الرئيسية / مقالات رأي / بريطانيا بعد إليزابيث

بريطانيا بعد إليزابيث

بقلم: مفتاح شعيب – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- تمر المملكة المتحدة بلحظة تاريخية عصيبة، إثر وفاة الملكة إليزابيث الثانية، بعد أن عاش زهاء ثلاثة أرباع البريطانيين تحت ظل عرشها سبعين عاماً. وفي مثل هذه المفاصل بين الحقب، تبرز مخاوف مشروعة من المستقبل. وعلى الرغم من أن البريطانيين يبايعون الملك الجديد تشارلز الثالث، فإنهم لا ينظرون باطمئنان إلى الآتي، فالراحلة لن تعوض، والمتغيرات الدولية متسارعة وخطرة، وتنبئ بأن العالم لن يكون كما كان.

برحيل الملكة فقد البريطانيون شخصية ذات هيبة دولية، يعرفها كل الناس تقريباً، فقد جابت الكرة الأرضية بمئات الزيارات الرسمية إلى أغلب البلدان. كما عاصرت مختلف التحولات التي شهدتها مملكتها والعالم، من استقلال المستعمرات، إلى الحرب الباردة، إلى تشكل التكتل الأوروبي ثم الخروج منه. وكل تلك التطورات، بحلوها ومرها، لم تكن هينة في وقتها، وفرضت تحديات تطلبت تضحيات كبيرة، لكن الملكة الراحلة تجاوزتها وحاولت المحافظة على مكتسبات التاج البريطاني وإشعاعه، بما كانت تمتلكه من علاقات ودية مع أبناء شعبها، وما تلقاه من احترام كبير لدى القادة والزعماء، الذين صدمتهم وفاتها، على الرغم من أنها منتظرة وحتمية.

الظرف العام الذي توفيت فيه إليزابيث الثانية، لم يكن نموذجياً في لحظته السياسية، وربما لم يكن يسمح بحدث كهذا بالنظر إلى المشكلات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها بريطانيا على غرار الدول الغربية عموماً. فقد توفيت الملكة بعد 48 ساعة من استقالة حكومة بوريس جونسون واستلام ليزا تراس المهمة، غداة أشهر طويلة من التأزم السياسي والسجالات العنيفة بسبب “بريكست” وحرب أوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة. ومن الطبيعي أن تخلق هذه الأزمات المختلفة واقعاً جديداً، يفرض جملة من الاستحقاقات الصعبة، ويتطلب شخصيات قوية تمتلك الإرادة والقدرة على مواجهتها وتجاوزها. أما عكس ذلك فقد يسفر عن نتائج سلبية لا يمكن التكهن بمداها وتأثيراتها.

في الحالة البريطانية، يعتلي الملك الجديد تشارلز الثالث عرش والدته الموروث منذ ألف عام تقريباً. وعلى غرار سابقيه، لن تكون بداية عهده يسيرة، وكل ما يتمناه أن يسلم الأمانة لمن بعده، خاصة في ظل الأزمات المتراكمة والأصوات المتصاعدة في بعض أرجاء المملكة بالاستقلال أو مطالب بعض الدول، التابعة اسمياً لبريطانيا، بإعادة تقييم العلاقة مع العرش؛ بل إن بعض الدول، مثل نيوزيلندا، تفكر جدياً في إنهاء علاقتها بالنظام الملكي الذي نشأ في فترة الاستعمار، وهو ما فعلته العام الماضي دولة بربادوس الصغيرة التي انفصلت عن النظام الملكي بعد نحو 400 عام من التبعية، وبالتزامن هناك أصوات تتعالى بهذا الاتجاه في كندا وأستراليا، أما أخطرها فنزعة الاستقلال المتنامية في كل من اسكتلندا وإيرلندا الشمالية.

يؤكد بعض المؤرخين أن ما يشهده العالم في الوقت الحاضر، يشبه إلى حد كبير بداية العصر الصناعي ونشوء الإمبراطوريات الاستعمارية قبل مئات السنين. والتحولات الجارية لا تأتي فجأة؛ بل تتشكل على مدى طويل حتى تنكشف في لحظة معينة.

وبريطانيا ليست استثناء في هذا السياق ولا معصومة من التغيير.

وبعد أن كانت إمبراطوريتها مترامية الأطراف ولا تغيب عنها الشمس في نهاية القرن التاسع عشر، فإنها أصبحت اليوم غير ذلك، وصارت الشمس تغيب عنها كما تغيب عن باقي العالم.

شاهد أيضاً

إنصاف «الأونروا»

بقلم: وليد عثمان – صحيفة الخليج الشرق اليوم- لم تكن براءة وكالة الأمم المتحدة لغوث …