الرئيسية / الرئيسية / سياسة بايدن لمبيعات الأسلحة لم تختلف عن سابقاتها

سياسة بايدن لمبيعات الأسلحة لم تختلف عن سابقاتها

بقلم: بلال صعب – النهار العربي

الشرق اليوم- ما كادت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تصدر سياستها لنقل الأسلحة التقليدية CAT، حتى انطلقت موجة ردود فعل من سياسيين ومحللين وناشطين أمريكيين، غالباً ما كانت سلبية. وجادلت المنظمات غير الحكومية التي تركز على حقوق الإنسان والقيود المفروضة على الأسلحة بأن هذه السياسة  لم تركز بما يكفي على الحقوق الإنسانية. وحذر معارضون سياسيون للإدارة من تقييد مبيعات الأسلحة للحلفاء والشركاء في عصر المنافسة الاستراتيجية مع الصين وروسيا.

صحيح أن سياسة نقل الأسلحة التي يتبعها بايدن أبرزت أهمية حقوق الإنسان أكثر من سياسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، لكن فقط باللهجة. ولكن في الواقع لم تتغير أمور كثيرة، ولن تتغير. أدرك ذلك لأن إدارة بايدن كانت تنفذ سياستها الجديدة منذ آب (أغسطس) 2021، رغم أنها أصدرتها هذا الأسبوع. ويمكن تقييم هذه السياسة من خلال نتائجها، التي لم تحقق أي تغيرات جذرية في كيفية استخدام مبيعات الأسلحة كأداة لسياسة بايدن الخارجية.

ومن المفيد استعادة بعض المحطات التاريخية لتوضيح هذه الفكرة.

ركزت الانتقادات الموجهة لمبيعات الأسلحة الأميركية إلى الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة على ترامب. ويمكن فهم ذلك نظراً إلى الدور الذي أدته إدارته (وإدارة سلفه) في إرسال قنابل أميركية إلى السعوديين للحرب في اليمن. وبينما ارتفعت مبيعات الأسلحة إلى المنطقة خلال ولاية ترامب، بمعدل 51 مليار دولار سنوياً خلال السنوات الثلاث الأولى من رئاسته، لم يكن مثل هذا التضخم فريداً في تاريخ نقل المعدات العسكرية الأميركية إلى المنطقة.

وحرصاً على وقف الآثار السلبية للطفرة في مبيعات الأسلحة العالمية على الأمن الدولي، دفع الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر إلى ضبط النفس من خلال سياسة اعتمدت في أيار (مايو) 1977. ولكن، سرعان ما اصطدمت النظرة الأخلاقية لكارتر واهتمامه الصادق بالحد من الأسلحة وحتى نزع السلاح بواقع المنافسة العالمية لمبيعات الأسلحة وأزمات الشرق الأوسط ومتطلبات الحرب الباردة، ما قاد المبيعات العسكرية الخارجية خلال فترة ولايته إلى الارتفاع، ووصول الأسلحة خصوصاً إلى الدول  النامية، ومعظمها إلى إيران قبل ثورة 1979.

ولم يكد حبر سياسة مبيعات الأسلحة يجف حتى وقع صفقات بمليارات الدولارات مع مصر وإيران وإسرائيل والمملكة العربية السعودية، كل ذلك في السنة الأولى من ولايته. وكان شاه إيران، الذي تعتبره واشنطن شريكاً رئيسياً في سياسة الاحتواء السوفياتي وعائقاً صلباً أمام وصول موسكو إلى نفط الخليج العربي، المستفيد الأكبر من نقل الولايات المتحدة أنظمة طائرات الإنذار والتحكم المحمولة جواً “أواكس” في عام 1977، كجزء من حزمة أسلحة بقيمة 5.7 مليارات دولار، تضمنت 160 مقاتلة “أف-16”.

ونقل رونالد ريغان المسألة إلى مستوى أعلى، إذ بلغت قيمة الصفقات خلال فترة رئاسته، التي استمرت لولايتين، أرقاماً قياسية. وتجنباً لأي تأييد أمريكي لضبط النفس في المبيعات، نقل إلى المنطقة بعضاً من أحدث الأسلحة في ترسانة الولايات المتحدة، منها مقاتلات “أف-15” وطائرات “أواكس” وصواريخ “سايدويندر” جو-جو، وصواريخ “هاربون” المضادة للسفن إلى المملكة العربية السعودية، و”مروحيات كوبرا” الهجومية إلى الأردن، و”دبابات M48A5″ وناقلات مدرعة وذخيرة إلى لبنان، ودبابات “أف 60” وطائرات عسكرية من طراز “سي 130″، إلى جانب أدوات استطلاع واستخبارات أخرى إلى المغرب، ومقاتلات “أف 5 اي” ودبابات “أم 60” إلى تونس، فضلاً عن أنواع مختلفة من المعدات العلمية والتقنية إلى العراق.

وفي وقت كان الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش منهمكاً بحرب الخليج 1990-1991، حافظ أيضاً على تدفق مستمر للأسلحة إلى الشركاء العرب وكذلك على سياسة سلفه. وعام 1989، سمح بوش بنقل 150 دبابة، و24 مقاتلة “أف-15″، و200 صاروخ مضاد للطائرات إلى المملكة العربية السعودية، في إطار صفقة بقيمة 2.2 ملياري دولار، تبعتها بعد فترة وجيزة حزمة من الدبابات والطائرات والصواريخ بقيمة 21 مليار دولار (على الرغم من أن هذه المبيعات جاءت بعد عامين من انتهاء حرب الخليج الأولى). ولو لم تقتصر رئاسته على ولاية واحدة، لكان بإمكان بوش تزويد الشركاء العرب بمزيد من الأسلحة، وربما تجاوز أرقام ريغان في ظل امتنان دول الخليج العربية من ضمان أمن المملكة العربية السعودية وتحرير الكويت.

وتسلم الرئيس بيل كلينتون السلطة مع رغبة في مراجعة سياسة مبيعات الأسلحة الأميركية والحد من انتشار الأسلحة في جميع أنحاء العالم. مع ذلك، اتبع المسار نفسه، باستثناء منعطف واحد مهم (ظهر بقوة في عهد ترامب): أكد رسمياً على الحجة الاقتصادية إلى تلك المبيعات.

استغرق كلينتون عاماً واحداً فقط لتحقيق رقم قياسي في المبيعات بلغ 36 مليار دولار. وبالطبع كان الشرق الأوسط وجهة رئيسية للمعدات الأمريكية. وسمح بنقل معدات عسكرية متطورة بقيمة 46.5 مليار دولار إلى المنطقة بين عامي 1993 و2000، ذهب معظمها إلى المملكة العربية السعودية، التي استلمت 72 طائرة متطورة من طراز “أف 15 إيغل”، و150 دبابة “أم 1 اي 2 أبرامز”، و12 بطارية صواريخ “باتريوت” للدفاع الجوي، وآلاف الصواريخ من مختلف الأنواع. ولم يختلف الوضع كثيراً في الكويت والإمارات، إذ حصلت الدولتان على 6 وحدات صواريخ “باتريوت”، و256 دبابة “أم 1 اي 2 أبرامز” و16 مروحية هجومية من طراز “أي أتش 64 أباتشي”، بالإضافة إلى 10 مقاتلات من طراز “اي أتش-64  أس” و80 مقاتلة “أف-16” على التوالي.

وعزز الرئيس جورج دبليو بوش دور الولايات المتحدة كأكبر مصدر للأسلحة في المنطقة، وكانت دول الخليج العربية مرة أخرى أكثر العملاء حماسة. وبقيت الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق عام 2003 في ذهن بوش، لكن الدافع الطائفي لإيران عبر المنطقة أثار قلقه أيضاً، وكان يؤمن بإمكانية احتوائها جزئياً من خلال بيع معدات عسكرية متطورة لشركاء الخليج العرب. وربطت بوش علاقة شخصية قوية  بالعاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، فاستغلها لبيع الرياض وجيرانها الأصغر عدداً كثيراً من الأسلحة الأمريكية. وفي كانون الثاني (يناير) 2008، أرسلت واشنطن ما قيمته 20 مليار دولار من الأسلحة العالية التقنية للسعوديين، بما في ذلك ذخائر الهجوم المباشر المشترك الموجهة بالأقمار الاصطناعية.

ومع أن الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما لم يكن قريباً جداً من دول الخليج العربية، لكن إدارته لم تقلل قطعاً تدفق الأسلحة الأمريكية إليها. وفي عهده، شكل حجم الأسلحة الأمريكية حوالي نصف تلك التي سلمت إلى الشرق الأوسط بين عامي 2008 و2011، والنسبة نفسها تقريباً بين عامي 2012 و2015. وكان جزء من ذلك تعويضاً عن الاتفاق النووي لعام 2015، الذي أثار مخاوف كبيرة في عواصم دول الخليج العربية، بالنظر إلى فشله في معالجة سلوك طهران المزعزع للاستقرار في المنطقة.

وبسبب القتال ضد تنظيم “داعش”، كان العراق أيضاً متلقياً رئيسياً للأسلحة الأميركية، إذ حصل على مقاتلات “أف-16” ومروحيات “أباتشي” ودبابات “أبرامز” والكثير من الأجهزة الأخرى التي بلغت قيمتها عشرات المليارات من الدولارات. وحصل السعوديون على نصيبهم من ذلك، إذ تلقوا معدات من واشنطن خلال ولايتي أوباما بقيمة 115 مليار دولار، تمت الموافقة على جزء كبير منها في صفقة واحدة في عام 2012. وشملت هذه الأسلحة قنابل ومقاتلات “أف 15” ومروحيات “أباتشي” و”بلاك هوك” وأنظمة اعتراض الصواريخ ومركبات مسلحة وأنظمة دفاع صاروخي.

وعلى غرار أسلافه، اعتبر ترامب الشرق الأوسط هدفاً رئيسياً لمبيعات الأسلحة الأمريكية. وفي أيار (مايو) 2017، زُعم أنه صمم صفقة أسلحة ضخمة بقيمة 110 مليارات دولار للسعوديين، رغم أن ما وافقت عليه الرياض وحصلت عليه لم يكن واضحاً.

في النتيجة، شدد بايدن على القيم وحقوق الإنسان في سياسته الخارجية، مثلما وعد كارتر. ومع ذلك، يظهر نمط مبيعات الأسلحة للمنطقة على مدى عقود، وفي ظل الإدارات المتعاقبة، ديموقراطية كانت أم جمهورية، أن الأسلحة الأمريكية، ستستمر على الأرجح في التدفق إلى الشرق الأوسط من أجل أسباب استراتيجية وسياسية واقتصادية، رغم المخاوف المتزايدة للبعض في الكونغرس.

لذا، ليس التركيز على ما تنص عليه السياسة هو الأهم، إنما على كيفية تنفيذها.

شاهد أيضاً

التأثير السلبي لحرب غزة على الأوضاع الحقوقية في إسرائيل

الشرق اليوم-  الصراع في غزة قد فاقم من حالة حقوق الإنسان في إسرائيل، وأشار التقرير …