الرئيسية / مقالات رأي / مبادرة الصين بين المؤيدين والرافضين

مبادرة الصين بين المؤيدين والرافضين

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- لم تكن قد مضت ساعات على زيارة الرئيس بايدن لأوكرانيا، حتى بدأت تلوح في الأفق المعبأ بالغيوم، علامات متصادمة بين وجود فرصة لحل سلمي للنزاع، وبين تشدد بدا وكأنه يغلق الباب أمام أي مساعٍ للحل.

الرئيس بايدن قدم اشتراطات للحل، تشمل عدم السماح بانتصار روسيا، قائلاً، إنها لن تنتصر أبداً، ومتعهداً بتأييد أوكرانيا في حربها، وتقديم الدعم لها مهما طال الوقت. وجاء رد الرئيس بوتين في اليوم التالي متعهداً بمواصلة عملياته العسكرية في أوكرانيا. واتهم الغرب باستخدام النزاع في أوكرانيا لإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، وقال إن الأمر بالنسبة لنا أنه قضية وجودية لبلدنا.

وفي أجواء التشدد المتبادل من الجانبين، لاحت بارقة أمل، عندما أعلن وزير خارجية الصين وانغ يي أثناء حضوره مؤتمر ميونخ للأمن، أن الرئيس الصيني سيتقدم قريباً جداً باقتراحه للسلام من أجل إنهاء النزاع بين موسكو وكييف، وجاء رد الفعل الأمريكي عن طريق حديث للرئيس بايدن مع قناة “إيه. بي. سي” الأمريكية، حيث انتقد بايدن خطة الصين. وقال إن فكرة أن تتفاوض الصين على نتائج حرب أوكرانيا ليست عقلانية، وإنني لم أجد منها شيئاً يمكن أن يشير إلى وجود ما يفيد لأي طرف سوى روسيا.

في نفس الوقت، رحبت روسيا بالمبادرة الصينية، وقالت ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم الخارجية الروسية، نحن منفتحون على المفاوضات لحل النزاع بالطرق السياسية والدبلوماسية.

ومن البداية، تنوعت ردود الأفعال لمتقرحات الصين، والتي قال عنها الوزير وانغ يي إنها مبادرة سلام تستند إلى مبادئ سيادة الدولة وسلامة أراضيها، وما يقرره ميثاق الأمم المتحدة، وإن المبادرة تعترف في الوقت نفسه بمخاوف روسيا المشروعة على أمنها. وقال إن الصين تتفاوض حالياً حولها مع ألمانيا، وإيطاليا، وفرنسا.

وهكذا اتسمت خطة الصين بمراعاة التوازن بين طرفي الحرب، لكن مسؤولين أمريكيين وصفوها بأن الصين تريد بها مساعدة بوتين. واتفق مع هذا الاتجاه الأمين العام لحزب الناتو الذي أعرب عن شكوك الحلف في مصداقية الصين بشأن تسوية الأزمة.

وسط ضبابية المشهد، بدأت تتوالى تحليلات للاحتمالات المتوقعة، مثلاً، الخبير السياسي جيمس كوروزو رئيس المجموعة الاستشارية للدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن قال: إن أي تسوية ستحتاج إلى الإقرار بسيادة أوكرانيا، وبنوع من العلاقات المستقرة بين أمريكا وروسيا. لكن ما يحدث أن أمريكا تحاول إضعاف روسيا. وتساءل: هل تنوى الإدارة الأمريكية أن تُحَمِّل بوتين مسؤولية كل ما جرى ومحاسبته على ذلك؟ أم أن الهدف سيكون العمل على تجنب حرب أوسع نطاقاً؟ وإن ما ينبغي عمله هو عدم الجري وراء أوهام انتصار طرف واحد على الآخر.

من اللحظة الأولى، تجد الخطة الصينية في مواجهتها جانبان؛ أحدهما يرى عدم التسرع برفضها، والآخر يرفضها كلية. وفي مقدمة الداعين لقبولها، الأمين العام للأمم المتحدة الذي وصفها بأنها “مساهمة مهمة”، إضافة إلى عدد من كبار المفكرين السياسيين، منهم جون ميرشيمر، وهنري كيسنجر، وجيمس بيكر، وغيرهم من المنتمين للمدرسة الواقعية التي لا تؤيد الحرب كوسيلة للسياسة الخارجية. هؤلاء يرون عدم الفصل بين ما جرى منذ غزو روسيا لأوكرانيا، وبين الأسباب التي دفعتها إلى ذلك، وعلى رأسها تمدد حلف الناتو في اتجاه الحدود الروسية.

وهم يرون أن ترك الأزمة على حالها، سوف يؤدي إلى صراع لا نهاية له. وإذا كان الغرب يزيد من دعمه لأوكرانيا، على أمل أن تحقق انتصاراً، والعمل على استنزاف روسيا. فإن بوتين كان واضحاً فيما أعلنه من أن روسيا لن تقبل الهزيمة، وهو ما يوحي باحتمالات الانزلاق إلى حرب عالمية.

كما أن الصين من ناحيتها ليس من مصلحتها هزيمة روسيا، أو حتى نشوب حرب تستخدم فيها الأسلحة النووية.

وبخلاف الأسباب المتعلقة بالحرب وبالنزاع الذي تشتد حدته بين الغرب وروسيا، فإن هناك دوافع أخرى لدى الرافضين للدور الصيني. وفي تقديرهم أنه لو قُدِّرَ النجاح لمبادرة الصين، في اتجاه إنجاز تفاهم لحل سلمى متوازن يُرضي الطرفين، فستكون نتيجة ذلك زيادة مكانتها في العالم، باعتبارها قوة داعمة للسلام وليس للحرب. وهؤلاء يتخوفون أيضاً من أن نجاح مبادرتها سيزيد من دعوتها لإنهاء القطبية الأحادية، وإيجاد عالم متعدد الأقطاب في النظام الدولي.

وبالطبع، وحسب التجارب التاريخية لخطط جلب السلام، فإن التفاصيل هي المرحلة اللاحقة، ومكانها المفاوضات، التي تعتبر المدخل إلى الخطوة التالية، والأهم عند الجلوس على مائدة التفاوض. وفي حالة الموافقة عليها، تبدأ مهمة الخبراء الاستراتيجيين للجانبين في دراستها تفصيلياً وبدقة شديدة.

شاهد أيضاً

إيران وإسرائيل… الحرب والحديث المرجّم

بقلم عبد الله العتيبي – صحيفة الشرق الأوسط الشرق اليوم- ضعف أميركا – سياسياً لا …