الرئيسية / مقالات رأي / لماذا لن يجد لبنان مكانه ومكانته في القمّة الأمريكيّة-الفرنسية المقبلة؟

لماذا لن يجد لبنان مكانه ومكانته في القمّة الأمريكيّة-الفرنسية المقبلة؟

بقلم: فارس خشان – النهار العربي

الشرق اليوم- بعد أسبوع واحد، ينتقل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته السيّدة بريجيت في “زيارة دولة” إلى الولايات المتّحدة الأمريكيّة، هي الأولى من نوعها لرئيس أجنبي، منذ وصول الرئيس جو بايدن الى البيت الأبيض.

وتدل “زيارة الدولة” هذه التي تبدأ في الثلاثين من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري وتنتهي في الثاني من كانون الأوّل/ ديسمبر المقبل، على العلاقات الممتازة التي تربط الدولتين الحليفتين والإدارتين “الديموقراطيتين”.

وكثرت الرهانات على أن تتمكّن هذه الزيارة من تحريك الركود الذي يعاني منه ملف الانتخابات الرئاسيّة في لبنان، خصوصًا وأنّ ماكرون مصرّ على مواصلة الاهتمام بالموضوع اللبناني، في وقت كان هذا الملف، من بوابة ترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل، محور متابعة شخصيّة من بايدن.

ولكن كلّما اقترب موعد القمة الفرنسيّة-الأمريكيّة تراجع الملف اللبناني، خطوة نوعيّة إلى الوراء، لأسباب دوليّة، من جهة أولى ولأسباب لبنانيّة، من جهة ثانية.

وبعد تحديد الموعد الرسمي لزيارة الدولة هذه، حام فوق العلاقات الأمريكية الأوروبيّة طيف واحد من أكثر الملفات دقة، ومن شأن عدم إعطائه الرّعاية الكافية أن يُدخل هذين الحليفين التاريخيّين في منافسة اقتصادية تفوح منها رائحة “الحرب”، في ظاهرة حادة، غير مسبوقة على الإطلاق.

السبب في ذلك، هو القانون الذي وقف وراءه الرئيس الأمريكي جو بايدن نفسه، وسوف يدخل، في القريب العاجل قيد التطبيق.

ويعطي هذا القانون الذي يهدف الى محاربة التضخّم، حوافز كبيرة جدًّا، من ضمن رزمة تبلغ قيمتها 430 مليار دولار أمريكي، للشركات التي تتّخذ من الولايات المتّحدة الأمريكيّة، مقرًّا لصناعاتها.

ويعتبر الإتحاد الأوروبي، ولاسيّما فرنسا وألمانيا من دوله السبع والعشرين، أنّ هذا القانون يقضي على القدرة التنافسيّة للمنتجات الأوروبيّة ويضرب جاذبيّة “القارة العجوز” لرؤوس المال التصنيعيّة، خصوصًا أنّه يأتي في “التوقيت القاتل” إذ يلي الأزمات الضخمة التي خلّفتها مكافحة انتشار وباء كوفيد-19 ويتزامن مع المعضلات الجسام التي تنتجها الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة.

وهذا الموضوع، نظرًا لانعكاساته الخطرة على الإتحاد الأوروبي، من جهة وعلى العلاقات الأمريكية-الأوروبيّة، من جهة أخرى سوف يسيطر على جدول أعمال زيارة الدولة التي خصّصها بايدن لماكرون.

وقد خصّصت الإدارة الفرنسيّة جهدها، في الأيّام القليلة الماضية، لتحضير هذا الملف مع شركائها الأوروبيّين، عمومًا ومع ألمانيا خصوصًا، حتى لا تمر المصالح الأميركيّة من ثغر الخلافات التنافسيّة التي كانت تعصف في ما بينها.

ولن يكون موقف دول أساسيّة في “الإتحاد الأوروبي” من “نوعيّة” الدعم لأوكرانيا في حرب روسيا عليها، منفصلًا عن هذا الملف، لأنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة لا يمكنها أن تطلب من الدول الأوروبيّة بذل مزيد من التضحيات في هذا الملف المكلف للغاية، في وقت “تنعزل” هي لتوفير مصالحها، بما يخالف إتفاقيات التجارة العالميّة، وبما يتناقض والحرص المتبادل على مصالح الحلفاء.

ولا يخرج عن هذا السياق، إعلان الرئاسة الفرنسيّة عن اتصال قريب سوف يجريه ماكرون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على الرغم من أنّ بثّ قصر الإليزيه، في وقت سابق من هذه السنة، تسجيلًا عن اتصال هاتفي جرى بين ماكرون وبوتين، وإقدام ايمانويل بون، رئيس الخليّة الدبلوماسيّة في الرئاسة الفرنسيّة، على وصف بوتين بـ “الكاذب”، قد تركا تداعيات سلبيّة جدًّا على “الصداقة” التي كانت تجمع “زعيم الكرملين” ب”مستأجر الإليزيه”.

بطبيعة الحال هذا غيض من الملفات الدوليّة التي ستكون على جدول أعمال زيارة ماكرون لبايدن، إذ ستفرض العلاقات مع الصين وأستراليا وشركات الطاقة نفسها وغيرها من الملفات، نفسها بقوة.

ملف لبنان

ولن يجد ملف لبنان مكانًا مناسبًا له في هذه الزيارة. توقعات مسؤول فرنسي رفيع تذهب إلى حدود الإعتقاد بأنّ البحث فيه لن يستغرق أكثر من ثوان قليلة.

وبالفعل، فالتحضيرات الفرنسيّة التمهيديّة لزيارة ماكرون إلى واشنطن، لا توحي بأنّ الملف اللبناني له مكان ومكانة فيها.

ولا يعود السبب في ذلك إلى انعدام رغبة ماكرون بإعطاء هذا الملف القيمة التي يحفظها له، إنّما لتعقيداته الكبيرة، سواء في لبنان نفسه أو في الإقليم.

وعلى المستوى اللبناني، لا تزال الخلافات بين الأطراف المعنيّة بانتخابات رئيس الجمهوريّة، كبيرة جدًّا، وهي لا تقتصر على انقسام بين قوتين كبيرتين، بل تتشظى إلى خلافات ضمن القوى الكبيرة نفسها، ففريق “حزب الله” لم يتوصّل الى اتفاق على تصوّر واحد، والفريق المناوئ ل”حزب الله” أيضًا.

ولا يجد أحد في العالم، بما في ذلك الفرنسيون، وهم الأكثر اهتمامًا بلبنان، ما يكفي من وقت، في هذا الزمن العصيب، لتكريسه من أجل تقريب وجهات النظر بين قوى اتفقت على أن تختلف.

وعلى المستوى الإقليمي، فإنّ العلاقات الفرنسية-الإيرانيّة لم تصل، يومًا الى السوء الذي وصلت إليه، وتاليًا، فإمكان إيجاد مساحة اتفاق حول لبنان، في هذا الظرف، كتلك التي توافرت عشية الإعلان عن تشكيل حكومة نجيب ميقاتي الأخيرة، تكاد تكون مستحيلة.

وعلى المستوى الإقليمي أيضًا، فإنّ المملكة العربيّة السعوديّة التي تتفاعل إيجابًا مع فرنسا، في ملف “الصندوق الإنساني المشترك”، لا تجد أيّ رغبة في التدخل لمصلحة “تسوية” تأخذ، في الإعتبار، مصالح “حزب الله”، طالما أنّ هذا الحزب يتطلّع إلى تكريس هيمنته على لبنان، ومواصلة تقديم خدماته الإقليميّة لإيران، بما يخالف التفاهمات الدوليّة-العربيّة وبما يتناقض وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة.

وهذا يعني أنّ المنظومة السياسيّة التي لا تكترث إلّا لمصالحها سوف تُبقي لبنان طويلًا في جهنّم التي تحرق دولته وشعبه.

شاهد أيضاً

روسيا التي لا تساند أحداً… علاقة غير عادلة مع إيران

بقلم: يوسف بدر – النهار العربي الشرق اليوم– في مقالته في صحيفة “وول ستريت جورنال” …