الرئيسية / مقالات رأي / حرب “الإخوة الأعداء”

حرب “الإخوة الأعداء”

الشرق اليوم- لم يعد هنالك من مكان للعقل والمسؤولية والقيم الإنسانية في الحرب الطاحنة بين الجيش السوداني و”قوات الدعم السريع”، حتى إن الضوابط العسكرية والمناقبية والأخلاقية المفترضة بين الجيوش، باتت معدومة بين مكونين عسكريين، يجب أن يكونا درعاً للوطن، وسقفاً يحمي المواطن.

 غاب العقل تماماً، وصارت الآذان صماء، لا تلقي بالاً لمأساة باتت تحيق بالوطن، مع حمامات الدم التي تتسع مساحتها، والدمار المهول الذي عصف بالمؤسسات والمطارات والمباني والشوارع.

 على الرغم من كل النداءات والمناشدات والدعوات التي صدرت من معظم الدول وقادة العالم، ومن بينها دول شقيقة وصديقة تحرص على وحدة السودان وشعبه، وتعد أن ما يجري يشكل خطراً على السودان ووحدته، وخطراً على الأمن العربي، فإن كل هذه الأصوات كانت بلا صدى، ولم تلق إلا التجاهل أو المخاتلة.

 ما يجري يدل على أن “الإخوة الأعداء” رفاق السلاح المؤتمنين على الوطن، كانوا يضمرون الحقد والكراهية لبعضهم على الرغم من الصور المزيفة التي كانت تُظهر في الإعلام عكس ذلك، وأنهم كانوا يستعدون لهذه الحرب التي دخلت يومها الخامس من دون أمل بوقفها، أو حتى مجرد الاتفاق على هدنة إنسانية، تسمح لسيارات الإسعاف بالتنقل بين مواقع القتال والمستشفيات التي خرج معظمها عن الخدمة، بسبب نقص الأدوية والكوادر الطبية والمسعفين، وقصف بعضها أو جرى تحويلها إلى “دروع عسكرية”.

 آخر الإحصاءات تشير إلى أن عدد القتلى وصل إلى 270، وأن عدد الجرحى بلغ أكثر من ألفين، إضافة إلى ضحايا من المدنيين والعسكريين لا يمكن الوصول إليهم، بسبب ضراوة الاشتباكات..والحبل على الجرّار.

 هناك مأساة إنسانية ترتسم في الأفق إذا لم يتوقف القتال؛ إذ إن 39 مستشفى من أصل 59 مستشفى في الخرطوم ومحيطها توقفت عن العمل، بينها 9 مستشفيات تعرضت للقصف، و16 تعرضت للإخلاء القسري، وأن بعض المستشفيات المتبقية لا تستطيع تقديم إلا الإسعافات الأولية. كما أن هناك مخاوف من انقطاع الكهرباء والمياه، وحدوث نقص في الخبز والمواد الغذائية، إما بسبب عدم إمكانية التنقل، وإما بسبب تعرض مؤسسات الخدمات العامة للقصف.

 تم الاتفاق على هدنة إنسانية بوساطة دولية، لكنها لم تُحترم، وسقطت بعد فترة قصيرة من الإعلان عنها، وتبادل الطرفان الاتهامات بخرقها، كمؤشر على نواياهما بمواصلة الاقتتال، وأن المعارك سوف تطول، وتطول معها مأساة الشعب السوداني، وتتزايد المخاطر بنشوب حرب أهلية نتيجة صراع “الإخوة الأعداء”، وما يمكن أن يهدد السودان والدول المجاورة من جرّاء ذلك.

 تؤكد المواجهات الدامية بين الجيش و”قوات الدعم السريع” أن الخلاف يتعدى مسألة البرنامج الزمني لدمج القوات المسلحة وفقاً ل”الاتفاق الإطاري” الذي تم توقيعه أواخر العام الماضي؛ بل هو صراع على السلطة والنفوذ على حساب الشعب السوداني، وتم استخدام العسكر وقوداً لهذا الصراع.

ترأس رئيس مجلس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة، السيد محمد شياع السوداني، اليوم الخميس، اجتماعاً أمنياً مهمّاً في مقرّ العمليات المشتركة، بحضور وزير الداخلية وكبار القادة الأمنيين.

وجرى خلال الاجتماع متابعة مجمل التطورات الأمنية في البلاد، كما شهد الاجتماع مناقشة قضية هروب رئيس الوقف السني الأسبق المدان سعد كمبش، وعلى إثر هذا الحادث واستناداً للتقرير الخاصّ بتفاصيل عملية الهروب، قرّر القائد العام للقوات المسلحة، إقالة قائد الفرقة الخاصة الفريق حامد الزهيري؛ وذلك لضعف الإجراءات المتخذة في هذا الشأن. كما وجّه سيادته بمحاسبة جميع المقصرين ومعاقبتهم قانونياً، وإعادة تقييم أداء الأجهزة الأمنية.

ووجّه السيد السوداني بغلق مركز التوقيف في مركز شرطة كرادة مريم داخل المنطقة الخضراء، الذي شهد جريمة الهروب، ونقل المحكومين إلى سجون وزارة العدل، وإيداع كبار الفاسدين الموقوفين فيه في مراكز توقيف أخرى أسوةً مع المطلوبين الآخرين، وإلغاء أية خصوصية في التعامل معهم مثلما كان معتاداً، فالجريمة واحدة، لا يمكن أن تُجزّأ أو تُصنّف بحسب المنصب والنفوذ.

وأكد القائد العام للقوات المسلحة أنه في الوقت الذي تحقق فيه أجهزتنا الأمنية انتصارات كبيرة في مختلف المناطق والقطعات العسكرية، ومطاردة وقتل الإرهابيين الدواعش وملاحقة تجار المخدرات والمهربين، ومهاجمة أوكارهم، يحدث هذا الخرق الأمني الكبير داخل المنطقة الخضراء، نتيجة خلل وتهاون في أداء الواجب أو تواطؤ، وجميعها لن نسمح بها، من خلال إعادة تقييم مستوى الأداء الأمني، ومحاسبة المتواطئين قانونياً مهمَا كان منصبهم وموقعهم، فسيادة القانون فوق الجميع.

وفي سياق الاجتماع، وجّه سيادته جميع الأجهزة الأمنية بمراجعة الخطط الموضوعة في عطلة عيد الفطر المبارك، وأن تكون على أهبة الاستعداد من أجل توفير الأجواء الآمنة للعوائل المحتفلة بالعيد، وتحقيق الانسيابية في الشوارع.

كما شدّد السيد السوداني على مراجعة الخطط المعتمدة في بعض المناطق التي تشهد نزاعات عشائرية تهدّد أمن المواطنين، وتعكّر صفو الأمن في تلك المناطق.

شاهد أيضاً

الصين وأوروبا…كيف تكون العلاقات أفضل؟

بقلم: أسعد عبود- النهار العربيالشرق اليوم– هل يمكن أن تنسج الصين وأوروبا علاقات أفضل من …