الرئيسية / مقالات رأي / مقاربة خليجية لمفاوضات فيينا النووية

مقاربة خليجية لمفاوضات فيينا النووية

بقلم: صلاح الغول – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- تَعتبر دول مجلس التعاون الخليجي البرنامج النووي الإيراني خطراً على أمنها الفردي والجماعي؛ لأنه يهدّد بتحول إيران إلى دولة نووية، في ضوء التقدّم الهائل الذي أحرزته في التكنولوجيا والمنشآت النووية، كما يُهدّد البرنامج الإيراني ببدء سباق تسلح نووي في المنطقة قد يفضي إلى تفجيرها. ولذلك تحفظت دول التعاون على خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، المعروفة بالاتفاق النووي الإيراني؛ لأنها تضمنت اعترافاً بالبرنامج النووي الإيراني، ووفرت الشرعية الدولية ومصادر القوة المادية (عن طريق رفع العقوبات الاقتصادية) للدور الإيراني في المنطقة.

وإذا كانت الإمارات تتبنّى موقفاً ثابتاً ضد الانتشار النووي في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط كله، فإنها تؤيد في الوقت نفسه حق دول المنطقة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وتقدّم نفسها نموذجاً في هذا الصدد.

على أي حال، واجه الاتفاق النووي الإيراني أكبر تحدٍ له، في يونيو/حزيران 2018، بانسحاب الولايات المتحدة المنفرد منه في عهد إدارة دونالد ترامب، ولكن تعهدت الإدارة الحالية (إدارة جو بايدن) بإحيائه. ومن ثم انطلقت مفاوضات فيينا النووية في أبريل/نيسان 2021، بين إيران والدول الخمس الكبرى (بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين) برعاية الاتحاد الأوروبي، ومشاركة غير مباشرة من جانب الولايات المتحدة. وجرت ثماني جولات من المفاوضات، إضافة إلى جولة محادثات غير مباشرة بين إيران والولايات المتحدة عبر الوسيط الأوروبي في الدوحة أواخر يونيو/حزيران الماضي، أخفقت جميعها في التوصل إلى توافق لإحياء الاتفاق النووي الإيراني.

وعلى الرغم من تحقيق اختراق مهم في الجولة التاسعة، التي انطلقت في مارس/آذار 2022، يتصل بعرض الاتحاد الأوروبي مقترح لنص “نهائي” لإعادة إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة في أغسطس/آب المنصرم، وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود. وما زاد من انسداد أفق المفاوضات النووية، اتهامات المسؤولين الإيرانيين للدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، بدعم الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي تشهدها إيران منذ منتصف سبتمبر/أيلول الفائت، ما عمّق عدم الثقة بين إيران وشركاء مفاوضات فيينا الغربيين.

وهكذا يبدو أن مصير الجولة التاسعة من المفاوضات النووية في فيينا سيكون مثل سابقاتها، ومثل مصير مفاوضات الدوحة؛ أي عدم التوصل إلى توافق نهائي لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.

ويرجع السبب الأساسي في ذلك إلى السلوك التفاوضي الإيراني الذي يعمد إلى إطالة أمد المفاوضات إلى أقصى مدى، أملاً في تغير الظروف الدولية والإقليمية بما يُمكّن طهران من فرض شروطها على طاولة المفاوضات.

ولذلك تنشط إيران حالياً في توسيع نطاق وعمق شراكتها الاستراتيجية مع روسيا، سواء في المجالات الاقتصادية أو العسكرية أو الفضائية، دون الحديث عن استغلال إيران للمفاوضات في زيادة مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60% أو أكثر، واستخدام أجهزة طرد مركزي متطورة من طراز IR6 في عمليات التخصيب. وكأن طهران تريد توصيل رسالة لمن يهمه الأمر، مفادها أنه بإمكانها تسريع تطوير أنشطتها النووية، إذا اتخذت قراراً سياسياً بهذا الشأن. والحقيقة أن تقارير دولية عدة كشفت أن إيران باتت على بُعد شهر أو أشهر معدودة من تجاوز العتبة النووية، أو أنها حازت بالفعل القدرة على إنتاج السلاح النووي، ولكنها تفضل متابعة سياسة “الغموض البنّاء” في ما يتعلق بتطور قدراتها النووية لإحداث أثريْ الردع والتخويف.

وأياً كان مصير مفاوضات فيينا، وأياً كانت المساحة الزمنية اللازمة لإيران كي تتجاوز العتبة النووية، وأياً كانت التكهّنات بامتلاكها فعلاً القدرة على إنتاج قنبلة نووية، فإنه يجدر بدول مجلس التعاون أن تتبنّى موقفاً موحّداً تجاه قضية الملف النووي الإيراني؛ لأنه كما ذكرنا يحمل تهديداً للأمن الجماعي الخليجي. كما يجدر بها استثمار علاقاتها الاستراتيجية مع الصين وروسيا للتأثير في إيران التي تحتفظ أيضاً بعلاقات استراتيجية معهما، ليس فقط في ملفها النووي، ولكن في ما يتصل به من قضايا، مثل برنامجها المتطور للصواريخ الباليستية.

وثمة تطوران إيجابيان للمقاربة الخليجية الموحّدة تلك، يتعلقان بالزيارة المرتقبة للرئيس الصيني شي جين بينغ للمملكة العربية السعودية، وعزمه عقد قمة مع دول مجلس التعاون، وما نشرته وكالة “رويترز” وغيرها من استضافة أبوظبي التي تصفها موسكو بالشريك الموثوق به، محادثات بين مسؤولين روس وأوكرانيين لكسر جمود المفاوضات بين الطرفين.

شاهد أيضاً

الأمل المستحيل لإسرائيل

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً …