الرئيسية / الرئيسية / ماذا لو تستمر الحربُ في أوكرانيا عاماً آخر؟

ماذا لو تستمر الحربُ في أوكرانيا عاماً آخر؟

بقلم: جمعة بوكليب – صحيفة الشرق الأوسط

الشرق اليوم- أيام قليلة تفصلنا عن حلول الذكرى الأولى للاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية. ما أطلقت عليه القيادة الروسية اسم “عملية خاصة –  Special Operation”، كان، بالمعنى الحرفي للكلمة، اجتياحاً عسكرياً، كان مبرمجاً له أن ينتهي في أيام معدودة، أو على الأكثر، في أسابيع قليلة، تعود بعدها القوات الروسية إلى قواعدها، وقد تركت وراءها، في العاصمة الأوكرانية، حكومة موالية لموسكو. إلا أن الأمر لم يكن كذلك.

اللافتُ للاهتمام هو أن حسابات الأجهزة الاستخباراتية الغربية عن قِصَر مدة المغامرة العسكرية الروسية زمنياً، كانت لا تختلف كثيراً عن حسابات القيادة الروسية. وبالرجوع إلى ما نُشر من تقارير إعلامية في الغرب، قبل عملية الاجتياح، يبيّن أن بلدان الغرب لم تكن تعتقد أن الأوكرانيين قادرون على الصمود أمام الآلة العسكرية الروسية لأكثر من فترة زمنية محدودة.

لكنّ الأوكرانيين قلبوا تلك الحسابات الاستخباراتية الغربية والروسية رأساً على عقب، وأثبتوا بصمودهم خطأها. وتمكّنوا، بعد مرور أيام قليلة من بداية العملية الروسية، من الإمساك بالمبادرة، وإنزال الكثير من الهزائم بالجيش الروسي وردّه على أعقابه، واسترداد مساحات واسعة من أراضيهم. تلك الانتصارات غير المتوقعة، رفعت من أسهم الأوكرانيين لدى حكومات الغرب، وكانت سبباً وراء تدفق المساعدات إليهم من كل حدب وصوب.

وها قد مر عام، من دون أن يحقق الروس ما هدفوا إليه من الاجتياح. وما زال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وحكومته في كييف. وما زالت الجبهات العسكرية الأوكرانية صامدة، رغم ما لحق بأوكرانيا من دمار هائل، وما تكبّدته من خسائر بشرية، وآلاف اللاجئين والنازحين. وما زالت القوات الروسية تعمل جاهدة، بعد خسائرها المتتالية، على إحراز نصر عسكري يرفع من معنوياتها، ويزيد ثقتها بنفسها. الخسائر البشرية على الجانبين تجاوزت عشرات الآلاف، كما تؤكد تقارير استخباراتية غربية. والخسائر في المعدات على الجانبين لا تُعدّ ولا تُحصى. والطريق إلى مناضد التفاوض لم يتضح بعد، على كل الخرائط المعروفة والسرّية. وإلى حدّ الآن، لا أحد، غرباً أو شرقاً، يجاهر بالمراهنة على نهاية سريعة للحرب. السؤال: ماذا لو تستمر الحرب عاماً آخر؟

التنبؤاتُ، حتى الآن، تؤكد أن الحرب سيزداد أوارها اشتعالاً، خصوصاً في الأسابيع القادمة. واستمرارها لعام آخر أو توقفها، أمرٌ في علم الغيب أولاً. وثانياً، يتوقف على ما قد يحدث من مفاجآت، خلال الأسابيع المقبلة، في ميادين المعارك. ومن الممكن التكهّن بأن موسكو، في حالة فشل هجومها الربيعي المتوقع قريباً، قد تجد نفسها في وضع عسكري متأزم، نظراً لأن الشحنات العسكرية، التي تعهد بها الحلفاء الغربيون مؤخراً، تبدأ في الوصول إلى أوكرانيا. وتسارع عمليات الشحن يمكّن الأوكرانيين ليس فحسب من توطيد مواقعهم ضد أي هجوم روسي، بل القيام بهجوم مضاد. وفي حالة نجاحه، سيدفع بالقوات الروسية إلى خارج الأراضي الأوكرانية. وتبدأ من تلك النقطة، مهام المؤرخين العسكريين، من مختلف الجنسيات، في توثيق الحدث العسكري التاريخي، وتقديم البراهين والتحليلات. هذا في حالة رضا موسكو مضطرةً إلى بلع أنصال الهزيمة، ومحافظة القيادة السياسية والعسكرية في الكرملين على هدوء أعصابها، من دون اللجوء، كما تهدد، إلى خيارات عسكرية، شمشونية الطابع، محفوفة بالمخاطر!

ويظلُّ من المهم الإشارة إلى أن القوات الأوكرانية، وفقاً لمصادر أوكرانية رسمية، تعاني مؤخراً من نقص حاد في إمدادات الذخيرة، وتلحّ على حلفائها في الغرب التعجيل بإرسال الإمدادات الموعودة في أقرب وقت. تقول مصادر إعلامية إن القوات الأوكرانية تستهلك عدد 5000 قذيفة يومياً. هذا العدد يعادل ما تنتجه دولة أوروبية من قذائف لمدة عام، في وقت السِّلم.

خلال العام المنصرم، والحرب مشتعلة في الجبهات، حدثت تطورات سياسية مهمة كنتيجة مباشرة للحرب. أهمها أن خطأ قراءة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السياسية والعسكرية لتداعيات الاجتياح المنتوى قبل حدوثه، أدّت إلى توحيد دول الغرب في جبهة واحدة سياسياً وعسكرياً. وقادت إلى رفع ميزانيات الدفاع في عدة دول، ولعل الخطوة التي قامت بها ألمانيا في هذا المجال تعدّ سابقة. وعجّلت بمسارعة فنلندا والسويد إلى طلب الالتحاق بعضوية حلف الناتو.

كما أبانت أن حلم الرئيس بوتين في استعادة مجد الإمبراطورية السوفياتية أمر صعب. وأن أوكرانيا بعد الاجتياح ليست هي أوكرانيا قبل الاجتياح. وأنها فعلياً أفلتت نهائياً من مدار كوكب النفوذ التاريخي الروسي، واختارت الدوران في مدار كوكب دول حلف الناتو والاتحاد الأوروبي.

ورغم كل ذلك لا أحد من المعلقين الغربيين يغامر صراحةً بالمراهنة على خسارة روسيا الحرب. وهذا يعني أن الأيام المقبلة قد تكون حُبلى بكثير من المفاجآت، أو الكوارث، أو ربما الاثنتين معاً.

شاهد أيضاً

أميركا إذ تتنكّر لتاريخها كرمى لعينيّ نتنياهو

بقلم: راغب جابر- النهار العربيالشرق اليوم– فيما تحارب إسرائيل على أكثر من جبهة، تزداد يوماً …