الخليج، مستمرة. وها هي تواكب بإيجابية المتغيّرات ومناخات الوفاق والحوار، وتبدي رأياً فيها. مثلاً، الإعتراض على الانفتاح على دمشق. ولا تخفي رغبة في إقناع السعودية بتحقيق اندفاعة نحو التطبيع مع إسرائيل. أي أنّ أمريكا تريد تثبيت مصالحها في المنطقة، ولا تريد أن تبدو وكأنّها فعلاً إنسحبت وأدارت ظهرها للشرق الأوسط بالكامل.

لكن المتغيّر الجديد، هو أنّ قوى صاعدة أخرى، في مقدّمها الصين، باتت ترى أنّ لها من المصالح في المنطقة بقدرٍ لا يقلّ كثيراً عمّا للولايات المتحدة. والكلام هنا يعني الناحية الاقتصادية. بكين هي شريك إقتصادي أول لدول الخليج ولإيران وتركيا، فلماذا لا يكون لها حضور موازٍ في السياسة.

والسعودية التي استقبلت بلينكن في اليوم الذي كانت تعيد فيه إيران فتح سفارتها في الرياض بعد قطيعة استمرت 7 سنوات، وعشية الزيارة استقبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في جدة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الحليف لإيران. وفي الوقت نفسه، تعمل واشنطن بالشراكة مع الولايات المتحدة لتحقيق وقف للنار في السودان.

إنّها رسائل التوازن في السياسة الخارجية. وهذا التوازن هو عنوان التحوّلات الجيوسياسية الجارية منذ اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية. هناك قوى ناشئة تريد أن تكون لها كلمة في قضايا العالم.

معلومٌ أنّه من الصعوبة بمكان على الولايات المتحدة تقبّل الواقع العالمي الجديد. لكن من الشرق الأوسط إلى المحيطين الهادئ والهندي إلى أمريكا اللاتينية وأفريقيا، ثمة قوى تريد التعبير عن نفسها وتدفع إلى عالم متعدّد الأقطاب.

ماذا سيكون موقف الولايات المتحدة إذا ما انضمّت السعودية وإيران وتركيا إلى مجموعة “بريكس” التي تضمّ روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا.

الدبلوماسية الأمريكية تدرك في أي مسار يتجّه العالم. لكنها لا تزال تراهن على أنّ الولايات المتحدة قادرة على وقفه. هذا هو جوهر الصراع الدائر في العالم اليوم.

شاهد أيضاً

أيهما أخطر؟

بقلم: محمد الرميحي – النهار العربي الشرق اليوم- جاء الزمن الصعب لنسأل أنفسنا: أيهما الأكثر …