الرئيسية / مقالات رأي / القمّة العربيّة مهمّة لكنّ مكان انعقادها هو الأهم

القمّة العربيّة مهمّة لكنّ مكان انعقادها هو الأهم

بقلم: علي حمادة- النهار العربي

الشرق اليوم-نادراً ما تكون القمم العربية محط أنظار العالم العربي، كما هي حال قمة جدة التي تفتتح أعمالها اليوم. فكثيراً ما كانت القمم العربية تمر مرور الكرام أمام أنظار الرأي العام العربي غير المبالي. وعديدة هي القمم التي مرت ولم يلحظها أحد. أما القمم التي دخلت التاريخ فقليلة، وبعضها التصق بحوادث انعكست سلباً على العالم العربي.

ولا داعي للدخول فيها لئلا نُتّهم بأننا نحاول كصحافيين كتابة التاريخ كتابةً ملتوية. لكن قمة جدة اليوم تكسب أهمية خاصة، لأنها تأتي في ظرف دولي وإقليمي شديد التحرك. فالخلفية الجيوسياسية لهذه القمة غنية بزحمة الحوادث التي شهدها العالم، والمنطقة خاصة. والتحولات كبيرة، بدءاً من اتفاق بكين بين المملكة العربية السعودية وإيران، وأثرها الواضح على أهم ملفات النزاع الثنائي في الأسلحة اليمنية. وبالطبع ثمة ملفات عديدة بين القوتين الكبيرتين في المنطقة، بينها العلاقات الثنائية، وملف سوريا الذي اختارت فيه الرياض الانفتاح على النظام في دمشق، لكن ضمن ضوابط تضمنتها البيانات الرسمية لجميع الفعاليات المرتبطة بسوريا مؤخراً، وأهمها البيانات التي صدرت في ختام زيارة وزير الخارجية السوري لجدة بدعوة من وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، وفي ختام اجتماع تسعة وزراء خارجية عرب في جدة، وأخيراً وليس آخراً البيان الذي صدر عن اجتماع عمان للغرض نفسه.

والمهم هنا أهمية المسار الجديد في الدبلوماسية السعودية، وأكاد أقول الدبلوماسية الخليجية أيضاً التي صارت من الناحية العملية واجهة القرار العربي المشتركة. لقد انتقل مركز ثقل القرار العربي من دول المشرق العربي إلى دول مجلس التعاون الخليجي. ويكفي أن ينظر المراقب إلى خريطة المنطقة، ويفتش عن نقاط الاستقرار ونقاط اللا استقرار لكي يدرك ما حلّ بدول كانت تُعتبر مركز القرار العربي منذ نهاية الاستعمار ولغاية مطلع القرن الحالي. لقد انتقل القرار لمدة طويلة إلى الخليج، السعودية وشريكاتها من الإمارات، والكويت، وقطر، والبحرين، وعُمان، فأصبحت هي قلب الحركة، والمبادرة، والثقل السياسي والمعنوي لكل العالم العربي. ولعل من تابع التحولات الأخيرة في العلاقة بين دول الخليج، لا سيما السعودية، والحليف الأميركي التاريخي أدرك أن مارداً خليجياً وُلد، ومع ولادته تغيرت قوانين العلاقة، وأيضاً قوانين اللعبة بينهما.

وهل لنا أن نعطي مثالاً على كيفية إدارة السعودية والإمارات لملف التموضع إزاء الحرب الروسية على أوكرانيا؟ أو كيفية التعامل مع المارد الصيني الذي دخل المنطقة للمرة الأولى من بابها العريض في العام الماضي، مع الزيارة التي قام بها الرئيس شي جينبينغ للسعودية ومشاركته في قمم رئيسية فيها، واحدة ثنائية، وأخرى خليجية – عربية – صينية؟ أما رعاية الصين للاتفاق السعودي – الإيراني فهي من ناحية مكسب للطرفين المتعاقدين، لكنها أيضاً مكسب كبير للصين، وكانت له ارتدادات واسعة في العالم لمصلحة المارد الأصفر.

انطلاقاً مما تقدم، ومع معرفتنا المسبقة بمضمون القمة العربية في جدة، ومع أن الرئيس السوري العائد إلى “حضن العرب” سيكون تحت الأضواء السلبية والإيجابية على حد سواء، إضافة إلى العديد من المواضيع التي ستطرح، ولا يسعنا سوى أن نضيء على الأساس الذي نعتقد أن عنوانه سيدور حول ما آلت إليه مكانة منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربي. فنجاح أي قمة مرتبط أولاً بقوة الدولة المضيفة، وأهمية دورها في العالم العربي، وعلى الساحة الدولية. وقد ظهر أن المملكة العربية السعودية هي نقطة الجاذبية التي تمنح هذه القمة وهجها، بصرف النظر عن القضايا الخلافية التي لا تُحَلُّ في عادة في القمم، بل عبر اللقاءات الدبلوماسية الثنائية.

لذلك نقول إن القمم ليست مهمة، الدولة المضيفة هي الأهم.

شاهد أيضاً

هل تنجح طهران خارج محور المقاومة؟

بقلم: عادل بن حمزة- النهار العربيالشرق اليوم– دخلت منطقة الشرق الأوسط فصلاً جديداً من التصعيد …