الرئيسية / مقالات رأي / استئناف العلاقات السعودية ــ السورية

استئناف العلاقات السعودية ــ السورية

بقلم: صلاح الغول –صحيفة الخليج

الشرق اليوم- تقول الأخبار إن السعودية وسوريا تنخرطان حالياً في مباحثات تتعلّق باستئناف الخدمات القنصلية بينهما بعد قطيعةٍ لأكثر من عشر سنوات، وهي الخطوة التي تُمهد لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما قريباً.

والواقع أنّ استئناف الخدمات القنصلية (ولاحقاً تطبيع العلاقات بالكامل) كان قراراً سعودياً، تماماً كما كان قرار قطع العلاقات عام 2012 سعودياً. والواقع أيضاً أن القرار السعودي بالتقارب مع دمشق يأتي في ظل بيئة عربية مواتية من الانفتاح العربي على سوريا، ويُعوّل عليه كونه قوة الدفع الرئيسية لإعادة الأخيرة إلى الحاضنة العربية حتى لا تشرد بعيداً عن السرب العربي، وتتخطفها قوى إقليمية.

بيد أن القرار السعودي بالتقارب مع سوريا مهّد له ودفع إليه متغيرات عدة. أول هذه المتغيرات هو الدور الإماراتي الرائد في الانفتاح على سوريا. فقد أعادت دولة الإمارات توجيه سياستها تجاه سوريا، التي كانت مقطوعة منذ فبراير 2012. وكانت البداية بزيارة سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي لسوريا وإعادة افتتاح السفارة الإماراتية في دمشق عام 2018. ومنذ ذلك الحين، كانت دولة الإمارات أكثر الدول العربية دعماً لاستئناف سوريا عضويتها المُعلقة في الجامعة العربية.

وثاني هذه المتغيرات كان الزلزال الذي ضرب سوريا في فبراير المنصرم، ومثل نقطة تحوّل في اتجاهات العلاقات الدولية في الشرق الأوسط. فمع مبادرات التضامن والدبلوماسية الإنسانية العربية تجاه دمشق، وزيارات المسؤولين العرب لها، جاءت بوادر التغيير عبر زيارات الرئيس السوري بشار الأسد لكلٍ من سلطنة عُمان (20 فبراير)، التي التقى فيها بالسلطان هيثم بن طارق آل سعيد، ثم دولة الإمارات (19 مارس 2023) التي التقى فيها بصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وثالث هذه المتغيرات هو إعادة العلاقات بين السعودية وإيران. ففي مقالٍ سابق لنا في “الخليج”، أوضحنا أنّ التقارب السعودي-الإيراني سوف ينعكس على الملفات الإقليمية الأخرى لجهة تسهيل تسويتها، وعلى رأسها الحرب في اليمن والصراع السوري والمشكلة اللبنانية. وما من شك أنّ المسؤولين السعوديين والإيرانيين تطرقوا إلى مسألة الانفتاح العربي على سوريا في محادثاتهم ببغداد وبكين، التي مهدت لاتفاق استئناف العلاقات السعودية ــ الإيرانية في 10 مارس الجاري.

أما رابع هذه المتغيرات، فهو الوساطة الروسية. فوفقاً لـ”وول ستريت جورنال”، كانت ‎روسيا وراء الوساطة بين السعودية وسوريا، وإن المحادثات استمرت جولات بين موسكو والرياض في الأسابيع الأخيرة، وإنّ تطبيع العلاقات بين دمشق والرياض المقرر اكتماله بعد عيد الفطر، سيترك الولايات المتحدة على الهامش مرة أخرى بشأن تطور رئيسي آخر في الشرق الأوسط، بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران.

ويأتي القرار السعودي بالتقارب مع دمشق في ظل انفتاح عربي غير مسبوق على سوريا، وتنامي الخطاب العربي المنادي بعودة دمشق للجامعة العربية؛ ما يُدلل على أن المسار التصالحي العربي سيكون الغالب في الفترة المقبلة. ولكن انفتاح السعودية على إعادة التطبيع مع سوريا يتمايز بأنه سوف يُسهم إسهاماً رئيسياً في عودة سوريا إلى الجامعة العربية. وربما يتم ذلك في القمة العربية المقبلة بالرياض.

والأهم من ذلك أن التقارب السعودي مع سوريا ومن قبل مع إيران، سوف يساعد في وجود مناخ إقليمي مواتٍ وإيجابي لتسوية الصراع السوري أو بالأحرى معالجة المسألة السورية، وإن كان الأمر يتطلب بعض الوقت بسبب الطبيعة المركبة والمعقدة للأوضاع في سوريا. فالمسألة السورية مركبة في أبعادها وأسبابها والفاعلين المعنيين بها. فأية تسوية سياسية لهذه المسألة لا بدّ أن تأخذ في الاعتبار الحفاظ على سيادة سوريا وتكاملها الإقليمي، والمصالحة الوطنية بين فرقاء الحرب الأهلية، والتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية والأراضي السورية، وتزايد تهديدات الإرهاب والتطرف والطائفية، وتنامي مخاطر النزعة العرقية والانفصالية الكردية. ثم إن هناك فاعلين دوليين وإقليميين وما دون إقليميين كثراً منخرطون في الصراع في سوريا وعليها، في مقدمتهم الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران والعراق وإسرائيل وحزب الله والحشد الشعبي “العراقي” وغيرهم، لكلٍ تصوره عن الصراع واقترابات تسويته وشكل هذه التسوية.

إنّ احتمالات عودة سوريا القريبة للصف العربي، وقرب الشروع في تسوية المسألة السورية تتطلب تطوير رؤية خليجية مشتركة تجاه سوريا، وأن يتم ذلك قبل انتظام القمة العربية في الرياض في مايو المقبل.

شاهد أيضاً

الأمل المستحيل لإسرائيل

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً …