الرئيسية / مقالات رأي / “بنك الاحتياطي” لا يدير بمفرده الاقتصاد

“بنك الاحتياطي” لا يدير بمفرده الاقتصاد

بقلم: كونور سين – صحيفة الاتحاد

الشرق اليوم- أظهرت لنا السنوات الثلاث الماضية الجوانبَ السلبيةَ للاعتماد المفرط على أسعار الفائدة المنخفضة، وكيف يمكن أن يحقق التوازنُ الأفضل للسياسة المالية والنقدية اقتصاداً أقوى. في العقد الأول من القرن الـ21 كان النقاش الرئيسي في السياسة الاقتصادية حول كيفية تعزيز سوق العمل وإعادة التضخم إلى هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2% مع تجنب الانكماش. استقر بنك الاحتياطي الفيدرالي على استراتيجية الحفاظ على أسعار الفائدة عند 0%، وخفض تكاليف الاقتراض وتعزيز تقييمات الأصول المالية في جميع قطاعات الاقتصاد. كان الأمل في أن يؤدي هذا المزيج إلى مزيد من التوظيف والاستثمار من قبل الشركات.

وفي حين أن ذلك كان الخيار الأفضل الذي كان لدى الاحتياطي الفيدرالي في وقت كان فيه الكونجرس غير راغب في إنفاق الأموال، فإن تأثير الارتفاع السريع في أسعار الفائدة هذا العام أوضح أن النشاط الاقتصادي الذي حصلنا عليه من معدلات منخفضة للغاية لم يكن ذا جودة عالية للغاية. هذا إثبات لبعض الانتقادات الموجهة للسياسة النقدية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

والدرس المستفاد للمستقبل هو أن التحفيز المالي، وليس السياسة النقدية، يجب أن يحمل المزيد من العبء عندما تكون البطالة مرتفعةً والتضخم منخفضاً. تعد نهاية عام 2022 وقتاً مناسباً لإعادة النظر في حقبة سياسة سعر الفائدة الصفري لأنه يمكن للمرء أن يجادل في أن النشاط الاقتصادي الذي تحفزه أسعار الفائدة المنخفضة هو في حالة ركود حالياً بفضل الزيادات القوية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي هذا العام.

توقف نشاط سوق الإسكان، حيث ارتفعت معدلات الرهن العقاري إلى 7% مقابل 3%. وشهدت شركات التكنولوجيا المضاربة وغير المربحة انخفاضاً في أسعار أسهمها، حيث يبتعد المستثمرون عن الأصول الخطرة لصالح السندات التي تحمل الآن عائداً جيداً.

حتى في شركات التكنولوجيا المربحة، يعاقب المستثمرون فرق الإدارة التي تنفق الكثير على “مشاريع علمية” غير مثبتة والتي كان يُنظر إليها على أنها أكثر جاذبية عندما كانت أسعار الفائدة منخفضة.

وفي أعقاب إفلاس بورصة العملات المشفرة “إف تي إكس”، أصبح يُنظر إلى هذه العملات بشكل متزايد على أنها فئة أصول هزيلة وليست فئة أصول متنامية. لذلك، فإنني متحمس لفكرة أن بعض النشاط العقاري واقتصاد المضاربة التكنولوجي كان ممكناً فقط بسبب أسعار الفائدة المنخفضة بشكل مفتعل، لكنني ما زلت لا أعتقد أن المستثمرين في هذه المشاريع يجب أن يلوموا الاحتياطي الفيدرالي على أي خسائر يتكبدونها الآن.

نعم، كان نمو الإنتاجية أقل في العقد الأول من القرن الـ21 مما كان عليه منذ عقود. لكن تفويض بنك الاحتياطي الفيدرالي لا يقتصر فقط على تعزيز النشاط الاقتصادي المربح أو المنتج. إنه يهدف أيضاً إلى التوظيف الكامل وأن يبلغ معدل التضخم 2%.

وحيث إن عشرات الآلاف من التخفيضات في الوظائف التقنية التي تم الإعلان عنها مؤخراً ترجع إلى تطبيع أسعار الفائدة، فمن المنطقي أن إجراءات سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في العقد الأول من القرن الـ21 ساعدت في دعم تلك الوظائف في وقت كان سوق العمل لا يزال بحاجة إلى الدعم. يمكننا الآن جمع كل الدروس المستفادة من العقد الأول من القرن الـ21، ووباء “كوفيد-19” والتعديل المؤلم لعام 2022، لاتخاذ قرارات سياسية أفضل في المستقبل. في العقد الأول من القرن الـ21، كان لدينا القليل جداً من الدعم المالي من الكونجرس ومستوى غير عادي من الدعم النقدي من الاحتياطي الفيدرالي.

كان التعزيز من بنك الاحتياطي الفيدرالي أفضل من لا شيء، لكن نمو الوظائف الذي أوجده لا يبدو جيداً بعد إمعان التفكير وربما ساعد الأسواق المالية أكثر من الاقتصاد الحقيقي. إذا كنا قد حصلنا بدلاً من ذلك على بعض الإجراءات المالية التي رأيناها لاحقاً أثناء الوباء – الشيكات المرسلة بالبريد إلى الأسر أو مزايا البطالة الموسعة – لكنا على الأرجح سنعود إلى التوظيف الكامل في وقت قريب دون الكثير من الاهتمام المحموم بوادي السيليكون والعملات المشفَّرة. لقد واجهتنا المشكلةُ المعاكسة في عام 2022، حيث كان التعزيز المالي في عامي 2020 و2021 كبيراً لدرجة أن رفع أسعار الفائدة بقوة لم يفعل الكثير لإبطاء الاقتصاد بشكل عام.

والسياسة النقدية أداة فظة، فبدلاً من معدلات الرهن العقاري بنسبة 7% وسوق الإسكان المجمد، سيكون من الأكثر فاعليةً إبطاء بعض الأجزاء الأقل حساسية لأسعار الفائدة في الاقتصاد والحفاظ على استقرار سوق الإسكان.

نحن الآن نتأرجح من حار جداً إلى شديد البرودة. الدرس الرئيسي لواضعي السياسات هو أنه في فترات الركود، لا تكفي السياسة النقدية وحدها لمكافحة مزيج من البطالة المرتفعة والتضخم المنخفض. إن نوع التعزيز الاقتصادي الذي نحصل عليه من السياسة النقدية في تلك البيئة محدود ومنخفض الجودة.

النبأ السار هو أن السنوات القليلة الماضية علمتنا أن السياسة المالية الجيدة يمكن أن تساعد في تجنب مزيج من البطالة المرتفعة والتضخم المنخفض للغاية وأسعار الفائدة 0%. سيعتمد المزيج الصحيح من التحفيز المالي، سواء كان شيكات نقدية مقدمة للأسر، أو دعم العمال، أو تطوير البنية التحتية، أو التخفيضات الضريبية، أو أي شيء آخر.. على طبيعة الانكماش وإرادة الكونجرس السياسية.

 

شاهد أيضاً

سوريا وروسيا.. الفرص الناشئة

بقلم: عبدالحميد توفيق- العينالشرق اليوم– تدرك موسكو أن سوريا تشكل أحد التحديات الاستراتيجية المهمة التي …