الرئيسية / مقالات رأي / وعود متعثّرة وحكومة في طور التّشكل في العراق

وعود متعثّرة وحكومة في طور التّشكل في العراق

 بقلم: فاروق يوسف- النهار العربي

الشرق اليوم– في نهاية عام 2022 عُين محمد شياع السوداني رئيساً للحكومة العراقية. كان قبلها قد شغل مناصب إدارية كثيرة، منها محافظ ميسان ووزير لحقوق الإنسان وللعمل والشؤون الاجتماعية وللصناعة بالوكالة. ولأنه مهندس زراعي يمكن القول إن اختياره للقيام بتلك المهمات تم لأسباب حزبية. كان الرجل عضواً في حزب الدعوة الإسلامية ولم يعلن انفصاله عن الحزب المذكور إلا عام 2019. يومها كان الحزب قد غادر السلطة المباشرة.

وقد يبدو مثيراً للدهشة أن يتم اختياره لرئاسة الحكومة من قبل نوري المالكي شخصياً، وهو زعيم الحزب الذي أعلن السوداني انقلابه عليه. غير أن عودة إلى الوراء قليلاً تكشف أن المالكي اختار الرجل الذي يمكن أن يخدمه من غير أن تحوم عليه شبهات موالاته. ذلك لأنه لم يعد عضواً في حزب الدعوة وهو أقرب إلى أن يكون مستقلاً بالمفهوم العراقي من أن يكون حزبياً. أوحى المالكي لنفسه بأنه تصرف بذكاء ودقة ليس من اليسير الكشف عما تنطوي عليه إلا بعد مرور الأربع سنوات المخصصة للسوداني لإدارة شؤون دولة فاشلة. بعدها يمكن العودة إلى المربع الأول كما حدث مع رؤساء الحكومات السابقين، وكما سيحدث مع رؤساء الحكومات اللاحقين. بالنسبة إلى المالكي، لا يمثل الحفاظ على النظام السياسي هدفاً معزولاً عن الدفاع عن موارد الدولة العميقة التي أسسها عبر سنوات حكمه ولا يزال يديرها من خلال أتباعه. وهو ما دفعه إلى الاعتقاد أن السوداني سيكون غطاءً مناسباً لنفوذه.

لن يكون بطلاً من هذا الزّمان

لم تمض إلا شهور قليلة على إعلان تشكيل الحكومة التي يترأسها السوداني بعدما صوّت عليها مجلس النواب حتى أُعلن عن إقالة نصف عدد أعضائها، إضافة إلى مئات المديرين العامين الذين تبين لرئيس الحكومة أنهم لا يصلحون لإدارة مفقس بيض.

خلال أشهر قليلة أدرك السوداني أنه يدير ماكنة معطلة، وأن قيامه بتصريف شؤون حكومته التي ستكون معنية صورياً بتصريف شؤون المواطنين سيكون متعذراً. ولكن هل ذلك يعني أن السوداني يرغب في تأليف حكومته من جديد بما ينسجم مع القدرة على تنفيذ الوعود التي أطلقها على مستوى تحسين الأوضاع المعيشية وإعادة إعمار البنية التحتية، وبخاصة في قطاع الكهرباء؟ ليس السوداني بطلاً من هذا الزمان ولن يكون كذلك. وهو إذ يعد فإنه يفعل ما فعله مَن سبقوه في منصبه. مصطفى الكاظمي كان آخرهم. وهو مستقل وأميركي الهوى ولم تكن علاقته بإيران حسنة ولم يرتبط اسمه بعمليات فساد كبرى. الكاظمي وعد بإنقاذ العراق من الهدر المالي الذي كان المالكي قد وضع له قوانين تحميه من إمكانية التلاعب به. فما الذي حدث؟ قصفت الميليشيات منزله في المنطقة الخضراء في محاولة لاغتياله، وغادر الحكم من غير أن يفعل شيئاً سوى ارتباط اسمه بما سُمي شماتة بـ”سرقة القرن العشرين”. وهي تسمية أشبه بملهاة لأنها تتعلق بمصير مليارين ونصف مليار من الدولارات فيما كان العراق كان قد فقد نحو تريليون دولار خلال الثماني سنوات التي حكم فيها نوري المالكي.

ليس العمل من شروط الحكم ولكن

بعد ستة أشهر من إعلان ولادتها، يعيد السوداني تشكيل حكومته التي يبدو أنها مارست أعمالها بقدر لا يُستهان به من الفوضى. لن يكون في إمكان رئيس الحكومة أن يوجه اللوم إلى الأحزاب التي رشحت له وزراءه، فهو مضطر، بحسب نظام المحاصصة الحزبية، للعودة إليها. ذلك لأن دعمها له هو سبب بقائه في منصبه. وما يُحكى عن ثقة الشعب به وبحكومته بحسب الإعلامي اللبناني جورج قرداحي ما هو إلا كلام فارغ ومنافق لا يصدقه أكثر الناس سذاجة في العراق. في حقيقة ما حدث لمحمد شياع السوادني أن الرجل لم يتوقع أن تتم المصادقة على مجموعة من الأميين ليكونوا وزراء، وبدا مذعوراً لأن دولته يديرها رعاة أغنام. مَن يلوم مَن؟ يعرف السوداني أنه لن يُلام إذا ما خرج من السلطة من غير أن يفعل شيئاً. ذلك هو شرط بقائه على رأس السلطة التنفيذية. ولكن ليس من شروط استمراره في الحكم أن يُدير مدرسة لمحو الأمية. لذلك سقطت حكومته الأولى من غير انتخابات. أسقط السوداني حكومته بنفسه حين طرد نصفها وصار ينظر بذعر إلى النصف الثاني.   

الصّورة هي الأهم والباقي يُنسى

ولكن ليس من المتوقع أن يحصل السوداني على وزراء ومديرين عامين أفضل من الذين تخلص منهم. فالجهة التي رشحت السابقين ستكون مسؤولة عن ترشيح اللاحقين. لقد صار يقيناً أن المناصب تُوزع في سياق نظام المحاصصة الحزبية على أفراد عوائل الزعماء السياسيين وأقربائهم وحراسهم وأتباعهم المقربين، وأخيراً الراغبين في دفع مبالغ مالية عالية لشراء المنصب بغض النظر عن التخصص والشهادة الدراسية والكفاءة والتاريخ الوظيفي.

معظم الذين عملوا وزراء في الحكومات السابقة كما هي حال رئيس الوزراء نفسه لم يكونوا يتمتعون بأي كفاءة. أما حين يجري الحديث عن حكومة كفاءات، فإن المقصود به كفاءة الولاء العائلي والحزبي وليس كفاءة التخصص الفني. لا يختلف اثنان من داعمي النظام على ذلك. وهو ما يجب أن يكون مفهوماً من السوداني الذي لم يتم تنصيبه رئيساً للحكومة بناءً على برنامجه السياسي والاقتصادي والخدمي، بل استناداً إلى رواية عائلية يُشكك البعض بصحتها. لن يقوى السوداني على فرض شروط فنية على زعماء الكتل الحزبية الذين تُناط بهم مهمة اختيار وزراء حكومته المستقبلية. سيقول في سره “لقد حاولت” من أجل أن لا يعترف بأن ما جرى وما سيجري يتشابه من جهة المحتوى، وليس المطلوب سوى تغيير الأشكال. صورة رئيس الوزراء أهم مما يفعله. لذلك يبذل السوداني جهداً كبيراً في تلميع صورته إعلامياً، وهو في ذلك ينافس زعيمه الحزبي السابق.     

شاهد أيضاً

أميركا إذ تتنكّر لتاريخها كرمى لعينيّ نتنياهو

بقلم: راغب جابر- النهار العربيالشرق اليوم– فيما تحارب إسرائيل على أكثر من جبهة، تزداد يوماً …