الرئيسية / مقالات رأي / الطّريق الوعرة لاحتواء إيران

الطّريق الوعرة لاحتواء إيران

بقلم: سمير التقي- النهار العربي

الشرق اليوم– أمام أشلاء التخبط الأميركي في الشرق الأوسط، تقف إدارة جو بايدن مكتوفة عاجزة. وقد لا يكون في ذلك خير! 

فحين تفتقد الدول الكبرى روافعها، قد ترتكب لاستدراك دورها، استراتيجيات أكثر مغامرة، ما يعني بالنسبة إلى أهل الإقليم، مزيداً من الدوران اللولبي نحو قاع الثقب الأسود. وبعدما أصبحت الحرب في أوكرانيا، بالنسبة إلى الإدارة الأميركية الحلقة الرئيسية في إدارة الوضع الدولي، أصبح وضوح الموقف من إيران أكثر إلحاحاً، بخاصة أن الإيرانيين يلمحون إلى استعدادهم لخفض تعاونهم مع روسيا ضمن شروط ملموسة. 

بل، مع وصول نتنياهو إلى السلطة، وتفاقم مخاطر انجراف إسرائيل نحو حرب مباشرة ضد إيران قد تجر ذيولها تورطاً أميركياً مباشراً في الإقليم من جديد، يصبح الوضع أكثر خطورة. لذلك تضطر أميركا الآن للانخراط في رقصة لا تمتلك الكثير من عناصر إيقاعها.

وفيما تبدو أميركا مصممة على عدم التدخل مباشرة في الإقليم ما لم يحصل تهديد مباشر لأمنها القومي، تصبح الدبلوماسية مع إيران ممراً حتمياً. 

منذ أشهر، شمر الدبلوماسيون الأميركيون عن سواعدهم للبحث عن مخارج. لم يعد الاتفاق النووي ذا بال. فبعد انسحاب ترامب من الاتفاق، سرعان ما دفنته إيران عبر تصعيدها برنامجها النووي إلى عتبة اللا رجعة. لتصبح إيران موضوعياً في عداد الدول المالكة “للقنبلة على الرف”، ولتجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة لإنتاج استراتيجيات بديلة. 

إضافة إلى الوصفات الأميركية الدارجة، مثل العقوبات والعزلة الدولية، والعمل السري، والردع العسكري، يبدو أن البيت الأبيض مهتم بصفقة عنوانها “أقل مقابل أقل”، فتحافظ الولايات المتحدة على معظم عقوباتها، ولكنها تعرض تخفيفاً جزئياً، مقابل تجميد طهران الجوانب الأكثر خطورة في برنامجها النووي، مثل التخصيب العالي المستوى. ويرتبط ترحيب الولايات المتحدة بالاتفاق الإيراني السعودي برعاية صينية، بتصورات أميركية حول السيناريوات المحتملة لفكفكة الاستعصاءات المحيطة بالدبلوماسية الأميركية. 

على الورق، ليس من الصعب أن نتصور السيناريو الجديد المتداول! لكن حقائق الحياة قد تكون مختلفة تماماً. يتضمن السيناريو أن تقبل إيران بالامتناع عن المزيد من التخصيب، والشفافية الكاملة في برنامجها، مقابل الاعتراف بحقيقة ما توصلت إليه، ومقابل أن تمنح العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج استثناءً من العقوبات الأميركية، بحيث يصبح اقتصاد دول الخليج العربية، منصة يعبر عليها التعافي الاقتصادي الإيراني.

إلى جانب ذلك، تأمل الأوساط الاميركية الداعمة لهذا السيناريو أن يصبح بإمكانها لجم السباق الإقليمي لتطوير البرامج النووية، بعدما أشعلته إيران ببرنامجها، ليدخل التنافس بين دول الإقليم أخيراً مراحل حرجة. في حال نجاح هذا السيناريو، يمكن أن نتصور أن تتفق دول الشرق الأوسط على عمليات تفتيش ومشاريع مشتركة في مجال الوقود النووي، والسلامة والأمن النوويين، كما فعلت الأرجنتين والبرازيل في عام 1981.

تقوم فلسفة هذا السيناريو على تطوير العلاقات الاقتصادية بين إيران ودول الخليج العربية، ليجعل احتمال إقدام إيران على مغامرات جديدة أكثر تكلفة لها. وقد تكتسب دول الخليج العربية المزيد من النفوذ على طهران، ما يحتمل أن يثبط سياساتها العدوانية. 

وبما أن ما يُكتب على الورق، لا يقلب موازين القوى على الأرض ولا يغير الأهداف، يصبح السؤال أمام هذا السيناريو: كيف يتحول حبر النيات إلى واقع صلب؟ ما هي المعوقات والمخاطر؟ كيف تخطط إيران لتثبيت مكاسبها؟ وما أثر الصراع الجاري داخل نواة القرار الإيرانية على مصير الاتفاقات؟ 

تقف إيران على عتبة خيارات استراتيجية حاسمة. وتنبع أهمية الوساطة الصينية من تعاطيها هذه المرة مع نواة أساسية في الدولة العميقة الإيرانية، وليس مع الدولة الإيرانية الرسمية. وقد ركزت الصين وساطتها على علي شمخاني المقرب من “بيت القائد” الأعلى والذي سبق أن أنيطت به ملفات سياديّة عليا. 

لكن الدولة العميقة الإيرانية ليست موحدة. ولفترة معينة، كان هناك تقاسم للأعباء، إذ وُضِعَ الملف النووي بيد “بيت القائد” الأعلى الإيراني، واستحوذ “الحرس الثوري” على “البرنامج الصاروخي”، و”الملفات الإقليمية”.

لكن مع مجيء حكومة إبراهيم رئيسي، وبخاصة قبل شهرين من انطلاق الاتفاق السعودي الإيراني، تعرّض شمخاني لهجمات إعلاميّة وسياسيّة من أوساط الحرس الثوري. ومن جهته، دعا شمخاني، بحسب أوساط إيرانية، إلى سحب الملف الاقتصادي من صلاحيات الرئيس رئيسي. وفي المقابل أيضاً، شنت “جبهة الصمود” في البرلمان الإيراني، المقربة من “الحرس الثوري”، هجوماً شديداً على شمخاني. 

على الرغم من مباركة الإعلام الإيراني للاتفاق، لكنّ الترحيب الذي حظي به الاتفاق في صحافة “الحرس الثوري” كان بارداً جداً. بل يمكن القول إنه لم يصدُر أيُّ ترحيب من وجوهه السياسية مثل سعيد جليلي، وحميد رسائي، وحسين طائب، ومهدي طائب. 

قد يشير هذا الصمت إلى أنّ “الحرس الثوري” اعتبر محاولة شمخاني تدخّلاً غير مُرحّب به من جانب من “بيت القائد” في الملفات الإقليمية التي ظلّت على مدار العقد الماضي جزءاً أصيلاً من صلاحيات “الحرس الثوري”، بخاصة بعد محاولات سابقة، كشفها الخلاف على تعيين السفراء في كل من: اليمن، والعراق، وسوريا. 

كما ثار جدل كبير جراء قرار خامنئي إقالة قائد استخبارات “الحرس الثوري” السابق الجنرال حسين طائب، لتنتقل المنافسة بين “بيت القائد” و”الحرس” إلى المستويين الأمني، والسياسي الداخلي. بل انعكست المنافسة أيضاً على الاستراتيجيّات العسكريّة، حيث رُجِّحت كفة “الجيش” في بعض برامج التسلّح.

تؤكد هذه الملاحظات حقيقة أن وجود شمخاني على رأس مبادرة ما، لا يعني بالضرورة نجاحها، أو اصطفاف كُلّ الدولة العميقة من خلفها. وبالنّظر إلى الإمكانات الميدانيّة لـ “الحرس الثوري”، فإن عدم تأييده الاتّفاق، يجعله هشاً، بخاصة إذا رأى فيه “الحرس” محاولة من مؤسسة “بيت القائد” للإخلال بالتوازن القائم، والنيل من صلاحياته. 

لا يعني كل ذلك فشلاً وشيكاً أو حتمياً للاتفاق مع المملكة العربية السعودية، لكن يمكن إدراكنا هذه التفاصيل، أن يساعدنا على فهم المخاطر المحتملة وأن يدفعنا إلى الكثير من الحيطة والحذر. 

ثم، لعل الصين تتمكن من خلال مصالحها الاقتصادية الهامة في إيران من أن تلعب دوراً إيجابياً في تحقيق هذا السيناريو الذي قد يكون مرحباً به من الدبلوماسية الأميركية. 

لكن التأثير الصيني يبقى محدوداً لأسباب أهمها أنه في الاعتبارات “الثورية الإيرانية” ثمة أولويّة للأيديولوجي على الاقتصادي، وأولويّة لما هو استراتيجي على السياسي، ما يجعل الضمانات الصينية غير مؤكدة. وكما يقول المثل الصيني، “وأنت تشرب من الساقية لا تنسَ أن تنظر إلى النبع”.

شاهد أيضاً

عند الأفق المسدود في غزة

بقلم: عبدالله السناوي – صحيفة الخليج الشرق اليوم- استغلقت حرب غزة على أي أفق سياسي …