الرئيسية / مقالات رأي / قوات “فاغنر” الروسية في مالي: عملياتها تقلق دول الجوار

قوات “فاغنر” الروسية في مالي: عملياتها تقلق دول الجوار

بقلم: روعة قاسم – صحيفة النهار العربي

الشرق اليوم- أصبحت قوات “فاغنر” الروسية، التي استقرت منذ أكثر من عام في أراضي دولة مالي، بعد انسحاب القوات الفرنسية منها، وإنهائها لعملية برخان التي كبدتها خسائر فادحة، وبحسب تأكيدات أطراف عديدة، مصدر إزعاج للماليين ولجيران مالي الذين بدأ بعضهم يعبّر علناً عن “امتعاضه” من بعض الممارسات التي تقوم بها هذه القوات.

وتأتي موريتانيا في طليعة البلدان المنزعجة من وجود قوات “فاغنر” على حدودها سواء تعلق الأمر بالمواطنين أو بالسلطات الرسمية، بعدما باتت المناطق الحدودية الشاسعة والممتدة بين البلدين الأفريقيين تعاني من اضطرابات أمنية جراء العمليات التي تقوم بها هذه القوات.

وبحسب المتعارف عليه، فإن جماعة “فاغنر” حلّت محل القوات الفرنسية لتقوم بمحاربة العناصر والجماعات التي توصف بأنها إرهابية في الأراضي المالية. وتؤكد مصادر عديدة أن مهامها تلك تجعلها في كثير من الأحيان تعبر الحدود بقصد أو بغير قصد من أجل ملاحقة العناصر التكفيرية. وفي أحيان كثيرة قد تدفع عمليات “فاغنر” عناصر إرهابية ومواطنين ماليين للجوء إلى الأراضي الموريتانية، وهو ما يتسبب في حالة من الفوضى في الجهة الأخرى من الحدود أكدتها مصادر إعلامية موريتانية.

وبالتالي بدا أن هناك شعوراً لدى كثير من الموريتانيين في المناطق الحدودية بأن أمنهم واستقرارهم باتا على المحك، في ظل هذه الحرب العبثية التي تسبب فيها بالأساس التقسيم الاستعماري الخاطئ لأراضي المنطقة وإلحاق قومية الطوارق في أزواد قسراً بسلطة باماكو. وحتى وجود الجماعات التكفيرية كان بسبب وجود هذه البيئة المتعفنة في شمال مالي “أزواد” التي يطغى عليها الفقر والتهميش والاضطهاد لقومية الطوارق وانعدام الأمن والتنمية في إطار التمييز العنصري لهذا الشعب.

لذلك فإن المعالجة الأمنية، وبحسب كثير من العارفين بخبايا هذا الصراع، لن تحل الأزمة المستفحلة في مالي مهما بلغ حجم الردع، وحتى لو التقت كل القوى في العالم على هدف واحد وهو سحق كل أشكال التمرد في أزواد. فما دام هناك شعب مضطهد ومهمش لم ينل حظه من التنمية وتعرض لعمليات إبادة عرقية في مراحل مختلفة، ولم يشارك في الحكم أو تمتع بحكم ذاتي أو نال استقلاله الطبيعي عن سلطة باماكو، ستستمر أزمة مالي، بحسب تأكيدات هؤلاء الخبراء.

ويؤكد هؤلاء أيضاً أنه مهما حاولت بلدان الجوار النأي بالنفس عن الشأن الداخلي المالي، إلا أن آثار المعارك ستطاولها وهو حال موريتانيا التي استقبلت أراضيها ومستشفياتها جرحى معارك المناطق الحدودية. كما أن هناك حديثاً عن مقتل موريتانيين أيضاً على أيدي قوات “فاغنر” في عمق الأراضي المالية، وهو ما جعل الدبلوماسية الموريتانية تتحرك لإيقاف هذا النزف الذي يطاول مواطنيها على الجهة الأخرى من الحدود.

وتنفي السلطات المالية الرسمية حصول هذه الجرائم من قبل قوات “فاغنر”، وتصر أمام الانتقادات الدولية على أنه لا توجد مجازر بحق المدنيين الماليين أو الموريتانيين أو غيرهم، وأن هناك فقط مدربين من حملة الجنسية الروسية يقتصر دورهم على تدريب قوات مالي فقط. وبناء على ذلك لا تسمح السلطات المالية لقوات حفظ السلام الأممية بزيارة الأماكن التي يفترض أن مجازر حصلت فيها والقيام بالتحقيقات اللازمة، وقد وصل الأمر إلى حد إنكار وجود قوات “فاغنر” من الأساس في بعض البيانات للحكومة المالية.

ويبدو أن قوات “فاغنر” المشار إليها لا تحارب الجماعات التكفيرية المتورطة في الإرهاب فحسب، بل انخرطت منذ فترة في الصراع السياسي الداخلي من خلال استهداف الانفصاليين الطوارق في إقليم أزواد بمعية الجيش المالي. ولعل ذلك ما جعل هذه القوات الأجنبية غير مرغوب فيها من قبل هذه الحركات العلمانية، وذلك بحسب ما جاء في عدد من بياناتها ومن خلال انخراطها في القتال ضد “فاغنر” رغبة في دحرها للتفرغ للجيش المالي والاستفراد به.

ومن أسباب النفور من المقاتلين الروس في “فاغنر”، أنهم لا يعرفون عادات وتقاليد منطقة الساحل والصحراء وطبيعتها المحافظة خلافاً للفرنسيين الذين خبروا تلك الربوع منذ الفترة الاستعمارية مع نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وبالتالي هناك انزعاج كبير من ممارسات عديدة لهذه القوات لم يستسغها الماليون أنفسهم، وبدأت تثير بعض النقمة لدى أفراد الشعب سواء في المناطق الموالية للحكومة أو في معاقل الانفصاليين في أزواد وغيرها.

شاهد أيضاً

بأية حال تعود الانتخابات في أمريكا!

بقلم: سمير التقي – النهار العربي الشرق اليوم- كل ثلاثة او أربعة عقود، وفي سياق …