الرئيسية / أخبار العراق / معركة الدّولار في العراق ومستقبل الفساد

معركة الدّولار في العراق ومستقبل الفساد

بقلم: فاروق يوسف – النهار العربي

الشرق اليوم- أخيراً تذكرت الولايات المتحدة أن عليها يقع واجب وضع حد لما يعانيه الاقتصاد العراقي من أزمات بسبب عمليات تهريب العملة الصعبة إلى إيران والميليشيات التابعة لها في سوريا ولبنان واليمن. لم يكن القرار الذي اتخذه البنك الفيدرالي الأميركي عسير التنفيذ. فالمعادلة واضحة وليست ملتسبة حتى لا يفهمها الطرف العراقي. لا أموال إلا مقابل شفافية مطلقة في النظام المصرفي في العراق. لنكن دقيقين أكثر. لن تكون هناك في المستقبل تحويلات مالية إلا مقابل بضائع معلومة ومرئية. بمعنى أن زمن الأوراق المضللة والمزورة قد انتهى. وما لم يصلح العراق نظامه المصرفي في ذلك الاتجاه فإنه لن يحصل على أمواله نقداً.

لم يكن مستبعداً أن يعلن الوفد العراقي الذي زار واشنطن أخيراً فشل مفاوضاته لو لم يشعر أعضاؤه، بالتشاور مع رئيس الحكومة العراقية، أن الشروط التي فرضتها واشنطن لن يتم التراجع عنها وهي شروط غير قابلة للتفاوض. ذلك ما دفع محمد شياع السوداني إلى مكاشفة الفرقاء في “الإطار التنفيذي”، وهو التحالف الحزبي الشيعي الذي يدعم حكومته، بأن ما يحدث هو لحظة مصيرية سيكون على النظام السياسي فيها مواجهة خطر الانهيار إذا ما أصروا على التعامل مع المسألة من منطلق سياسي (عقائدي)، متناسين بديهيات العامل الاقتصادي الذي جعلت منه الإدارة المصرفية الأميركية حجتها في فرض شروطها، التي تهدف ضمناً إلى محاربة الفساد.             

زعماء على قائمة الفساد

قبل أن يكشف عن شروطه التي اعتبرها حزبيو إيران في العراق قاسية، كان البنك المركزي الأمريكي قد أصدر قوائم بالمصارف الأهلية العراقية التي تحوم حولها شبهات القيام بعمليات غسيل الأموال لحساب إيران وتهريبها إليها. ولم يكن مفاجئاً أن معظم تلك المصارف كان مُلكاً لسياسيين كانوا قد تقلدوا مناصب رفيعة في الدولة (رؤساء جمهورية وحكومات ومجلس نواب وزعماء أحزاب وميليشيات). وهو ما يشير إلى أن الدولة مُخترَقة وأن قراراتها السيادية كانت تخضع لمصالح دولة أجنبية.

لم تكن تلك الأخبار السيئة مفاجئة للإنسان العراقي العادي. فأخبار الفساد صارت هي البضاعة الأكثر رواجاً بين المواطنين الذين صاروا يدركون أن صاحب الصوت الأعلى في محاربة الفساد هو الأكثر فساداً، وأن الدولة التي يُفترض أن تكون الجهة التي تفرض القانون هي أول من يخترقه. فعلى سبيل المثال، فإن “ائتلاف دولة القانون” الذي يقوده نوري المالكي هو من وجهة نظر العراقيين مجرد عصابة لاختراق القانون واللعب بمفرداته. ولأن الأمريكيين يعرفون كل ذلك، بدت خطوتهم الأخيرة من أجل إنقاذ المركب المترنح متأخرة عشرين سنة. لقد ذهبت مليارات الدولارات المنهوبة من العراق إلى دول أمريكا الجنوبية وجنوب شرقي آسيا والجمهوريات الآسيوية المستقلة عن الاتحاد السوفياتي السابق وجزر لا تخطر أسماؤها ببال أحد. ليست إيران سوى المستفيد الأخير الذي يسرت له الولايات المتحدة الحصول على المنح العراقية لكي لا تقصم العقوبات المفروضة عليها ظهرها. ولمَن يقرأ المشهد عقائدياً، تبدو الصورة مرسومة بطريقة لا يمكن الشك بسلامة اتساقها مع منطق تيار المقاومة الذي تقوده إيران.

الاتّفاق النّووي خلفيّة لما يجري

ولكن الأمر ليس كذلك تماماً. ليس كل مهربي الأموال مرتبطين بالمشروع العقائدي الإيراني. أما المرتبطون بذلك المشروع فإنهم لم يركبوا المغامرة الميسرة مجاناً. كانت هناك أرباح هائلة تدفعها دولة الولي الفقيه من أجل أن تحصل على الدولار الأميركي، وكانت إدارة الرئيس جو بايدن على بينة من ذلك، وهي فعلت ذلك من أجل تمرير الاتفاق النووي بصيغته الجديدة. ولأن ذلك الاتفاق صار جزءاً من الماضي، فإن تلك الإدارة لم تجد بداً من وضع الملفات على الطاولة لتبدو حريصة على تنفيذ عقوباتها من أجل إنقاذ الاقتصاد العراقي الذي لم يعش عبر السنوات العشرين الماضية لحظة ازدهار واحدة، ولا يشكل انهيار سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الذي حدث أخيراً إلا نتيجة لسياسات مالية خاطئة اتبعتها الحكومات المتعاقبة وهي تغمض عينيها قصداً عن عمليات سرقة الدولار الأميركي وتهريبه إلى إيران وميليشياتها.

مَن سيخسر أخيراً؟

تكمن المفارقة المؤلمة في أن العراق بلد ثري يعيش 30% من سكانه تحت خط الفقر. هؤلاء هم رهائن نظام سياسي امتهن الفساد. حين ينهار سعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار فإن المواد الغذائية ترتفع أسعارها تلقائياً، لأن العراق وهو أرض السواد صار يستورد غذاءه من الخارج. وهو ما يعني أن أعداد الفقراء في حالة ازدياد مستمر. هل صار على أولئك الفقراء أن ينتظروا نهاية المعركة؟ وماذا يحدث لو نفذ المصرف المركزي العراقي الشروط الأميركية بطريقة لئيمة وخبيثة، بحيث يُحرم العراقيون من غذائهم ودوائهم؟ الدولة العراقية كلها في الحقيقة مستهدفة بالشروط الأمريكية. وهي صاحبة القرار. كيف يمكن أن تعاقب الولايات المتحدة الدولة العراقية على تجويع شعبها؟ صحيح أن رئيس الحكومة قد وضع “الإطار التسيقي” في الصورة، غير أن ذلك لا يعني أن حلفاء إيران الذين تمكنوا من الإمساك بمفاتيح الدولة سيخرجون خاسرين. ما يؤكد ذلك أنه رغم موافقة الطرف العراقي على الشروط الأمريكية، فإن الدينار لم يستعد عافيته بل استمر في انهياره.

شاهد أيضاً

أيهما أخطر؟

بقلم: محمد الرميحي – النهار العربي الشرق اليوم- جاء الزمن الصعب لنسأل أنفسنا: أيهما الأكثر …