الرئيسية / الرئيسية / سوريا بعد الزلزال

سوريا بعد الزلزال

بقلم: د. رياض نعسان أغا

الشرق اليوم- يردد السوريون قول شاعرهم عمر أبو ريشه (لمّت الآلام منا شملنا، ونمتْ ما بيننا من نسبِ) وقد وصلت الآلام ذروتها في الزلزال الأخير الذي ما تزال تداعياته تتصاعد كل يوم، مع انتشال المزيد من القتلى تحت الركام، وفقدان الأمل في العثور على أحياء، ولم يكن الدمار جديداً على السوريين، فقد ذاقوا مرارته وقسوته وما تزال مأساتهم تنتظر حلاً سياسياً، فالاضطراب جعل كثيراً من السوريين، يلجؤون إلى الجنوب التركي فلاقاهم الموت الجماعي في هذا الزلزال المريع.

ولقد كشفت الفاجعة زيف الانتماءات الصغيرة، وكونها مرحلية وهشة أمام وهج الحقيقة، حيث لا يمكن تقسيم السوريين دينياً أو عرقياً أو طائفياً، أو حسب جهات الشمال والجنوب، فمأساة السوريين واحدة، وقد تجاوزت كل الخلافات والسياسات، ولو أن المعابر فتحت من يوم وقوع الزلزال، لتدفق السوريون جميعاً للإغاثة والنجدة في كل أرضهم، حيث يوحدهم إحساسهم الجماعي بوحدة المصاب والفاجعة، كما كانت النجدة العربية والدولية لإغاثة المنكوبين بدوافع إنسانية قد تجاوزت ما فرضته السياسات من قيود، وعلى الرغم من تعثر وتأخر المبادرات الدولية في الشمال الغربي من سوريا، وإغلاق المعابر مما فاقم وقع المأساة، فإن الشباب المتحمس المتطوع بذل من جهود الإنقاذ ما يدهش، وما جعل الكثير من الدول وهيئة الأمم تعيد النظر.

لقد عبر السوريون عن وحدتهم في التفاعل والتعاطف الوجداني، كذلك عبر المجتمع الإنساني عن جوهر نقي ما يزال حياً في نفوس البشر، فقد تسامت دول شتى فوق الاختلافات، وهذا ما ظهر في الموقف من المأساة في تركيا، حيث تدفقت فرق الإنقاذ حاملة المساعدات الضخمة، وبدأ العمل الحثيث لإزالة ما أمكن من الأنقاض، وانتشال كثير من الضحايا قبل أن يغتالهم الموت. ولا بد لي من الإشادة بموقف دولة الإمارات التي عبرت عن كونها بلد القيم الأصيلة، وبلد الشهامة والغوث، في عملية (الفارس الشهم 2)، التي أطلقها على الفور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله. وتعتبر دولة الإمارات رائدة عالمياً في نجدة المنكوبين ومساعدة المحتاجين، ودعم الشعوب التي تتعرض للكوارث والفواجع، وقد سارعت دول عربية عديدة لتقديم المساعدات الإنسانية لسوريا وتركيا وأطلقت الجسور الجوية، مثل المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان ومصر والجزائر والأردن والكويت والبحرين، ولم يقصر الشعب اللبناني على الرغم من ظروفه القاسية، كذلك قدمت أكثر من خمسين دولة في العالم مساعدات ومعونات وأرسلت الفرق المحترفة في عمليات الإنقاذ، مما أوشك أن يجعل العالم متحداً في جوهره الإنساني، رغم كل الحروب الدائرة، والصراعات الراهنة.

وأعتقد أن مثل هذه اللحظات التي يسترد فيها اللاهثون في ساحات الحروب أنفاسهم ليعودوا إلى إنسانيتهم الرحبة جديرة بأن يبنى عليها نظام دولي جديد حقاً، نظام يقوم على التعاون والتعاضد في مواجهة الكوارث التي تصيب البشر، وتنهض بالشعوب الضعيفة وتحول ما يتم إنفاقه على الصراعات المدمرة وعلى التنافس في التسلح، إلى النهوض بالصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية، كي تحقق البشرية السلام العادل، وتتنصر على قوى الشر، وعلى الفقر والجهل والمرض، ولئن بدا هذا المطلب حلماً أو تخيلاً واهماً للدولة الفاضلة، فإن ما يجعله ممكناً وغير مستحيل وجود هذا الجوهر النقي في نفوس الأغلبية من الناس الذين يبكون معاً أمام دموع طفل يبكي جوعاً أو مرضاً أو فقداً لأسرته، ومشهد انتشال الطفلة (عائشة) حية من تحت الأنقاض بعد ستة أيام قضتها تحت الركام – وقد تابعته البشرية – يقدم مثالاً حياً عن تألق المشاعر الإنسانية المتوحدة في أصولها الصافية.

وأمام نكبة السوريين وقد ألمت بهم جميعاً ووحدت أحزانهم، يجدر أن يتوقف العالم كله أمام مسؤولياته الإنسانية، وأن يطرح السؤال الذي يردده كل السوريين: إلى متى يستمر هذا الدمار ومتى ينتهي؟ هل عجزت البشرية حقاً عن تنفيذ الحل المطروح والمتفق عليه أممياً؟ أما آن لهذا الفارس السوري المعلّق من ناصيته والمهدد بالموت تحت أنقاض وطنه أن يترجل؟

شاهد أيضاً

ارتفاع أسعار الذهب

الشرق اليوم- ارتفعت أسعار الذهب خلال تعاملات اليوم الاثنين، في ظل مخاوف المستثمرين بشأن استمرار …