الرئيسية / مقالات رأي / الاقتصاد المصري بين “التحريك” و”التثبيت”

الاقتصاد المصري بين “التحريك” و”التثبيت”

بقلم: محمد صلاح – صحيفة النهار العربي

الشرق اليوم- من دون الدخول في تعقيدات الاقتصاد وأرقامه لا يمكن تجاهل الارتفاع الكبير في أسعار العملات الحرة في مصر وعلى رأسها الدولار الأمريكي مقابل انخفاض قيمة الجنيه المصري، ومن دون التساؤل عن غياب تفسير علني مقنع يشرح للناس الأسباب وسبل الخروج من الأزمة التي عصفت بالأسعار، كل الأسعار، سواء بالنسبة إلى السلع الاستراتيجية أو حتى الكمالية.

تخطى المواطن المصري لحظة كان ينتظر فيها تصريحاً من مسؤول حكومي يبشره بأن الحكومة لا تنوي “تحريك” أسعار المحروقات أو الكهرباء أو تذاكر المترو والمواصلات العامة، أو حتى أي من السلع التي تحدد الحكومة أسعارها. وكلمة “تحريك” تعني لدى الناس “زيادة” الأسعار لأن الحكومة لم “تحرك” قط أسعار أي سلعة نحو التخفيض. المهم أن الناس في مصر يعانون “رفع” أسعار كل السلع في أي وقت أو قل كل وقت، وبالتالي فإن تصريح أي وزير بعدم تحريك سعر هذه السلعة أو تلك يقلقهم ولا يطمئنهم لأن مجرد ذكر كلمة “تحريك” يثير المخاوف ويؤكد الاعتقاد أن “التحريك” آتٍ آتٍ في وقت قريب.

صحيح أن مصر سارت أو اضطرت الى السير في مسار إجباري بفعل سنوات الركود ثم عواصف الربيع العربي وبعدها بسنوات أزمات كورونا والحرب الروسية – الأوكرانية وظروف دولية معقدة، لكن يبدو وكأن أزمة المواطن المصري البسيط تتجاوز تأثيرات تلك الظروف والأزمات وتصل إلى حد فشل التعاطي معها. يعقب المسؤولون المصريون على تقارير صندوق النقد الدولي بتصريحات تتضمن إشادات بتحسن أحوال الاقتصاد في مصر، وزيادة معدل النمو وانخفاض نسب البطالة والتضخم والعجز في الموازنة العامة، والحقيقة أن برنامج الحكومة للإصلاح الاقتصادي حقق بعض النجاحات بالنسبة إلى هيكلة الاقتصاد المصري وتحسين أدائه، لكنه أيضاً تسبب في زيادة معاناة المواطن البسيط، وتآكل الطبقة الوسطى.

ومعروف أن رفع أسعار سلع بعينها كالبنزين والسولار في السوق المصرية الداخلية يؤدي عادة إلى موجة شديدة من ارتفاع أسعار السلع الأساسية وغير الأساسية إضافة إلى الخدمات أيضاً. صحيح أن الحكومة اعتمدت أموالاً ضمن برنامج حماية اجتماعية، لكن تلك الحماية لم تصل إلى أعداد كبيرة من المواطنين والأسر المصرية التي ظلت منذ أحداث كانون الثاني (يناير) 2011 تأمل بوضع حد للمعاناة من دون جدوى. كل المبررات التي تقدمها الحكومة لرفع الأسعار معروفة ويمكن استيعابها، فالركود الذي أصاب الاقتصاد، بل السياسة أيضاً، على مدى عقود، والفوضى التي ضربت البلاد عقب كانون الثاني (يناير) 2011 والسنة التي حكم فيها “الإخوان” مصر وانشغل فيها الحكم بتثبيت أركانه وأخونة الدولة والقضاء على القوى المعارضة الأخرى مقابل إهمال الاعتناء بأحوال الناس أو تطوير الاقتصاد أو علاج أمراض البنية التحتية، كلها أمور يدركها المواطن البسيط الذي يتابع الآن باهتمام مشاريع عملاقة يجري تنفيذها وتطويراً كبيراً للطرق وحلولاً ذكية لمشكلات الإسكان، لكن الأداء الحكومي بحسب المواطن نفسه يحتاج إلى إعادة نظر وخطط بديلة وتفكير خارج الصندوق، ويأمل الناس في أداء أفضل من الحكومة بعدما زالت أسباب كانت تعوّق عملها، ولم يعد مقبولاً على المستوى الشعبي الوقوع في أخطاء تتعلق بنقص الكفاءة أو المهارة، أو التحجج بأن النشاط الإرهابي يعوّق جهود التنمية، وأن أفعال “الإخوان” تعطل الإنجاز.

يتجاوز الموضوع تناول الآلة الإعلامية الضخمة لـ”الإخوان”، والقنوات الداعمة للجماعة، ونشاط اللجان الإلكترونية “الإخوانية” للأوضاع الداخلية في مصر وتشويه كل إنجاز واستغلال كل أزمة أو حادثة أو خطأ، فالتعامل “الإخونجي” مع الأحوال في مصر صار غير مؤثر بالنسبة للمواطن المصري، وعلى ذلك فالمهم تفادي الوقوع في أخطاء تكررت واختيارات ثبت عدم صوابها، وينتظر المواطن المصري حصد ثمار صبره وتحمله وتضحياته، فالمعاناة كانت كبيرة وتحمل الصعاب من أجل الحفاظ على وحدة الدولة استمر طويلاً.

لن يفيد اعتماد خطاب سياسي وإعلامي يقوم على تحميل الأنظمة السابقة والحكومات المتلاحقة المسؤولية عن تدهور الأوضاع لسنوات طويلة، فتلك ليست مهمة الوزراء أو القائمين على الجهات التنفيذية للدولة وإنما مهمة الخبراء والمحللين والباحثين… ما يهم الناس أن ترافق المشاريع العملاقة في الطرق والبنية الأساسية مع أخرى عملاقة أيضاً عبارة عن أفكار وسياسات تصب في اتجاه رفع المداخيل وتوجيه ما تبقى من الدعم إلى الفئات التي تستحقه وتسد كل منافذ الفساد وإهدار المال العام.

المواطن في مصر لم يعد في مقدوره استيعاب أي تحريك قريب للأسعار، ولا يذهب طموحه عند التخفيض وإنما أكثر ما يتمناه التثبيت.

شاهد أيضاً

روسيا التي لا تساند أحداً… علاقة غير عادلة مع إيران

بقلم: يوسف بدر – النهار العربي الشرق اليوم– في مقالته في صحيفة “وول ستريت جورنال” …