الرئيسية / الرئيسية / Project Syndicate: إعادة الإعمار بعد الحرب استثمار جيد

Project Syndicate: إعادة الإعمار بعد الحرب استثمار جيد

بقلم: نانسي تشيان

الشرق اليوم- بعد تسعة أشهر من غزو روسيا لأوكرانيا، بدأ الأوكرانيون يستعيدون أراضيهم ويعطون شعبهم الأمل في تحقيق نصر عسكري، ولكن عندما يتعلق الأمر بالسلام والازدهار على المدى الطويل، فإن الانتصار العسكري لن يكون سوى نهاية المرحلة الأولى نحو تحقيق ذلك، وستكون المرحلة التالية، المتمثلة في إعادة الإعمار، أطول وأصعب بكثير، وستتطلب دعماً اقتصادياً مستمراً ومكثفاً من أصدقاء وحلفاء البلاد.

 ومن المتوقع أن ينكمش الاقتصاد الأوكراني بمقدار الثلث عام 2022، حيث فقد الناس منازلهم ووظائفهم العادية من جراء الحرب، ونزح ما يقارب 13 مليون مدني، وترك 700 ألف أوكراني (معظمهم من الشباب) القوة العاملة للانضمام للقوات المسلحة، ودُمرت المصانع والمنازل، وتفيد تقديرات كلية “كييف” للاقتصاد أن خسائر البنية التحتية في أوكرانيا بلغت 115 مليار دولار.

 وستُحل بعض هذه المشاكل بصورة طبيعية عندما تنتهي الحرب، لكن الأمر لن يكون كذلك بالنسبة إلى معظمها، فلن يكون لدى العديد من النازحين منازل أو وظائف، وسينجم عن إعادة الإعمار بالجملة للمساكن، والمدارس، والمستشفيات، والبنية التحتية الأخرى اللازمة لبدء الانتعاش الاقتصادي تكاليف باهظة، إذ تفيد تقديرات الاقتصاديين الأوكرانيين أن استعادة البنية التحتية المفقودة ستكلف 200 مليار دولار على الأقل، وكلما طال أمد الحرب ارتفعت الفاتورة.

ونظرًا لأن هذه المبالغ تعادل الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا قبل الحرب، لا يمكن أن ننتظر من الأوكرانيين دفع تكاليف إعادة الإعمار وحدهم، وسينبغي لجيران أوكرانيا الأوروبيين أن يقدموا التزاما ماليا كبيرا للمساعدة في إعادة بناء اقتصادها، ولحسن الحظ، فإن القيام بذلك يخدم مصالحهم الخاصة، فعدم الاستقرار الاقتصادي في المنطقة يشكل مرتعا خصبا لعدم الاستقرار السياسي، ولا يمكن لأوكرانيا غير المستقرة أن تكون حليفًا قويًا.

 واعترف القادة الأمريكيون بهذه المسألة في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما خصصت خطة مارشال ما يقرب من 130 مليار دولار (بالدولار 2010) لتسهيل إعادة الإعمار في أوروبا، وكما هي الحال في أوكرانيا اليوم، عانت البنية التحتية في جميع أنحاء القارة (السكك الحديدية، والمرافق الكهربائية، ومرافق الموانئ، والطرق، والجسور، والمطارات) أضراراً جسيمة من جراء القصف الجوي، وأدى اضطراب الإنتاج الزراعي والنقل إلى تعرض العديد من الناس لخطر المجاعة.

وكان لخطة مارشال هدفان: الانتعاش الاقتصادي الأوروبي واحتواء الاتحاد السوفياتي، إذ كان يُنظر إلى الاستقرار الاقتصادي في أوروبا على أنه شرط أساسي لبناء مؤسسات مستقرة من شأنها تعزيز نمو الدخل وترسيخ الديموقراطية الليبرالية. وكانت الخطة ناجحة إلى حد كبير، ففي إيطاليا، حفزت النمو وعززت التنمية الصناعية من خلال البناء السريع للبنية التحتية، مما أدى إلى خلق الظروف المناسبة للتوسع الاقتصادي القوي لعقود ما بعد الحرب، وفي ألمانيا أدت الخطة إلى وضع سياسات صناعية جديدة وأعادت تنشيط النمو، وفي مختلف أنحاء أوروبا الغربية، اضطلعت بدور حاسم في استعادة الاستقرار المالي، والدفع قدما بتحرير الاقتصاد، و(باعتدال) التخفيف من حدة النقص في الموارد.

 وبحلول ستينيات القرن العشرين، كانت جميع الدول ال17 التي قبلت المساعدة، بما فيها النمسا، وبلجيكا، والدنمارك، وفرنسا، وألمانيا الغربية، واليونان، وأيسلندا، وأيرلندا، وإيطاليا، ولوكسمبورغ، وهولندا، والنرويج، والبرتغال، والسويد، وسويسرا، وتركيا، والمملكة المتحدة، قد انتعشت اقتصاديا وأصبحت ديموقراطيات ليبرالية مستقرة.

وتقدم خطة مارشال العديد من الدروس المهمة التي يمكن تطبيقها اليوم: أولاً، يمكن للضخ النقدي الكبير لإعادة بناء البنية التحتية أن يحقق مكاسب كبيرة، إذ في المتوسط، مثلت تحويلات خطة مارشال من 1948 إلى 1952 أقل من 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في البلدان المستقبلة، ولكن، نظرا لأن عمليات الحقن المالية كانت في المقدمة، فقد ساعدت في تحفيز النمو المستدام، فعلى سبيل المثال، تلقت إيطاليا مساعدة تعادل 11.5 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي في عام 1948.

ثانيا، على الرغم من أن تقديم مساعدات ملموسة وحزمة إعادة الإعمار لأوكرانيا سيكون مكلفا، فإنه مجد تماما، ففي عام 1948، كان الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة أكبر 3.5 مرات من الناتج المحلي الإجمالي لفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا مجتمعة، واليوم الناتج المحلي الإجمالي لدول الاتحاد الأوروبي أكبر بأكثر من 85 مرة من نظيره في أوكرانيا.

 وبالطبع، هناك اختلافات مهمة بين أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، وأوكرانيا، وروسيا، وبيلاروسيا اليوم، وكان متلقو خطة مارشال من بين الاقتصادات الأكثر تقدما في العالم آنذاك، في حين عانت الجمهوريات السوفياتية السابقة من مشاكل أساسية ونظامية حتى قبل الحرب، فخلال 13 عاما من الـ30 عاما الممتدة من 1990 إلى 2020، سجلت أوكرانيا نموا سلبيا في الناتج المحلي الإجمالي، وتشير هذه الظروف الأولية إلى أن الاستقرار الاقتصادي سيستغرق وقتا أطول بكثير مما كان عليه في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن هذا سبب إضافي يدعو لبدء التخطيط الآن لضخ كميات هائلة من المساعدات.

 ثالثًا، من المجدي أحيانا أن تكون كريما تجاه الأعداء السابقين وكذلك تجاه الأصدقاء، فقد خصصت خطة مارشال مبالغ كبيرة للدول التي حاربت الولايات المتحدة أثناء الحرب، وكان الكل يدرك أن الاستقرار المستمر في دول الحلفاء سيتطلب الاستقرار في الجوار الأوسع نطاقا، وحصلت فرنسا، التي كانت تحكمها جزئيًا حكومة فيشي، على النصيب الأكبر (20.8 في المئة)، تليها ألمانيا الغربية (10.9 في المئة)، وإيطاليا (10.6 في المئة)، والمعنى الضمني لهذا اليوم هو أنه في ظل الظروف السياسية والاستراتيجية المناسبة، يمكن أن يكون للاستثمار في الاقتصادات الروسية والبيلاروسية فائدة جيوسياسية طويلة المدى، ولا يزال هذا ميسور التكلفة مقارنة بخطة مارشال، لأن الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي أكبر بثماني مرات من الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا، وروسيا، وبيلاروسيا مجتمعة.

 وبغض النظر عما إذا كان الغرب يقدم المساعدة لأوكرانيا أو يقدمها أيضا لروسيا وبيلاروسيا، فإن التكاليف الكاملة للتعافي ستتجاوز التكاليف المباشرة التي سببتها الحرب، وإجمالاً، مثلت خطة مارشال 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لأمريكا عام 1948، وإذا كانت دول الاتحاد الأوروبي ستخصص 5 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي لإعادة الإعمار بعد الحرب، فيمكنها تمويل حزمة مساعدات بقيمة 870 مليار دولار، ويمكن للمساهمات الأمريكية زيادة حزمة المساعدات.

 وفي النهاية، سيعتمد نجاح أوكرانيا على المدى الطويل على التزام حلفائها بإنعاش اقتصادها، وبدون دعم اقتصادي مستمر وتنفيذ مدروس، فإن أي سلام يتحقق من خلال نصر عسكري سيكون على الأرجح عابراً.

شاهد أيضاً

إسرائيل لم تُغلق ملف الهجوم الإيراني بل افتتحت “المقايضة”!

بقلم: فارس خشان- النهار العربيالشرق اليوم– يبدو جليًّا أنّ البيت الأبيض وعد إسرائيل بأن يدفع …