الرئيسية / مقالات رأي / إيران: في الذكرى 44 لـ”الثورة” أزمة النظام عميقة جداً

إيران: في الذكرى 44 لـ”الثورة” أزمة النظام عميقة جداً

بقلم: علي حمادة

الشرق اليوم- احتفل النظام الإيراني قبل أيام بالذكرى الـ44 لـ”ثورة 1979″ التي أسقطت نظام شاه ايران محمد رضا بهلوي وأقامت مكانه نظام “الجمهورية الإسلامية” بزعامة المرشد الأول آية الله الخميني، في الوقت الذي كان رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي يتصدر الاحتفالات الرسمية في ساحة ازادي ملقياً كلمة نارية واصفاً فيها موجة الاحتجاجات التي عصفت بإيران منذ 16 أيلول (سبتمبر) 2022 بـ”المؤامرة الكبرى”، فيما اعتبرت هذه الموجة التي لامست مستوى الثورة العارمة كأحد اكبر التحديات التي واجهها النظام ككل منذ نشوئه.

وعلى جاري العادة كانت ماكينة الدعاية وأصوات المسؤولين الإيرانيين المنضوين تحت راية الجناح الأصولي المتشدد تدرج الاحتجاجات العارمة التي لم تتوقف لغاية الآن، وذلك بعد مرور ستة اشهر، ضمن مؤامرة دولية غربية كونية ضد “نجاحات” النظام على مختلف الصعد، بما فيها السياسة الخارجية حيث تفاخر الرئيس رئيسي بأن ايران هي صاحبة الكلمة الأولى في كثير من المجالات في الإقليم. لكن كل هذه الطقوس الاحتفالية الرسمية لم تكف لطمس معالم ازمة عميقة حيث ان النظام  بدا شبيهاً بالأنظمة التي سبقته لجهة تحميل الخارج “المتآمر”  والداخل “العميل” مسؤولية كل المشاكل التي تعترضه، أو تعمق من أزمة البلاد عموماً.

في مطلق الأحوال معروف حجم القمع الذي مارسه النظام، ولا سيما أداته الأمنية – العسكرية، أي “الحرس الثوري “وأدى الى سقوط حوالي 600 قتيل على الأقل، واعتقال حوالي 20 ألف شخص، وإصدار أحكام بالإعدام على عدد كبير مع تنفيذ الأحكام بحق ثمانية من المحتجين. هذا القمع الدموي الذي جرى بتغطية من المرشد علي خامنئي ومعه جميع أركان النظام، بمن فيهم قادة ما يسمى الجناح الإصلاحي الذين بقوا صامتين في ما عدا قلة، بينهم المرشح السابق لرئاسة الجمهورية مير حسين موسوي، وهو قيد الإقامة الجبرية إثر موجة الاحتجاجات على تزوير نتائج الانتخابات عام 2009. لكن ظل كلام موسوي وآخرين مثل الرئيس السابق محمد خاتمي دون السقوف العالية التي يمكن أن تصنفهم ضمن دائرة المعارضين الحقيقيين. هؤلاء مثل الرئيس السابق حسن روحاني الذي شارك في احتفالات الثورة الرسمية لم يبارحوا مواقعهم كأعضاء في جناح من أجنحة النظام. وقد يكون اتساع مروحة المقتنعين بأن الفارق بين المحافظين الأصوليين والإصلاحيين ليس بالقدر الذي يمكن التعويل عليه لإحداث تغيير حقيقي في مسار النظام الإيراني، لا سيما لناحية إصلاحه او تغييره من الداخل. هؤلاء في معظمهم  أبناء النظام والجهاز الأمني الذي يطغى على كل ما عداه، وسيبقون حتى اللحظات الأخيرة.

وفيما كان أهل النظام الإيراني يحتفلون بالذكرى الرابعة والأربعين لـ”الثورة” كان “معهد كمان”  GAMAAN الشهير المتخصص بالدراسات الإيرانية والذي يعتبر من المعاهد ومراكز الاستطلاع الأكثر جدية وصدقية ومقره هولندا يصدر نتائج استطلاع أجراه خلال شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي وأعده عمار مالكي، حيث استطلع آراء الإيرانيين بشأن موجة الاحتجاجات عبر عينة من 158 ألف شخص داخل إيران و42 ألفاً خارجها، وجاءت النتائج مذهلة لناحية تقلص قاعدة النظام الإيراني، حيث قال أكثر من 80 في المئة إنهم يعارضون النظام، فيما لم يؤيده سوى 15 في المئة. وأيد 70 في المئة وضع “الحرس الثوري” على لوائح الإرهاب الدولية. وكان لافتاً ان نسبة 99 في المئة من العينة المستطلعة خارج ايران أشهرت معارضتها الصريحة للنظام. وقد أعرب 80 في المئة داخل ايران عن تأييدهم لموجة الاحتجاجات، فيما رأى 67 في المئة منهم ان الاحتجاجات سوف تنجح، و14 في المئة انها لن تنجح، و 15 في المئة عارضوا الاحتجاجات على نحو كامل.

لكن من المهم بمكان الالتفات الى نتائج إجابات العينة المستطلعة حول ما يريدونه من بدائل  لمستقبل ايران. فأعربت نسبة 28 في المئة في الداخل و32 في المئة في الخارج عن تفضيلها إقامة نظام رئاسي مكان النظام الحالي، و12 في المئة داخل ايران و29  في المئة خارج ايران عن تفضيلها إقامة جمهورية برلمانية، اما الذين فضلوا إقامة ملكية دستورية على انقاض النظام الحالي فبلغوا نسبة 22 في المئة في الداخل و25 في المئة في الخارج. ومن النتائج اللافتة أيضاً في الاستطلاع أن 22 المئة في الداخل أفادوا انهم شاركوا في الاحتجاجات، و53 في المئة يعتقدون انهم سيشاركون في احتجاجات في المستقبل، و44 في المئة أفادوا انهم شاركوا في الإضرابات، و38 في المئة يعتقدون أنهم سيشاركون في إضرابات في المستقبل. اما خارج ايران فقد أفاد 52 في المئة من العينة انهم شاركوا في المظاهرات المؤيدة للاحتجاجات في ايران، و44 في المئة تواصلوا مع مسؤولين رسميين في بلدان انتشار الجاليات الإيرانية لحملهم على تأييد الاحتجاجات. وأخيراً أفاد 33 في المئة من المستطلعين خارج ايران أنهم ساندوا المحتجين في الداخل مادياً.

 ما تقدم جزء من استطلاع أوسع لكننا أوردنا مقتطفات من النتائج، وهي لافتة لجهة جرأة الإجابات وحجم المعارضة في الخارج للنظام الإيراني. لكن الأمور لا تتوقف عند هذا الحد فثمة تحركات معارضة في الخارج بدأت تأخذ طابعاً مؤسساتياً جدياً يطرح للمرة الأولى علناً وبدعم كبير وواسع في الغرب هدف اسقاط النظام.

والبداية من العمل على توحيد وجوه المعارضة في الخارج ومنحهم منابر دولية مهمة، كأن تتم دعوة نجل شاه ايران السابق رضا بهلوي، والصحافية والناشطة مسيح علي نجاد التي نجت من محاولة اغتيال كانت تعدها لها الأجهزة الإيرانية، الى مؤتمر برلين للأمن خلال الشهر الجاري والذي يمثل منبراً دولياً رئيسياً يجمع العشرات من قادة دول العالم لبحث شؤون الأمن والعلاقات الدولية. هذه سابقة لا سيما أنه، بخلاف الأعوام السابقة، هذه المرة لم توجه دعوة لأي مسؤول إيراني رسمي للمشاركة في المؤتمر. ولعل في المؤتمر الذي عقده عدد من وجوه المعارضة الإيرانية في الخارج في جامعة جورج تاون الأمريكية في واشنطن، وألقيت عليه الأضواء، ما يؤشر إلى أن ثمة من بدأ في المجتمع الدولي يتحدث عن نهج جديد في العلاقة مع ايران، بمعنى ان الحديث لم يعد يقتصر على تغيير في سياسة النظام، بل على احتمال العمل على تغيير النظام برمته. ومهم التوقف عند الرمزية التي عكستها تشكيلة أركان المعارضة الذين تصدروا المؤتمر المتزامن مع احتفالات النظام في الداخل وضمت كلاً من الأمير رضا بهلوي، و الحائزة على جائزة نوبل للسلام شيرين عبادي، ومسيح علي نجاد والممثلتين والناشطتين الدوليتين نازارين بونيادي وغولشيفتيه ماراهاني، والقائد السابق لمنتخب كرة القدم الإيراني علي كريمي، وحامد اسماعيليون الذي قتلت ابنته وزوجته في الطائرة التي اسقطها “الحرس الثوري” بعد إقلاعها من مطار طهران اثر مقتل الجنرال قاسم سليماني في كانون الثاني (يناير) 2020، وأخيرا الأمين العام لحزب كومالا الكردي الإيراني عبدالله مهندي. وبخلاف رمزية الأسماء نفسها وتنوعها، تجدر الإشارة الى أن هذه الوجوه التي جلست على المنبر تكونت بالتساوي من أربعة رجال وأربع نساء.

لم تمر الذكرى الرابعة والأربعون للثورة في ايران كسابقاتها. فالأزمة أعمق مما يُعتقد، كونها أزمة متصلة بأسس النظام وطبيعته وهويته وبالتقلص الحاد في قاعدة النظام الشعبية. ولذلك فإنها أزمة مفتوحة ولم تطو صفحتها.

شاهد أيضاً

هل تنجح طهران خارج محور المقاومة؟

بقلم: عادل بن حمزة- النهار العربيالشرق اليوم– دخلت منطقة الشرق الأوسط فصلاً جديداً من التصعيد …