الرئيسية / مقالات رأي / ​ إيران في صف صربيا ضدّ كوسوفو… المصالح تحكم!

​ إيران في صف صربيا ضدّ كوسوفو… المصالح تحكم!

بقلم: يوسف بدر – النهار العربي 

الشرق اليوم- قال رئيس هيئة علماء صربيا، سعاد نصوفوفيتش، خلال لقائه رئيس منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية في بلغراد، في 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2022، إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم تعتبر البلد الوحيد الذي يحمل عبء الإسلام واحتياجاته. ومثل هذا التصريح يرفع من زهوة أنصار النظام الإيراني في العالم. لكن في حقيقة الأمر، فإن المصالح السياسية هي ما يقف وراء مثل هذه التصريحات المنمقة وليست مبادئ الجمهورية الإسلامية كما يروّج لنفسه نظام الملالي في أذهان العالم الإسلامي.وعبر الذاكرة، فقد ساهم الدور الذي قدمته إيران لدعم دولة البوسنة والهرسك في حربها مع الصرب خلال سنوات 1992: 1995، في تشكيل صورة الدولة المساندة للمسلمين والتي جاءت لنصرتهم أينما كانوا. 

لكن التناقض في العلاقات بعد ذلك، كشف أن الأمر لا يتخطى مسألة المصالح الجيوسياسية والاقتصادية، وأن تغليف القضايا بالمسألة الدينية هو لأسلمتها ومنحها القوة. وكذلك كان الأمر في إطار الترويج لإيران دولة الثورة والنصرة في العالم الإسلامي، والأهم هو جذب التعاطف واستقطاب المقاتلين وتحقيق النفوذ والاختراق في خدمة الاستراتيجية الإيرانية نحو التوسع في العالم.

أسلمة البلقان 

تقع شبه جزيرة البلقان في موقع متميز في جنوب أوروبا، عند ملتقى دول أوروبية شهيرة مثل رومانيا والمجر والنمسا واليونان وإيطاليا، أي إنها بوابة للربط بين أوروبا الشرقية والغربية مع آسيا. كما أن بعض دول البلقان هي أعضاء في حلف الناتو، مثل بلغاريا وكرواتيا وألبانيا؛ والتقارب مع هذه الدول يمكن أن يخلق حالة من الاختراق الإيراني لهذا الحلف العسكري.

وتستغل إيران حالة الصراع على ترسيم الحدود ومساعي بعض دول البلقان لإعلان استقلالها التي بدأت مع انهيار جمهورية يوغوسلافيا الاشتراكية الاتحادية عام 1992، لإيجاد موطئ قدم في هذه المنطقة المطلة على حدود أوروبا والبحر المتوسط، بخاصة أن التركيبة الديموغرافية بطبيعتها الثقافية والدينية الإسلامية في بعض دول البلقان تسمح بهذا النفوذ. 

ومع انهيار الشيوعية في هذه المنطقة، وعلى غرار الدور الإيراني في منطقة آسيا الوسطى، كانت فرصة لمد التجربة الإيرانية الإسلامية إلى حدود أوروبا. وهو ما يفسر لنا الدعم الذي قدمته إيران للبوسنة والهرسك في حربها والتقارب الكبير بين قادتها والزعيم البوسني عزت بيغوفيتش. بل إن إرسال السلاح وقوات الحرس الثوري من إيران إلى البوسنة والهرسك لم يكن يتم لولا الضوء الأخضر الذي منحه الرئيس الأميركي بيل كلينتون لطهران، من أجل تحقيق التوازن أمام القوات الصربية. وبذلك كان المشروع الإيراني في خدمة المشروع الأمريكي في ما عُرف بالحزام الأخضر لمحاصرة الشيوعية بالإسلامية في العالم.

صربيا صديق اليوم

في خضم اشتعال التوترات بين دولة صربيا وجمهورية كوسوفو المُعترف بها جزئياً، قام وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان، بزيارة لدولتي صربيا والبوسنة والهرسك، خلال الأسبوع الأول من كانون الأول (ديسمبر) 2022. وكان التقارب الذي أبدته إيران تجاه صربيا المسيحية، مؤشراً قوياً إلى براغماتية السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية. وهذا الأمر هو ما نشهده تماماً في إدارة علاقاتها مع دولتين أخريين متصارعتين في منطقة القوقاز، هما أذربيجان المسلمة وأرمينيا المسيحية. 

 الأمر الآن بات يتعلق بالجغرافيا السياسية لا بالأيديولوجيا ومبادئ الثورة الإسلامية؛ إذ تقع صربيا في مفترق الطرق بين وسط وجنوب شرقي أوروبا، وهو ما يعني أن المديح الذي تحصل عليه إيران الإسلامية في منطقة البلقان، تحقق بسبب توظيفها الأيديولوجيا في خدمة المصالح الجيوسياسية، بخاصة أن إيران تريد الاقتراب من الحدود الأوروبية، ولذلك نجدها الآن تتخذ موقفاً سلبياً من قضية كوسوفو المسلمة؛ فهي لا تعترف باستقلالها عام 2008، وتعلن دعمها وحدة أراضي صربيا. 

ويبدو الأمر وكأن إيران قد تخلت عن مشروع أسلمة البلقان، في إطار حاجتها لسياسة جديدة لمواجهة النفوذ الطوراني لتركيا وللاتحاد الأوروبي في تلك المنطقة. 

أيضاً، هناك زيارة منتظرة لرئيس صربيا لإيران، وذلك للتوقيع على العديد من اتفاقيات التعاون المشترك. ومن المتوقع أن تنشأ طهران وبلغراد غرفة تجارية مشتركة لتسهيل التبادل التجاري بين البلدين. ما يعني أن هناك مصالح اقتصادية مشتركة تجمع البلدين في المستقبل القريب.

وإذا نظرنا إلى اجتماع وزير الخارجية الإيراني مع جميع السفراء الإيرانيين في أوروبا خلال وجوده في العاصمة الصربية، بلغراد؛ فإن الأمر بدا وكأن الوزير الإيراني يعلن صربيا بمثابة قاعدة لاجتماع الدبلوماسيين الإيرانيين مع رئيسهم. وهو ما يعني أن صربيا عدو الأمس باتت صديق اليوم. لأن المصالح الإيرانية هي من تحدد ذلك لا مبادئ الثورة كما يروّج النظام عن نفسه في العالم.

توسيع المعسكر الشّرقي

إن اهتمام إيران بتوسيع التعاون مع دول البلقان يساعدها على تشكيل ضفة أوروبية معارضة لسياسة أوروبا الغربية، كما يساعد الإيرانيين في ظل حكم المحافظين على دعم سياسة التوجه شرقاً. ولذلك نجد دولاً مثل صربيا والبوسنة والهرسك تعارض العقوبات الغربية المفروضة على إيران، فيما هذه الدول مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، وهو ما يخلق أزمة بين دول الاتحاد الأوروبي. 

ويمثل الاقتراب الإيراني من منطقة البلقان جانباً من انعكاسات الحرب الروسية الدائرة في أوكرانيا، فالموقف الذي اتخذته صربيا من العقوبات الغربية ضد روسيا وإيران، ورفضها الانصياع للقرارات الأوروبية؛ مؤشر إلى تمدد أثر هذه الأزمة إلى هذه المنطقة، لدرجة أن تضعها إيران ضمن إطار سياسة التوسع شرقاً التي تعلنها كاستراتيجية في مواجهة العقوبات الغربية، بخاصة أن دولة مثل صربيا تعد من حلفاء روسيا وبيلاروسيا، وهو ما يضعها في المعسكر الشرقي الذي تفضله إيران. ولذلك كانت تصريحات وزير الخارجية الإيراني خلال وجوده في صربيا، بقوله: “إن الغرب يمارس حرباً مركبة ضد إيران”، وكأن صربيا ليست محسوبة على المعسكر الغربي، بل هي في دائرة الطموح الإيراني نحو أوراسيا.

كذلك تسعى إيران إلى تعويض أسواقها من الطاقة التي تضررت في الشرق جراء تعديل روسيا مسار أسواقها من الغرب إلى الشرق. وإذا كانت إيران تسعى إلى التوجه نحو الغرب، فسيكون نحو شرق أوروباً أولاً ومنها منطقة البلقان. فقد أعلن سفير إيران لدى صربيا، رشيد حسنبور، أن بلغراد تخطط لتنويع مصادرها من الغاز، ويمكن أن تكون إيران أحد المصادر. ويبدو أن صربيا تبحث عن حلول لمصادر الطاقة بعدما تضررت مواصلات الطاقة نتيجة الحرب في أوكرانيا، فضلاً عن أن قطاعها الزراعي يمثل جزءاً كبيراً من ناتجها المحلي الذي يحتاج إلى الأسمدة الإيرانية.

المحصّلة

إن إيران تستغل تبعات الحرب الأوكرانية في توسيع خريطة نفوذها الجيوسياسي، بما يعزز من استراتيجية التوجه شرقاً التي يتبناها المحافظون في إيران. وإن تعزيز النفوذ الإيراني في منطقة البلقان التي تمثل جزءاً من أوروبا الشرقية يأتي في إطار هذه الاستراتيجية. 

إن نفوذ إيران في منطقة البلقان، يعني وقوفها على حدود أوروبا الغربية؛ ما يضع إيران في عداد القوى المؤثرة في هذه المنطقة المهمة التي تربط بين أوروبا الشرقية والغربية. وهذا النفوذ المستمر عبر الاختراق الثقافي والديني والاقتصادي؛ يعني أن إيران مشغولة بموقع البلقان كنقطة عبور مهمة إلى وسط أوروبا وغربها. 

تسعى إيران إلى تعويض خساراتها من مزاحمة روسيا لأسواقها في الشرق، نحو الهند والصين على سبيل المثال، ويأتي الاهتمام بمنطقة البلقان كمنطقة بديلة للأسواق في إطار الحزام الأوراسي الذي تهتم به إيران. وكذلك في إطار ممرات التجارة ومسارات الطاقة الجديدة التي تسعى إيران إلى المساهمة في رسم خريطتها.

الاقتراب الاقتصادي لإيران من صربيا، ومساندتها لها في ملف أزمة كوسوفو، إلى درجة أن أعلن مستشار المرشد الأعلى للشؤون العسكرية، اللواء رحيم صفوي، أن صربيا من ضمن الدول المرشحة لشراء سلاح المسيّرات الإيرانية؛ يشير إلى أن إيران تتخذ من هذه الدولة قاعدة قوية لنفوذها في منطقة البلقان. كما تدير إيران علاقاتها في هذه المنطقة بما يتجاوز مسألة الأسلمة إلى مسألة العلاقات الاستراتيجية التي تضمن لها البقاء الدائم على حدود أوروبا، على غرار علاقاتها مع أمريكا اللاتينية التي تهدف منها إلى الحضور في منطقة الفناء الخلفي للولايات المتحدة الأمريكية. 

ويمكن تفسير الموقف الإيراني الداعم لصربيا ضد كوسوفو، بأنه يأتي في إطار النكاية والتصدي لسياسة كوسوفو وراعيتها ألبانيا التي تعارض النفوذ الإيراني في منطقة البلقان.

شاهد أيضاً

أحلام مقتدى الصّدر وأوهام مناصريه

بقلم: فاروق يوسف- النهار العربيالشرق اليوم– عندما يُشفى العراقيون من عقدة اسمها مقتدى الصدر يكون …