الرئيسية / مقالات رأي / وكلاء للحرب أم مقاتلون بالوكالة!

وكلاء للحرب أم مقاتلون بالوكالة!

بقلم: منير أديب – النهار العربي

الشرق اليوم- مرتزقة الحروب ووكلاؤها يظهرون وقت الصراعات، فلعل هؤلاء المرتزقة هم أحد أسباب هذه الحروب أو المغذي الرئيسي لها، يستفيدون كثيراً من الصراعات السياسية والاضطرابات الأمنية، ربما تكون آخرها الحرب الدائرة في السودان ما بين القوتين العسكريتين الكبيرتين، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

لا توجد فروق كبيرة بين وكلاء الحرب ممن ينتمون إلى وحدات عسكرية حتى ولو كانت مستقلة مثل مجموعة فاغنر الروسية، وما بين من يقاتل في هذه الحروب بالوكالة مثل جماعات العنف والتطرف؛ فالنوع الأول مرتزق يُقاتل من أجل المال، أما النوع الثاني، فهو مرتزق أيضاً ولكنه يبحث عن مكسب آخر، أي أنه يُقاتل من أجل تحقيق مكاسب معنوية ومادية أيضاً، وغالباً ما تكون المصلحة هي المحرك لكل منهما.

المقاتلون بالوكالة، قد لا يكونون سبب الحرب ولكنهم حتماً سبب استمرارها، فهم بمثابة وقودها المستعر، فجزء من مهمتهم أن تستمر هذه الحروب حتى تستمر مهمتهم أو هدفهم الذي يتحركون من أجله، ولا يفيد هنا إن كان هؤلاء يبحثون عن المال والثروات أو يبحثون عن أهداف غير مادية، الخطير أنهم يقاتلون عن الغير بالوكالة وهم ليسوا جزءاً من الصراع وفي الغالب هم مقاتلون أجانب.

لا بد من أن يُجرم عمل مجموعات المرتزقة من قبل الأمم المتحدة، ولا بد من أن يواجهها المجتمع الدولي بكل قوة وصرامة، فالقضاء على مسببات الحروب لا يكون إلا بالوقوف أمام مشغلي هذه الحروب وسبب استمرارها من المرتزقة، سواء من قاتل من أجل المال أو من أجل عقيدة وقيمة كما يدعي مثل تنظيمات العنف والتطرف، فخطر كلاهما واحد.

ينتشر وكلاء الحروب في عدد من البلدان التي تعاني صراعات مسلحة مثل اليمن وسوريا وليبيا، فهؤلاء يقاتلون مع فريق من دون آخر مقابل المال، وهنا لا تستطيع أن تفرق بينهم وبين تنظيمات العنف والتطرف التي أتى مقاتلوها من شتى أنحاء العالم، يحملون جنسيات مختلفة للقتال على أرض ليست أرضهم، وفي صراع من المفترض أنهم ليسوا طرفاً فيه، هؤلاء هم بارود المعارك في الحروب.

يقال إن وزارة الدفاع الروسية أنشأت مجموعة مقاتلة تشرف عليها باسم فاغنر، صحيح أنها أعطتها استقلالية ووصفتها بأنها شركة خاصة، ولكن هذه المجموعة تُشارك في أغلب الحروب الدائرة وهي جزء من الصراعات المسلحة في كل دول العالم، وهي تقدم خدماتها سواء من إرسال مسلحين لمناطق الصراع أو بيع الأسلحة للمتصارعين أو التدريب على القيام بعمليات عسكرية، وقد يكون دورها في استخراج ثروات الألماس والذهب في بعض البلدان أو حماية هذه المناجم، وقد تكون مهمتهم تقديم مشورات سياسية!

كما أن هذه المجموعة تُقاتل جنباً إلى جنب بجوار المقاتلين الروس في أوكرانيا، فهم يقومون بحراسة مناجم الذهب والألماس في أفريقيا الوسطى والسودان أيضاً، غير أنهم قد شاركوا أو أعلنوا عن استعدادهم للمشاركة في الحرب السودانية، وقاموا ببيع الأسلحة لأحد طرفي النزاع، وتبدو خطورة هذه المجموعة في أنها تُزيد من أمد الحروب.

يقاتل “داعش” والمجموعات المتطرفة سواء المحلية أو الإقليمية في مناطق الصراع المشار إليها، لا يتقاضون أموالاً نظير هذه الحروب، ولكن المال قد يكون هدفهم من الإغارة والقتل والنهب، وقد تكون القيمة المعنوية هدف حروبهم، فهؤلاء قد يتم استدعاؤهم أو دعمهم أو استغلالهم، وهم مقاتلون أقوياء، يتم توظيفهم في الحروب المشتعلة بصورة دائمة.

وظفت الولايات المتحدة الأمريكية من قبل ما سُمي بالمجاهدين العرب في الحرب الأفغانية في العام 1979، وقاتلت واشنطن موسكو في أفغانستان ولكن من خلال المسلمين! فتم توظيف هؤلاء المقاتلين والإنفاق عليهم حتى نجحوا في المهمة التي أوكلت إليهم، وكانوا أحد الأسباب المباشرة أو غير المباشرة في هزيمة الدب الروسي وقتها، كما أن هؤلاء المقاتلين خرج من نواتهم في ما بعد ما سُمي بتنظيم “قاعدة الجهاد”، الذي خرج من نواته بطبيعة الحال في العام 2014 تنظيم “داعش”، الذي ملأ الأرض قتلاً، وكان مثالاً للارتزاق من وراء الحروب التي أشعلها.

كما تنتشر مجموعة فاغنر الروسية في أفريقيا، فإن الكثير من التنظيمات الإسلاموية المتطرفة تنتشر في أغلب العواصم الأفريقية. صحيح أن المجتمع الدولي يواجه المجموعات المتطرفة التي تُقاتل باسم الدين، ولكن من الأولى للمجتمع الدولي أن يواجه من يُقاتلون أيضاً للحصول على المال أو أي مسمى آخر للقتال مهما كان.

خطورة الحروب ليس في بدايتها ولكن في استمرارها؛ فإذا كان من الصعب منع هذه الحروب فعلى الأقل وقفها أو وقف مسبباتها من خلال مواجهة الوكلاء والمقاتلين بالوكالة، وأن يكون ذلك عبر تشريع دولي وأن يتم الضغط على كل من يثبت من الدول أنها تستخدمهم أو حتى تدعمهم.

وكلاء الحروب هم من يصنعون الأزمات ويُشعلون الصراعات، كما أنهم هم من يجلبون الموت والدمار، فمن المؤسف أن نجد دولاً وجيوشاً قد تستعين بخدمات المجموعات المقاتلة، وإذا كانت تفعل ذلك فلا مانع لديها من أن تستعين بالمجموعات الإسلاموية المقاتلة، رغم أن الطبيعي والمنطقي أن تتم مواجهة هؤلاء المرتزقة من دون الاستعانة بهم بأي شكل من الأشكال أو العمل معهم تحت أي مظلة مهما كتب عليها من شعارات.

ينطبق وصف وكلاء الحرب على الكيزان في السودان، فهم يُقاتلون تحت الأسباب نفسها، فهم مرتزقة الحرب الدائرة حالياً، وغالباً هؤلاء ليس لديهم مانع من التعاون مع كل المتصارعين مقابل أن تتحقق أهدافهم، التي قد يتم اختصارها في عودتهم للمشهد السياسي من جديد.

إذا أراد المجتمع الدولي أن يُخمد الحروب والصراعات في الشرق الأوسط أو أفريقيا أو حتى في شرق أوروبا، فعليه أن يواجه وكلاء هذه الحروب أو المقاتلين فيها بالوكالة، ولا بد من وجود تشريع لمواجهة الدول التي تستعين بهؤلاء المقاتلين، فضلاً عن ضرورة وجود تشريعات دولية تُحارب الوجود الشرعي لهم أو التفافهم على ذلك، فهذا كفيل بإخفات أصوات أزيز الطائرات وراجمات الصواريخ، فكلما قلّ صوت الرصاص كلما كان ذلك مقدمة لوقف هذه الحروب.

شاهد أيضاً

لبنان- إسرائيل: لا عودة الى ما قبل “طوفان الأقصى”

بقلم: علي حمادة- النهار العربيالشرق اليوم– تسربت معلومات دبلوماسية غربية الى مسؤولين لبنانيين كبار تشير …