الرئيسية / مقالات رأي / التحرك الأمريكي والتطورات السودانية

التحرك الأمريكي والتطورات السودانية

بقلم: د.طارق فهمي – صحيفة الاتحاد

الشرق اليوم- ما تزال التقييمات الأمريكية تتحرك في اتجاهات عدة، وتعمل الجمع بين خيارات متعددة، وهو ما يؤكد أن الإدارة الأمريكية ترتب لاستمرار تواجدها بالقرب من التطورات السودانية مع رهانات استمرار المواجهات، وعدم انتهائها سريعا بل إنها ستستمر لبعض الوقت وفقا لمقاربة أجهزة الاستخبارات الأمريكية. ومن الواضح أن توجهات الإدارة الأمريكية تمضي في إطار واحد بدخول السودان في مواجهات عسكرية مفتوحة مما يعني استمرار العمل العسكري، وعدم الدخول في مفاوضات لوقف إطلاق النار مع التركيز بعض الهدن الإنسانية بصورة دورية، وهو ما قد يكون مقدمة لما هو آت من سيناريوهات مفتوحة حتي الوقت الراهن، وفي ظل مخاوف من امتداد العمليات إلى مناطق الشرق ودارفور، وغيرها مما قد يؤدي بالفعل إلى حرب أهلية اختبرها السودانيون من قبل لسنوات طويلة برغم التأكيد بأن هذا الأمر مستبعد على الأقل في الوقت الراهن، وإنْ كانت كل الخيارات متوقعة بما في ذلك الذهاب إلى الأمم المتحدة، وتطبيق الباب السابع السودان كدولة، ونظام بصرف النظر عما يجري من تطورات، حيث لوحظ أن هناك ترقباً غربياً عموماً وأمريكيا وروسيا وصينيا على وجه الخصوص لمتابعة ورصد ما يجري للتعامل مع أي متغيرات محتملة وواردة، وهو ما يجب وضعه في الاعتبار، خاصة وأن الاستعدادات الدولية لمواجهة ما يجري ستكون محل دراسة، وهو ما يتم في دوائر الكونجرس في الوقت الراهن لاعتبارات متعلقة بمتطلبات الأمن القومي الأمريكي داخل السودان وطول مناطق التماس الاستراتيجي المؤدية إلى منطقة القرن الأفريقي، ولعل هذا الأمر يفسر وبقوة بدء الولايات المتحدة تدشين جسور جوية ممتدة من قواعد عسكرية أمريكية من داخل الولايات المتحدة مثل “فورت بينينج”، و”فورت كامبل” في اتجاهات محددة إلى القرن الأفريقي، وتحديداً في القاعدة الرئيسية للولايات المتحدة (كامب ليمونييه).

ويبدو أن الأمر يتجاوز عمليات الإجلاء، والنقل التي تتم بصورة اعتيادية في مثل هذه الأمور، وتتم بالأساس من خلال العمليات الخاصة مدعومة بعتاد استراتيجي متعارف عليه، كما قامت دول أوروبية بنفس الأمر مما يشير إلى أن هناك مخططاً أمريكياً استباقياً لما يمكن أن يجري في الفترة المقبلة من احتمالات الاتجاه إلى عمل عسكري كبير، أو التدخل في توقيت محدد، وكي لا يستمر التجاذب داخل الكونجرس بشأن الآليات الواجب العمل بمقتضاها، واتهام الرئيس جو بايدن بالتقصير في تقييم مسار الأحداث، وأن التقييمات الإستراتيجية أخطأت في التعامل مع الحدث الطارئ مما سيؤثر على مصالح الولايات المتحدة الكبرى في التطورات الأفريقية عامة، وليس القرن الأفريقي، أو السودان فقط، وهو ما يؤكد أن هناك ترتيبات تجري في الدوائر الأمريكية مرتبط بالإغلاق العاجل للسفارة الأمريكية في الخرطوم، ما يشير إلى تصور تكتيكي مرتبط بما هو قادم أمريكياً، وسيدفع للتعامل الأمريكي اللاحق في أية تطورات قادمة، وتتعلق أيضا بالسلوك المقابل لروسيا، وحضورها المتوقع في المشهد العسكري خاصة وأن لروسيا دوراً بارزاً في ما كان سيجري، ومسعاها لتدشين قاعدة عسكرية في الأراضي السودانية، ومن ثم فإن التحرك الأميركي سيكون مرتبطا بحجم الوجود الأمريكي الكبير، وأيضاً بتوقعات القيادة الأفريقية للولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة، وفي ظل توقع مطروح أيضا بتدهور الأوضاع العسكرية بصورة شاملة، وانفتاح المشهد إلى سيناريوهات اللا حسم.

الولايات المتحدة تتأهب للتعامل مع كل الخيارات خاصة وأن بعض الدول الغربية بدأت بالفعل في غلق سفاراتها، ولا شك أن إعادة ترتيب المهام والأولويات الأمريكية ستتم وفق ما سيجري من تطورات حقيقية على الأرض بصرف النظر عن التعامل الأمريكي مع طرفي المعادلة، أو الاتجاه للانفتاح على الجانبين تخوفا من تطورات طارئة قد تطرأ في الفترة المقبلة.

المؤكد أن الإدارة الأمريكية تتخوف من الدخول في مسرح عمليات جديد أياً كان إطاره، أو شكله في ظل ما يجري في مسارات الحرب الروسية الأوكرانية، والتوترات الحالية في جنوب شرق آسيا، واحتمالات المواجهة في تايوان نتيجة للتدابير الصينية التي تمت مؤخراً، واستمرار إعادة تموضع القوات الأميركية في أراضي “الناتو” بعد التحاق فنلندا مؤخراً، وقرب دخول السويد، ما يشير إلى حالة عامة تتعلق بالسلوك الأمريكي الذي يتخوف من تحول ما يجري خارج النطاقات إلى معركة داخلية في الكونجرس، واتهام الرئيس الأمريكي بعدم القدرة على حماية المصالح الأمريكية خاصة وأن الإدارة الأميركية تستعد خلال الأشهر المقبلة للانتخابات الاستهلالية للرئاسة، الأمر الذي قد يعقد المشهد داخليا، وسيؤثر على السياسة الأمريكية ليس في السودان بل وفي منطقة القرن الأفريقي بأكملها.

شاهد أيضاً

بأية حال تعود الانتخابات في أمريكا!

بقلم: سمير التقي – النهار العربي الشرق اليوم- كل ثلاثة او أربعة عقود، وفي سياق …