الرئيسية / مقالات رأي / TRENDS: أمنُ المناخ وأبعاده الجيوسياسية

TRENDS: أمنُ المناخ وأبعاده الجيوسياسية

الشرق اليوم- شهدت الدراسات الأمنية، وهي حقل فرعي في “العلاقات الدولية”، تطوراً كبيراً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد ركز الدارسون “التقليديون”، طوال فترة الحرب الباردة، على الأمن بمنظوره العسكري، والتهديدات العسكرية للأمن الوطني، والقدرات العسكرية لمواجهة هذه التهديدات. ثم إنهم أهملوا التهديدات الأخرى للأمن، بل ونظروا إلى المجالات الأخرى، كالاقتصادية والسياسية والثقافية والبيئية وغيرها، بقدر ما تسهم به في القدرات العسكرية للدولة.

ولكن انتهاء الحرب الباردة وظهور تهديدات جديدة للأمن الوطني والدولي أدّيا إلى إثارة التساؤلات عن مصداقية حجج أصحاب المدرسة التقليدية، وإلى تعزيز جهود منظّري الدراسات الأمنية لتوسيع مفهوم الأمن.

وقد انطلقت جهود الموسعين في مدرسة كوبنهاجن للدراسات الأمنية، وأضافوا أبعاداً جديدة للأمن، سياسية واقتصادية ومجتمعية وبيئية، ثم أضيفت أبعاد أخرى للأمن، بلغت نحو خمسة عشر بُعداً. وهكذا، كان الأمن البيئي أو أمن المناخ من أول الأبعاد غير التقليدية للأمن التي ما فتئ الباحثون ومراكز الفكر يشددون على أهمية تضمينها في السياسات الوطنية والعالمية، ويحذرون من خطورة التغيرات المناخية والبيئية، التي تضم طيفاً واسعاً من التهديدات، في مقدمتها: الاحترار العالمي، والجفاف، والتلوث، وفقدان التنوع البيولوجي… إلخ – على الأمن الوطني والعالمي. وفي هذا السياق، يأتي المؤتمر السنوي الثاني، الذي نظمه مركز تريندز للبحوث والاستشارات بالتعاون مع مؤسسة المجلس الأطلسي، في يومي 28-29 سبتمبر الفائت، تحت عنوان: “الأمن المستدام في الشرق الأوسط: تحديات وآفاق التغير المناخي”، في العاصمة الأميركية واشنطن دي. سي، بمشاركة نخبة من صناع القرار والخبراء المتخصصين في قضايا البيئة والمناخ والأمن من مختلف دول العالم.

وتداول المؤتمرون قضايا عدة، على رأسها: مظاهر التغيّر المناخي في الشرق الأوسط وتداعياته على الاستقرار الإقليمي، والصراع على المياه في المنطقة، وندرة الموارد والنمو السكاني في الشرق الأوسط، والأمن الغذائي الإقليمي، والاحترار العالمي والجفاف والظواهر الطبيعية المتطرفة، والبنية التحتية الخاصة بأنظمة الغذاء والمياه، وتأثير التغيُّر المناخي في عمليات سلاسل الإمداد، والمرونة المناخية، والحد من الكربون، والطاقة النظيفة والمتجددة،… وغيرها.

ولكنّ ثمة قضيتين حيويتين أبرزهما مؤتمر واشنطن، وهما: الأبعاد الجيوسياسية لتغير المناخ، وأمننة قضايا البيئة. فتغير المناخ يحمل في طياته مضامين جيوسياسية خطيرة، تأتي في مقدمتها الهجرة عبر الحدود، والصراع على المياه، والتنافس على الأقاليم نتيجة ذوبان الجليد، والتنمية الإقليمية، والتنافس بين القوى الكبرى. بعبارة محددة، كشف مؤتمر تريندز- المجلس الأطلسي الروابط بين المناخ والتطورات الجيوسياسية.

ومع زيادة تطرف مظاهر تغير المناخ، فإن تأثيراتها سوف تلعب دوراً متنامياً في المناقشات الأمنية والجيوسياسية. وثمة عاملان مهمان يجعلان الصراعات الجيوسياسية المرتبطة بتغير المناخ مختلفة عن الصراعات التقليدية: فأولاً، تهدد طبيعة “تغير المناخ” الواسعة الانتشار بتمدد النطاق الجغرافي للصراعات الجيوسياسية.

وثانياً، يرفد تغير المناخ بيئة الصراع الجيوسياسي العالمية بمصادر صراعٍ جديدة، ومن ثم تصعيد النزاعات الجيوسياسية وجعلها أكثر استعصاءً على الحلول. واهتم ثلة من الباحثين والممارسين في مؤتمر واشنطن بأمننة Securitization القضايا البيئية، بمعنى تحويلها إلى قضايا أمنية، على المستويين الوطني والدولي، تتطلب توظيف إجراءات استثنائية لمعالجة التهديدات الناجمة عنها.

وفي الأخير، ثمة رسالتان حيويتان لمراكز صُنع القرار في العالم: الأولى، أن تغير المناخ أصبح قضية جيوسياسية حساسة. والثانية، أن مفهوم أمننة التهديدات البيئية والمناخية يحظى الآن بقبولٍ واسع لدى المجتمعات عبر العالم.

شاهد أيضاً

حدود “خلاف” بايدن ــ نتنياهو… فوق أنقاض رفح

بقلم: إياد أبو شقرا- الشرق الأوسطالشرق اليوم– ما زلتُ حائراً في تقدير قرار الرئيس الأميركي …