الرئيسية / مقالات رأي / Project Syndicate: كيف يمكن لشي جين بينغ تقوية اقتصاد الصين؟

Project Syndicate: كيف يمكن لشي جين بينغ تقوية اقتصاد الصين؟

بقلم: نانسي تشيان

الشرق اليوم- إن شي جين بينغ على وشك أن يصبح أول رئيس لثلاث فترات رئاسية في التاريخ الصيني، وذلك عندما ينعقد المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني في هذا الشهر، وهذا يعتبر فرصة سانحة لتقييم سجل شي جين بينغ المتعلق بالسياسة الاقتصادية خلال السنوات العشر الماضية واستكشاف بعض الخطوات الواضحة من أجل تحسين الأداء الاقتصادي للفترة الرئاسية القادمة.

عندما تولى شي جين بينغ أعلى منصب سياسي في الصين سنة 2012 كان الاقتصاد مزدهرًا ولكنه كان يعاني العديد من المشاكل الخطيرة، لقد كان الناتج المحلي الإجمالي ينمو بمتوسط معدل سنوي يبلغ 10% لأكثر من عقد ولكن كان التباطؤ حتميا وبالفعل انخفض النمو في الناتج المحلي الإجمالي في كل سنة تقريبا منذ سنة 2008، وعلاوة على ذلك كان عدم المساواة في ارتفاع حيث ارتفع مؤشر جيني بنسبة 13% بين سنة 1990 وسنة 2000 وبحلول بداية هذا القرن تجاوز عدم المساواة في الصين مثيله في الولايات المتحدة لأول مرة في حقبة الإصلاح التي أعقبت عام 1978. في غضون ذلك، كان التلوث يقتل الصين حرفياً وبحلول عام 2013 كان هواء بيجين يحتوي في المتوسط على 102 ميكروغرام من جزئيات بي م 2.5 لكل متر مكعب، في حين أن لوس أنجلوس كان لديها قراءة تبلغ بي م 2.5 لنحو 15 فقط. لقد اشتكى سكان المدن الصينية بشكل متزايد من أمراض القلب والرئة والوفيات المبكرة المرتبطة بالتلوث كما اُبتليت الصين بتلوث المياه وذلك بسبب الجريان الكيميائي من مصانعها ومزارعها ومناجمها، أما في المناطق الريفية فاضطرت قرى وبلدات بأكملها أحيانا إلى الانتقال لأن إمدادات المياه كانت ملوثة بشكل لا يمكن إصلاحه.

لقد كانت الصين تفقد قوتها العاملة تدريجياً حيث بدأت معدلات الخصوبة المرتفعة تاريخياً والتي كانت تبلغ 6 أطفال لكل امرأة في الانخفاض في سبعينيات القرن الماضي، ووصلت إلى مستوياتها الحالية التي تقل عن طفلين لكل امرأة في عام 2000، لقد تقلصت مجموعة سن العمل في الصين من 80% من إجمالي السكان في عام 1970 إلى 37% فقط في 2012 كما تضاعفت نسبة الأفراد الذين تزيد أعمارهم على 65 عاما، من 4% في عام 1970 إلى 8% في عام 2012، فتركت هذه الاتجاهات الحكومة عالقة بين خيارين أحلاهما مر، وعلى الرغم من أن صانعي السياسات كانوا بحاجة إلى الحفاظ على إجمالي عدد السكان بحيث لا يزيد بشكل كبير، فإنهم احتاجوا أيضا إلى تدفق الشباب لسوق العمل من أجل دعم الأعداد المتزايدة للسكان المسنين.

وعندما تولى شي جين بينغ سدة الحكم، بذل جهودا كبيرة للتصدي للتحديات بشكل مباشر ولكن النتائج كانت متفاوتة فمن الناحية الإيجابية تم تخفيض قراءات نسبة التلوث بي م 2.5 في المدن الرئيسية مثل بيجين وشنغهاي للنصف خلال السنوات العشر الماضية وتراجع معامل جيني الصيني اليوم إلى أقل من مثيله في الولايات المتحدة وأقل بنسبة 13% مقارنة بذروته عام 2010.

لكن المؤشرات الأخرى كانت أقل إيجابية فبين عام 2012 وبداية جائحة كوفيد19 ظل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي للصين ثابتا أو متراجعا، وعلى الرغم من أن الحكومة ألغت سياسة الطفل الواحد الصارمة، فإن معدلات الخصوبة ظلت منخفضة للغاية، وتبلغ نسبة الأفراد الذين تبلغ أعمارهم 65 عاما فأكثر اليوم ما يقرب من 13% وهي نسبة غير مسبوقة في العصر الحديث، وبعد مرور عشر سنوات على إطلاق شي حملة مكافحة الفساد والتي حظيت بتغطية واسعة، أصبحت تصورات العامة للفساد أعلى من أي وقت مضى. ومع ذلك، فإن من غير المعقول تحميل شي جين بينغ كل إنجازات العقد الماضي وإخفاقاته، فقد ورث شي أكبر المشاكل التي واجهها وهي عبارة عن عواقب حتمية للنمو السريع الذي حصل سابقا في الصين وتاريخها السياسي والاقتصادي، ولكن في الوقت نفسه ورث شي كذلك الحلول الرئيسة للسياسات المتعلقة بتلك المشاكل.

وبدأت الصين بمطالبة شبكات الطاقة المملوكة للدولة بالاستثمار في صناعات الطاقة المتجددة منذ عام 1994 كما ركّزت الحكومات السابقة أيضًا على السياسات التي تهدف لتحسين ظروف الفقراء، وتم إدخال التأمين الطبي الأساسي إلى المناطق الحضرية في عام 1998 وإلى المناطق الريفية في عام 2003 كما بدأ عدم المساواة الإجمالي في الانخفاض قبل عامين من تولي شي منصبه وكانت الحكومات السابقة تتبنى بانتظام حملات لمكافحة الفساد خاصة بها.

مع احتفاظ شي بالعديد من مبادرات أسلافه المتعلقة بالسياسات، استمرت الأشياء التي كانت تتحسن في التحسن، وظلت المشاكل التي كان من الصعب إصلاحها بدون حل، فأكثر شيء تغير في عهد شي لم يكن أهداف السياسات الظاهرية ولكن طريقة التنفيذ، فكان صانعو السياسات في الصين بعد عام 1978 مع وجود استثناءات مثل سياسة الطفل الواحد يميلون إلى توخي الحذر والحصافة. إن التغييرات المهمة مثل إدخال الانتخابات الريفية كان يتم تجريبها عادةً بهدوء ويتم الإعلان عنها على أنها “سياسة وطنية” فقط عندما تشعر الحكومة المركزية بالثقة في أنها تفهم كيف ستعمل تلك السياسة.

تمتاز طريقة التجربة والخطأ هذه بخلق مساحة سياسية للمناقشات بين أصحاب المصلحة المهمين مما أدى إلى نجاح المبادرات شديدة التعقيد مثل السياسة الصحية الوطنية للصين، كما كانت تلك الطريقة تنطوي على المرونة، بحيث تتم مراجعة السياسات لمراعاة الظروف المتغيرة أو الآثار الجانبية غير المتوقعة، ولأن هذه السياسات لم تكن مرتبطة بشخص واحد، كانت التكلفة السياسية للاعتراف بالأخطاء منخفضة. لقد استغنى شي عن مثل هذه الأساليب غير المباشرة حيث كان يعلن عن السياسات بشكل شخصي ومفاجئ وبدون مناقشات تذكر، ومن الواضح أن طريقة العمل هذه ضارة اقتصاديا، حتى عندما تكون الدوافع وراء السياسات حميدة أو حسنة النية.

ومن الأمثلة على ذلك حظر الدروس الخصوصية لسنة 2021 والذي كان يهدف إلى الحد من الساعات الصعبة التي يقضيها الأطفال الصينيون في الدراسة وتقليل مزايا الطلاب الأكثر ثراءً مقارنة بأقرانهم، لكن إعلان هذا الحظر كان حادا ومفاجئا لدرجة أنه قلل من القيمة السوقية لشركات التعليم الصينية الكبرى بعشرات المليارات من الدولارات وأنشأ ببساطة سوقًا سوداء للخدمات نفسها، كما تجاوزت التداعيات الاقتصادية مجال التعليم، فاحتمالية حدوث تغييرات مفاجئة وغير متوقعة في السياسات لا تشجع الاستثمارات المستقبلية في جميع القطاعات.

وسياسة شي والمتعلقة بصفر حالات كوفيد هي مثال آخر في هذا الخصوص فعلى الرغم من النجاح الكبير لتلك السياسة في السيطرة على فيروس كورونا عندما لم تكن هناك لقاحات، فإن تلك السياسة أصابها الضعف في ظل الظروف المتغيرة، وفي حين أن جميع البلدان الأخرى تعود إلى العمل كالمعتاد، يبدو أن الصين عالقة في لعبة واك أمول لا نهاية لها. والتداعيات على الاقتصاد الصيني واضحة: على السلطات أن تستمر في المسار نفسه فيما يتعلق بأهداف السياسات الاقتصادية، ولكن يجب أن تغير أساليب صنع السياسات الخاصة بها، فالتحرك ببطء وحذر خدم الصين جيدا أكثر من 40 عاما مما يعني أن مثل هذه السياسة يمكن أن تعمل بشكل جيد لفترة أطول بكثير.

شاهد أيضاً

إسرائيل تختار الصفقة بدلاً من الرد الاستعراضي

بقلم: علي حمادة – صحيفة النهار العربي الشرق اليوم– تجنبت ايران رداً إسرائيلياً استعراضياً يفرغ …