الرئيسية / مقالات رأي / إفريقيا تنهض بجناحي الصين وأمريكا

إفريقيا تنهض بجناحي الصين وأمريكا

بقلم: كمال بالهادي – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- لو عدنا إلى القمم الإفريقية الصينية الماضية وإلى القمة الإفريقية الأمريكية التي تحتضنها واشنطن، سنجد أن الدولتين الكبريين في العالم تضخان أموالاً طائلة من أجل إرضاء القارة السمراء وشعوبها المتطلعة إلى النهضة والتقدم.

في عام 2018 تعهدت الصين بضخّ 60 مليار دولار استثماراتٍ ومساعدات مالية للدول الإفريقية وذلك في خطوة كانت حاسمة في الصراع على الاستفادة من فرص التنمية في القارة. وكانت هذه الخطوة رداً على القمة الأولى واليتيمة التي عقدت في سنة 2014 بين أمريكا وإفريقيا التي تعهد فيها الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما بضخ 30 مليار دولار في خزائن إفريقيا من أجل دعم نهضتها الاقتصادية. وتتالى التنافس على المساعدات؛ حيث قررت الصين في قمة 2020 التخلي عن 10 مليارات دولار ديوناً لإفريقيا وضخت مليارات اللقاحات بصفة مجانية لدعم القارة في مواجهة جائحة كورونا. وتأتي قمة واشنطن الحالية لترفع سقف المساعدات والاستثمارات في القارة الإفريقية إلى 55 مليار دولار بما يعنيه ذلك من حصّة تناهز 1 مليار دولار لكل دولة، وهو مبلغ محترم خاصة بالنسبة للدول التي تعاني أزمات مالية واقتصادية معقدة بفعل الجائحة أو بفعل الحرب الأوكرانية والتي مثلت تحدياً جديداً خاصة على مستوى الأمن الغذائي، فقد حذرت الأمم المتحدة من مجاعة قادمة في حال تواصل حظر تصدير القمح من أوكرانيا وروسيا.

الأسئلة التي تطرح في مثل هذه المناسبات، أين تذهب تلك الأموال؟ وهل هي كافية فعلياً لتحقيق نهضة إفريقيا؟ وما الفرق بين الأموال الأمريكية والصينية من حيث فاعليتها على المواطن الإفريقي؟ إن الإجابة عن هذه الأسئلة تقتضي النظر في الخلفيات التي تحكم رؤية القوتين الكبريين إلى القارة. فالولايات المتحدة على سبيل المثال، تشترط في دعمها الدول المسائل الديمقراطية والحقوقية، وهذا في الظاهر على الأقل. كما أن مساعداتها يذهب جزء مهم منها للدعم العسكري والتكوين وتبادل المعلومات مع الحكومات، وفي بعض الأحيان يكون الدعم مشروطاً بالموقف من إسرائيل، وهنا يتداخل السياسي بالاقتصادي والمالي وتفقد تلك المساعدات أو الشراكات أي قيمة فعلية لها على أرض الواقع. و لذلك لا نرى مشاريع أمريكية ضخمة في دول القارة إلا ما يتعلق بمشروعات استخراج الطاقة في الدول النفطية ولهذا لا يشعر المواطن الإفريقي بحضور فاعل ومؤثر للعلاقات الأمريكية الإفريقية في حياته اليومية، خاصة أن المبادلات التجارية بين أمريكا وإفريقيا هي في حدود 50 مليار دولار حسب إحصاءات سابقة.

أما إذا نظرنا إلى الجانب الصيني فإن حضوره أكثر قوة و أكثر فاعلية ومحسوسية من قبل الأفراد. فالبضائع الصينية لا يكاد يخلو منها بيت إفريقي، كما أن الصين حرصت على إلغاء الشروط السياسية في تعاملها مع دول القارة، وهي فضلاً عن ذلك تتدخل في مشروعات إنمائية كبرى تغيّر واقع الكثير من الأفراد والمجتمعات. وفضلاً عن ذلك رفعت الصين مبادلاتها التجارية مع القارة السمراء إلى أكثر من 254 مليار دولار حسب إحصاءات تعود لسنة 2021، وهذا رقم يدل على الاكتساح الصيني للقارة. كما تشير أرقام حديثة إلى أن الصين تنوي رفع مبادلات بحلول عام 2025 إلى نحو 440 مليار دولار مع دول القارة الخمسين، وهذه أرقام تفرض على الولايات المتحدة نسقاً تنافسياً شديداً قد لا تقدر عليه إدارة البيت الأبيض.

إن هذا التنافس يبقى محموداً و مطلوباً، بين القوتين العظميين، وبهذا التنافس يمكن أن تحصل شعوب القارة على فرص تنمية أفضل، لكن هذا يظل رهيناً بقدرة القادة الأفارقة على توحيد مواقفهم التفاوضية، و على قدرة هيكلهم الجامع “الاتحاد الإفريقي” على أن يكون فعلياً صوت شعوب القارة شمال الصحراء وجنوبها. فالحقيقة التي لا يجب أن تغفل عنها أن القارة مقسمة إلى تجمعات إقليمية لا توجد بينها علاقات وثيقة وهذا ما يتطلب العمل على تنشيط الدبلوماسية الإفريقية، حتى تكون لها رؤية واضحة لما تريده من القوى العظمى، وما يمكن لها أن توفره من موارد وفرص استثمار بينية. لأنه دون توفر هذه الشروط لن يتجاوز اللعب مع الكبار أفق المساعدات والإعانات، أو الاقتصار على استخراج الموارد من القارة الغنية وتصديرها إلى حيث يجب تصنيعها وهذا المنوال هو المطبّق منذ قرون.

شاهد أيضاً

الأردن: معركة محور التّطرف!

بقلم: محمد صلاح – النهار العربي الشرق اليوم- ليس سراً أن مصر والأردن خسرا كثيراً …