الرئيسية / مقالات رأي / حرب أوكرانيا: “غبار الحرب” بين موسكو وكييف

حرب أوكرانيا: “غبار الحرب” بين موسكو وكييف

بقلم: علي حمادة- النهار العربي

الشرق اليوم– انتظر المراقبون الدوليون الاحتفالات الروسية في قلب الساحة الحمراء إحياءً لذكرى هزيمة ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية التي حصلت يوم أمس، لكي يحاولوا تلمس موقف أو  إشارة من القيادة الروسية، وعلى رأسها الرئيس فلاديمير بوتين، في محاولة لاستقراء المناخ في قلب موسكو بعد مرور أكثر من أربعة عشر شهراً على قيام الأخيرة بشن حرب على أوكرانيا. وانتظر المراقبون المناسبة أيضاً في وقت تتعالى فيه ما يسمى في فن الحرب وفق نظرية المفكر العسكري كارل فون كلاوزيتز “غبار الحرب”، حيث يناور كل فريق من أجل إخفاء حقيقة وضعه، ومواقع تمركزه وتجمعاته، ونياته، فيما انتهى فصل الشتاء بصقيعه وثلوجه، ثم انتهى الربيع بأمطاره ووحوله العميقة التي تشتهر بها سهول أوكرانيا. 

لقد كان العرض العسكري التقليدي الذي يقيمه الكرملين بالمناسبة أقل أهمية من أي وقت مضى. كان مقتضباً جداً، وافتقر إلى المعدات العسكرية التي عادة ما تشارك في العرض  المفترض أن يمثل عصب الأمة وفخرها. وصل الأمر إلى حد ألا تشارك في العرض أي دبابة قتال رئيسية حديثة، وكان العرض الجوي شبه معدوم مقارنة بالمرات السابقة. حتى أن الرئيس بوتين بدا شاحب الوجه إلى درجة أن يشكك بعض الخبراء في “علم الكرملين” من (كريملينولوجي) بواقع حضوره شخصياً على خلفية معلومات قديمة، تفيد بأن الرئيس الروسي عادة ما كان  يستخدم لأسباب أمنية شبيهاً أو أكثر للحلول مكانه في مناسبات شعبية لا يحضرها شخصياً! وسبب ربط العرض العسكري الشاحب بـ”غبار الحرب” أنه فيما يراد أن يعكس مزاجاً وواقعاً سلبياً يجري تعميمه على الملأ، فإنه قد يكون مجرد خدعة تهدف إلى حرف أنظار العدو عما يتم التحضير له في الخفاء، حيث لا تزال احتمالات توجيه ضربة كبيرة لأوكرانيا في وقت قريب قائمة.

ثمة “غبار حرب” آخر يغطي ساحة المعركة، ويحرف الأنظار عن شيء ما قد يكون قيد التحضير، وهو الاشتباك العلني في جميع وسائل الإعلام الروسية والعالمية بين قائد مجموعة “فاغنر” للمرتزقة وقيادات الجيش ووزراة الدفاع. ومعلوم أن “فاغنر” تقاتل في الجبهة الأمامية في مدينة باخموت التي تحولت في الأشهر القليلة الماضية إلى رمز للمواجهة العنيفة بين روسيا وأوكرانيا ومن خلفها الغرب. فالفيديوهات التي ينشرها يفغيني بريغوجين بكثافة منذ أسابيع، يضمّنها انتقادات عنيفة ضد وزارة الدفاع وقيادة العمليات، متهماً إياهما بالتقصير في مدّ قواته بالدعم اللازم من الذخيرة والمعدات. ووصل به الأمر إلى حد التهديد بالانسحاب من الجبهة، وتسمية وزير الدفاع سيرغي شويغو شخصياً، واتهامه بقلة الكفاءة والتآمر على مجموعته التي تكبدت خسائر هائلة على جبهة باخموت التي لم يزل القتال دائراً فيها. وثمة من يعتقد أن هذه الانتقادات العلنية التي قد تعكس حالاً من الفوضى والتفكك في جسم القوات الروسية قد تكون النية من نشرها بهذا الشكل إثارة “غبار” كثيف على القدرات الحقيقية للقوات الروسية ونياتها المبيتة في المدى القريب، أي في مطلع الصيف، حيث يتوقع أن تتكثف المعارك بين الطرفين مقارنة بفصل الشتاء. وهنا تتزاحم التساؤلات في أروقة القرار العسكري في أوكرانيا و”حلف شمال الأطلسي”، أهمها ماذا في جعبة  فلاديمير بوتين؟ وماذا يخفي استعراض معالم الضعف والتشتت على الجبهات؟ 

في المقابل، “غبار حرب” أوكراني منذ أسابيع عدة، عنوانها اقتراب هجوم الربيع المعاكس، والآن اقتراب هجوم الصيف المعاكس. وعمليات متنوعة ومتنقلة على جبهات تمتد داخل الأراضي الأوكرانية أكثر من 1800 كيلومتر، ونقطة الاستهداف النفسي الرئيسية هي شبه جزيرة القرم المحتلة، وصولاً إلى عمليات تطول الداخل الروسي القريب من الحدود مع أوكرانيا.

كل هذا يثير غباراً كثيفة تحجب النيات الأوكرانية الحقيقية، وتزيد من إرباكات القوات الروسية التي يتعين عليها أن تكون جاهزة لرد هجوم معاكس كبير في أي نقطة من الجبهة الممتدة 1800 كيلومتر. كل هذا في وقت يتواصل تدفق الأسلحة الغربية إلى مسرح القتال في أوكرانيا تحت عنوان التحضير للهجوم المعاكس الكبير! 

إذاً، وبعد خمسة عشر شهراً على الهجوم الروسي، يتحرك كل من الروس والأوكرانيين في الوقت المستقطع، ويناوران قبل اشتعال الجبهات الكبرى ويتجهزان. وإن تكن موسكو قد أدركت في مكان ما أن هدف بوتين في شطب أوكرانيا من الجغرافيا كدولة مستقلة عنها قد فشل، وأن الحرب كلفت روسيا الكثير على مختلف الأصعدة، ولم تبعد “حلف شمال الأطلسي” من حدودها لا بل قرّبته منها أكثر من أي وقت مضى.

شاهد أيضاً

أميركا إذ تتنكّر لتاريخها كرمى لعينيّ نتنياهو

بقلم: راغب جابر- النهار العربيالشرق اليوم– فيما تحارب إسرائيل على أكثر من جبهة، تزداد يوماً …