الرئيسية / مقالات رأي / حدود مصر الملتهبة… دائماً!

حدود مصر الملتهبة… دائماً!

بقلم: محمد صلاح – صحيفة النهار العربي

الشرق اليوم- ستكشف التحقيقات التي تقوم بها حالياً الأجهزة العسكرية والأمنية في مصر وإسرائيل، تفاصيل وأسباب وملابسات حادثة الحدود التي وقعت السبت الماضي. إذ أنّه من الطبيعي أن تحظى الحادثة باهتمام وسائل الإعلام وحتى الأفراد وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي. لكن اللافت هنا، محاولة أطراف أخرى استغلال الحادثة أو المتاجرة بها، أو الدفع في اتجاه توريط أحد طرفيها بالتسبّب فيها أو تجاوز الاتفاقات بين مصر وإسرائيل، أو اللعب على وتر مشاعر شعبية بهدف الإساءة إلى الحكم في مصر أو على الأقل وضعه في موقف ردّ الفعل.

إلى ذلك، يمكن تفسير هذا النشاط الحافل لدى المنصّات الإعلامية لتنظيم “الإخوان المسلمين” الإرهابي، وكذلك مواقع وصفحات عناصر الجماعة، للصيد في مياه الحادثة. فسيناء ظلّت بالنسبة للتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها “الإخوان”، هدفاً جرى إنفاق أموال طائلة للسيطرة عليها وفصلها عن باقي الأراضي المصرية، حتى أحكم الجيش سيطرته هناك، وبسط نفوذ الدولة المصرية على ربوعها، فمُني “الإخوان” وزملاؤهم من الإرهابيين، بخسائر لا حصر لها، وتحوّل الأمر إلى صدمة كبرى بالنسبة لتنظيم استمر على مدى أكثر من مئة عام يتاجر بكل قضية وطنية.

نعم، عانت مصر لعقد كامل تقريباً من الإرهاب المنظّم في سيناء، والذي كان يُنقل أحياناً إلى العاصمة أو بعض المحافظات الأخرى، واستنزفت الدولة الكثير للقضاء عليه، وكيّف الشعب المصري أوضاعه معه، وأدرك أنّ الإرهاب لا ينتهي بين يوم وليلة، وأنّ أسلوب حرب العصابات الذي اتبّعه الإرهابيون يُزعج أي جيش ويُتعب أي شرطة، وأنّ الإرهابي كان يضرب ثم يختفي، ويهجم ثم يجري ليختبئ، وفي النهاية استقرت سيناء وتفرّغ أهلها للمشاركة في جهود تنميتها.

ربما المصادفة وحدها جعلت الحادثة تقع بعد أيام من تكثيف لمواد إعلامية تزعم دراسة إسرائيل توطين الفلسطينيين في سيناء. وادّعى البعض وجود مشاورات بين القاهرة وتل أبيب، في ما يُسمّى “الجزء الثاني من صفقة القرن”، رغم أنّ الجهات نفسها التي كانت روّجت لما سُمّي بـ”صفقة القرن” الأولى، لم تبرّر للناس أسباب غيابها!.

عموماً، انتشرت بكثافة عبر منصّات “إخوانية” تلك المعلومات قبل واقعة الحدود، وكلها ادّعت نقلها الأخبار من صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، زاعمة أنّ إسرائيل تدرس تسليم قطاع غزة إلى مصر ومدّ مساحته بأراضٍ مصرية من مدينة العريش، تمهيداً لإقامة دولة غزة المستقلّة! حدث ذلك رغم أنّ صنّاع الأخبار ومتابعيها يدركون أنّه لا يوجد أي تقرير رسمي يشير إلى مشاورات بين مصر وإسرائيل حول منح أراضي سيناء للفلسطينين، كما أنّ التصريحات الرسمية المصرية لم تكتفِ بنفي تلك المعلومات وإنما السخرية منها.

تشير الوقائع، إلى أنّ تلك الأخبار، تعود إلى مقال نُشر في صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، بداية الشهر الجاري، للكاتب ايتان بن الياهو، وهو قائد القوات الجوية الإسرائيلية السابق، قدّم فيه ذلك الاقتراح، ما يعني أنّ الأخبار المنتشرة مجرّد اقتراح نُشر في مقال رأي في الصحيفة، وليس أمراً رسمياً أو حتى فكرة تدرسها الحكومة الإسرائيلية.

الكاتب اعتبر أنّ قطاع غزة “يملك المقومات التي تجعله دولة مستقلّة، مثل عدد السكان (نحو مليوني نسمة)، ومعدّل مواليد مرتفع للغاية، فضلاً عن إمكان إقامة ميناء تجاري فيها، وتجفيف بعض المساحات من البحر لإنشاء مطار”. ورأى “أنّه يجب خلق دافع سياسي لمصر، للمساهمة في تحقيق تلك الرؤية، وأن تزيد مساحة قطاع غزة حتى يصل إلى مدينة العريش في شمال سيناء”، ودعا المجتمع الدولي إلى دعم وتمويل ذلك المشروع.

لم تكن تلك المرّة الأولى التي تتبنّى وسائل الإعلام الإسرائيلية طرح الفكرة، حتى بتفاصيل مختلفة، إذ كانت مجلة “إسرائيل ديفينس”، المتخصّصة بأخبار الجيش الإسرائيلي، نشرت في أيار (مايو) الماضي، تقريراً، اقترحت فيه فكرة شبيهة باقتراح بن الياهو، وهي تسليم إدارة قطاع غزة إلى مصر، باعتبارها طرفاً أكثر اعتدالًا من حركة “حماس” التي تدير القطاع، ما يجعلها مناسبة أكثر للقيام بذلك الدور في غزة، ومشيرة إلى وجود حدود لمصر مع غزة، كما أنّ غالبية سكان القطاع من المسلمين السنّة كأغلب المصريين، وأيضاً حفاظ مصر دائماً على علاقات متوازنة مع الأطراف الفاعلة في غزة.

وسبق لرئاسة الجمهورية في مصر في شباط (فبراير) 2017، أن اعتبرت “التقارير الإعلامية التي تحدثت عن وجود مقترحات لتوطين الفلسطينيين في سيناء، ضمن خطّة أكبر لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تهدف إلى إثارة الفتنة وزعزعة الثقة في الدولة”.

وأكّد حينها المتحدث الرئاسي السابق باسم الجمهورية علاء يوسف، أنّ “ما تمّ ترداده عبر وسائل الإعلام بشأن وجود مقترحات لتوطين الأخوة الفلسطينيين في سيناء، هو أمر لم يسبق مناقشته أو طرحه على أي مستوى من جانب أي مسؤول عربي أو أجنبي مع الجانب المصري”.

فشل تنظيم “الإخوان” في إعادة الإرهاب العشوائي غير المنظّم، بزرع القنابل بمختلف أنواعها في أماكن التجمّعات السكنية، أو قرب المصانع والشركات، أو عند محوّلات وأبراج الكهرباء وداخل الباصات، أو محطات المترو أو في صناديق القمامة، كما فشل في مواجهة الجيش والشرطة في سيناء. وأوضحت الحادثة الأخيرة، أنّ غياب التنظيم على الأرض، واختفاء تظاهرات عناصره، وهروب قادته وتشتتهم في ربوع الأرض، لا تعني توقّف عناصره عن ممارسة التخريب عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بهدف إفشال الدولة وإثبات أنّ محمد مرسي رحل لأنّ مؤامرة حيكت ضدّه، وليس لأنّه لم يستطع إدارة الدولة. فالجماعة تعرف أنّ الشعب انفضّ عنها، وأنّ الرئيس عبد الفتاح السيسي ما زال يتمتع بشعبيته، وأنّ الأمل الوحيد سيأتي من جهة سيناء.

هو الموقع الاستراتيجي لمصر الذي فرض عليها عبر قرون الخروج من أزمة إلى أخرى. فالحال عند الحدود الشرقية لا يقلّ خطورة عن الأوضاع في الغرب، والتطورات في الجنوب جزء من تفاعلات جعلت المصريين دائماً على أهبة الاستعداد والترقّب والانتباه، وإذا كانت الجغرافيا جعلت لديهم مميزات، فإنّها ايضاً صقلتهم بمحكات وصعوبات وحروب وتحدّيات.

شاهد أيضاً

الأمل المستحيل لإسرائيل

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً …