الرئيسية / مقالات رأي / هل تراجعت النيوليبراليّة حقاً؟

هل تراجعت النيوليبراليّة حقاً؟

بقلم: أحمد نظيف – صحيفة النهار العربي 

الشرق اليوم- في كتابه السابق الذي صدر قبل عامين: “الشعبوية والليبرالية الجديدة”، دافع ديفيد كايلا عن أطروحة أن النيوليبرالية تميل إلى إضعاف المؤسسات الاجتماعية من خلال إنتاج مجتمع تأتي فيه كل القيم الاجتماعية من السوق. وهذا يغذي انعدام الثقة لدى السكان ويشكل أرضاً خصبة للشعوبية.الشعبوية هي شكل من أشكال النواتج الثانوية للنيوليبرالية، ففيما تريد أن تكون مناهضة للنظام، إلا أنها من إنتاج النظام. اليوم يعود ديفيد كايلا في كتابه الجديد “تراجع النيوليبرالية وسقوطها: كوفيد، التضخم، الندرة، كيفية إعادة بناء الاقتصاد على أسس جديدة”، إلى مفهوم الليبرالية الجديدة، وعلى وجه الخصوص إلى عواقب هذه العقيدة في المجال الاقتصادي من خلال معالجة الموضوعات الدائرة في قلب الأخبار اليوم (الكساد، التضخم، البنوك المركزية). 

يرى كايلا أن الليبرالية الجديدة ليست نظرية اقتصادية بل هي عقيدة. نظام فكري يعمل على توجيه العمل. إنها مسألة تحديد طريقة تنظيم العلاقات بين الدولة والسوق. يتصور الليبراليون الجدد السوق على أنه مؤسسة مصطنعة وهشة يجب أن تدعمها الدولة.

على عكس الليبراليين في القرن التاسع عشر، فهم لا يؤمنون بعدم التدخل. بالنسبة إليهم، يجب تنظيم المنافسة والحفاظ على النظام الاجتماعي وضمان قيمة المال وتعزيز التجارة الحرة بنشاط. تقوم النيوليبرالية باستمرار على أساس منطقي اقتصادي، جوهره العقيدة النقدية، والتي هي أساس عمل السياسات النقدية والبنوك المركزية، لا سيما إدارتها للتضخم. الفكرة المركزية لهذه النظرية الاقتصادية هي أن التضخم ناتج من الزيادة في عرض النقود، والتي زادت نفسها من القروض الممنوحة من البنوك للشركات والأسر (معدل الائتمان الذي يعتمد في حد ذاته على معدلات الفوائد التوجيهية للبنوك المركزية). وللحفاظ على التضخم، فإن مسألة اللعب على القروض الممنوحة من البنوك من خلال تعديل سعر الفائدة الرئيسي، بحسب رأي “النقديين”. ومع ذلك، بحسب رأيهم، يجب أن تكون السياسة النقدية في أيدي كيان مرتبط بالسلطة السياسية. 

هذا النموذج من السياسات الاقتصادية هيمن على مدى عقود وصولاً إلى نهاية العقد الأول من الألفية، عندما دقت أزمة الرهن العقاري ناقوس الخطر الأول، عندما اضطرت البنوك المركزية، من أجل إنقاذ النظام المالي، إلى التدخل تدخلاً كبيراً لاستعادة السيطرة على أسعار الفائدة. مثل هذا التدخل يشبه الإدارة العامة للمالية، وهو عكس أهداف النيوليبراليين. قد يعتقد المرء أن العقيدة النقدية لم تعد صالحة. لكن ديفيد كايلا يشير إلى أن كل هذا لم يؤد إلا إلى إنقاذ النظام والأسواق، من دون تحول كبير. في النهاية لم تتم إعادة تأميم أي بنك، ولم يتم التشكيك في حرية حركة رأس المال، وما إلى ذلك. بعد أكثر من عشر سنوات عاشت الليبرالية الجديدة صدمة جديدة، أكثر حدةً وأوسع نطاقاً هذه المرة. خلال الأزمة الوبائية، أظهر تدخل الدولة على نطاق واسع في الاقتصاد، حتى في الولايات المتحدة معقل هذه الفلسفة وراعيتها، حدود هذا النموذج. 

لا يعتقد كايلا أن نهاية النيوليبرالية ستكون قريبةً، ولكنه يضع يده على نقطة قوتها وهي السوق. ما هو السوق الذي يعمل جيداً بالنسبة إلى اليبراليين الجدد؟ إنه ليس مكاناً يسمح بتنفيذ المعاملات بكفاءة، ولكنه نظام يولد الأسعار لقياس القيمة وإنشاء الحوافز المناسبة. في الرؤية النيوليبرالية، تجب مراقبة السوق بحيث تأتي الأسعار حقاً من العرض والطلب وليست مفروضة من الدولة أو الاحتكار. بعبارة أخرى، فإن نقيض الليبرالية الجديدة هو نظام الأسعار المدارة أو الخاضعة للسيطرة السياسية. أهم الأسعار هي تلك الخاصة بعوامل الإنتاج ورأس المال والعمالة، لأنها تحدد تكاليف الإنتاج. هذا هو سبب إصرار الليبراليين الجدد على مرونة سوق العمل ويعارضون ربط الأجور بالتضخم. يتم تحديد سعر رأس المال من خلال تكلفة الاقتراض. ولذلك يجب أن تُستمد أسعار الفائدة الطويلة الأجل من الأسواق المالية والمنافسة المصرفية. هذا هو السبب في إصرار النيوليبراليين على تحرير التمويل وعولمته. كانت هذه هي معركتهم الأولى التي بدأت في أوائل السبعينات وانتهت بإلغاء اللوائح المالية الأخيرة في التسعينات. لذلك فإن أي سياسة قادرة على فرض تحكم معقول في الأسعار ستكون نقيضاً وجودياً للعقيدة النيوليبرالية.

أخيراً يقدم كايلا أربعة مقترحات في كتابه لكيفية تأسيس اقتصاد أكثر ديموقراطية من دون القضاء التام على الأسواق التي لها منفعة. بحسب رأيه، يجب منع “النيوليبراليين” من التحكم في أسعار كل السلع الأساسية وإدارتها، لا سيما في حالات الطوارئ المناخية وندرة الموارد. كما يجب تحديد دورها ونطاقها بدقة. ويجب أن تكون الدولة قادرة على ضمان إدارة الموارد غير السوقية والسوقية الحيوية لاقتصاد البلد. في التفكير الاقتصادي، تعتبر الأسعار مركزية لأنها تحدد القيمة، أي تكاليف أي قرار وفوائده. ومع ذلك، فقد ولّد تطبيق النيوليبرالية مجتمعاً تكون فيه كل الأسعار، وبالتالي الخيارات الاقتصادية، هي عواقب العلاقة بين العرض والطلب. وبالتالي، في كل مرة نشتري أو نبيع، نشارك في قول ما يجب القيام به سياسياً.

شاهد أيضاً

إسرائيل تختار الصفقة بدلاً من الرد الاستعراضي

بقلم: علي حمادة – صحيفة النهار العربي الشرق اليوم– تجنبت ايران رداً إسرائيلياً استعراضياً يفرغ …