الرئيسية / مقالات رأي / اليابان تزداد جدّية في تعاملها مع وضعها الأمني

اليابان تزداد جدّية في تعاملها مع وضعها الأمني

بقلم: جيمس هولمز – موقع 1945

الشرق اليوم- في وقتٍ سابق من هذا الشهر، نشرت الحكومة اليابانية أحدث وثائق من استراتيجية الأمن القومي واستراتيجية الدفاع الوطني، فاتضحت نظرة رئيس الوزراء فوميو كيشيدا ومستشاريه إلى محيط البلد الاستراتيجي وكيفية السيطرة عليه.

 على غرار معظم الوثائق الرسمية الصادرة من اليابان، تتبنى استراتيجية الأمن القومي رؤية استراتيجية كبرى وحاسمة، هي تعترف بالضغوط المالية والديمغرافية (تسجّل اليابان تراجعاً في عدد سكانها)، كذلك، يستعمل معدّو الوثيقة مصطلح “القوة الوطنية الشاملة”: إنها عبارة شائعة في الصين، وهي لا تشير إلى الشؤون الدبلوماسية، والمعلوماتية، والعسكرية، والاقتصادية فحسب، بل تشمل أيضاً مصادر قوة مبهمة مثل الثقافة والتميّز البشري.

تعكس استراتيجية الأمن القومي واستراتيجية الدفاع الوطني مقاربة تهدف إلى الحفاظ على “الحرية والانفتاح في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ”، بما يضمن سلامة اليابان الوطنية.

على مستوى السياسة الإقليمية، تعتبر استراتيجية الأمن القومي “تايوان شريكة بالغة الأهمية وصديقة قيّمة لليابان”، وتذكر أن الجزيرة تتعرض للضغوط الصينية بهدف توحيد المساحة العابرة للمضيق، وسيكون الانحياز إلى الجزيرة توجهاً صائباً من الناحية الجيوسياسية وإثباتاً صادقاً على الصداقة والشراكة بين الطرفين، إذا نجحت الصين في إخضاع تايوان أو أقدمت على غزوها، فسيزعزع جيش التحرير الشعبي الجناح الجنوبي لليابان، فتزيد قدرة الصين على التحكم في ممرات الشحن الأساسية التي تُستعمل لتحقيق مصالح اليابان العسكرية والتجارية، وقد تتوسع نزعتها إلى الضغط على اليابان عسكرياً.

في ما يخص التحالف الأمريكي الياباني، تذكر حكومة كيشيدا أن هذا التحالف سيبقى من أهم ركائز سياسة الأمن القومي اليابانية، رغم الأدوات الدفاعية التي تسمح لليابان بالصمود وحدها.

باختصار، من المتوقع أن يغيّر الحشد الدفاعي الياباني طبيعة التحالف القائم، فيتحول من تحالف تطغى عليه الولايات المتحدة إلى تحالف بين طرفَين متساويَين، إذ ترتكز التحالفات دوماً على قاعدة ذهبية معروفة: الحليف الذي يقدّم الذهب هو من يحدّد القواعد، فستستفيد اليابان إذاً من تحديد معظم مسارها الدفاعي بنفسها.

 لم يتضح بعد ما سيفعله الحلفاء لتعديل تحركاتهم بما يتماشى مع زيادة قوة اليابان، لكن ستبقى الولايات المتحدة الشريكة الأكثر تأثيراً، فلا تحبذ اليابان التسلح النووي، مما يعني أنها تفضل متابعة الاتكال على واشنطن للاستفادة من الردع النووي المطوّل.

 أخيراً، يجب أن توضع أخبار الخطط الدفاعية الصادرة من آسيا في سياقها التاريخي، فبرأي هنري كسنجر، ثمة ركيزتان لأي نظام مستدام بعد حقبة الحرب: أولاً: يجب أن يرسّخ مؤسسو هذا النظام ميزان القوى لمنع الطرف المهزوم من الانقلاب على الوضع الطبيعي الجديد أو هزمه مجدداً إذا حاول القيام بذلك.

 ثانياً: يدعو كيسنجر المعسكر الفائز إلى تصميم نظام يعتبره الطرف المهزوم منصفاً بشكل عام. قد لا يُعجَب هذا الفريق بالنظام المقترح، لكنه مُلزَم بقبوله كآلية شرعية لحل أي نزاعات مستقبلية، وتسمح هاتان الركيزتان بتقليص الدوافع التي تدعو إلى محاولة إسقاط النظام المعتمد. لكن تتابع الصين تحدّي النظام الآسيوي الذي نشأ في نهاية الحرب الصينية اليابانية بين العامين 1894 و1895، وبدأت المؤرخة سالي باين تسرد تفاصيل ذلك الخلاف القديم قائلة إن الهزيمة أسقطت الصين من موقعها المتفوّق على رأس النظام الآسيوي، وبسبب السخط الذي رافق هذه الإهانة الكبرى، سعت الصين في عهد السلالة الحاكمة والجمهورية وأخيراً الشيوعية إلى استرجاع مكانتها الغابرة منذ ذلك الحين، كما يشكّل الحشد الصيني البحري والعسكري جزءاً من ذلك الصراع على التفوّق، بما يشبه الحشد المضاد الذي أعلنته استراتيجية الأمن القومي واستراتيجية الدفاع الوطني في اليابان.

هذا الوضع يشير إلى مسار المنافسة بين القوى العظمى واستمرار الصراع المنخفض المستوى في المرحلة المقبلة، ولن ينتهي الصراع على السلطة والازدهار والتفوق في شرق آسيا قريباً، حتى أنه قد لا ينتهي مطلقاً.

شاهد أيضاً

لبنان- إسرائيل: لا عودة الى ما قبل “طوفان الأقصى”

بقلم: علي حمادة- النهار العربيالشرق اليوم– تسربت معلومات دبلوماسية غربية الى مسؤولين لبنانيين كبار تشير …