الرئيسية / الرئيسية / هل سيتسبب ابن سلمان بإفلاس السعودية؟

هل سيتسبب ابن سلمان بإفلاس السعودية؟

بقلم: سيباستيان كاستيلير – صحيفة هاآرتس

خطط محمد بن سلمان المبهرة الرامية لإعادة هيكلة أكبر اقتصاد في العالم معتمد على الوقود الأحفوري، تعكس رغبته في ترك بصماته في التاريخ العربي. ولكن إذا فشلت مغامرته المشبعة بجنون العظمة فسيلاقي مصير شاه إيران.

~ سيباستيان كاستيلير

رؤية 2030، خطة التنمية التي تزيد قيمتها عن 7 تريليون دولار للمملكة العربية السعودية “سيكون لها تأثير إيجابي كبير علينا، نحن السعوديين. فسيكون لدينا الآن شيء لنفخر به، ليس فقط نفطنا. فلدينا الآن طموحات”.

هذا هو التقييم الاحتفائي لرهام الشمري، الخبيرة السعودية في الأسهم الخاصة ورأس المال الاستثماري. “بالنسبة لي، تعد نيوم [“محور الرؤية” ومدينة المستقبل التي ستؤوي تسعة ملايين شخص] أكثر من كونها مركزاً ضخماً للبحث والتطوير. فستؤثر أبحاثها واستثماراتها على أسلوب حياتنا في جميع أنحاء العالم”.

إذا تم بناؤها بالفعل – كما تزعم المملكة – فستكون نيوم مجموعة من المشاريع المبنية على مساحة بحجم بلجيكا، ووفقاً لعلاقاتها “ببعض التحديات الأكثر إلحاحاً التي تواجه الإنسانية” من خلال ” بناء نموذج جديد للحياة المستدامة “. وستعمل مدينة تروجينا الفرعية على “إعادة تعريف السياحة الجبلية”، بينما ستعيد “مصانع المستقبل” التابعة لأوكساجون “تحديد نهج العالم في التنمية الصناعية”، وستكون المدينة الضخمة “ذا لاين” بمثابة “ثورة حضارية”.

يقول الرئيس التنفيذي لشركة نيوم نظمي النصر: “نحن نعيد كتابة المستقبل الآن”.

لكن بعد مرور خمس سنوات، ومع تحقيق القليل من التقدم، تظهر تصدعات هذا المشروع الرائد لولي العهد الأمير محمد بن سلمان الهادف لتنويع الاقتصاد السعودي الذي يحركه النفط.

أثار موظفو نيوم السابقون مخاوف من أن ولادة المشروع الضخم المستوحى من عالم الخيال العلمي قد لا تحدث أبداً. وقد وصفه خبراء الهندسة المعمارية بأنه “جنون”. إذ لم تعد مصادرنا ضمن الدائرة الملكية تخجل من توجيه الانتقاد لأفكار محمد بن سلمان المتغيرة باستمرار، و “تقلباته المزاجية”، و “أعصابه المشدودة”، وقيادته القائمة على الخوف.

أخبرني مصدر مطلع على ديناميكيات العائلة المالكة السعودية، بشرط من عدم الكشف عن هويته أن “القلق العام هو أن يلاقي مصير شاه إيران، حيث قام بتطوير مخططات منفصلة عن الواقع دون أن يطلب منه أحد إعادة التركيز”. وقد تمت الإطاحة بآخر شاه لإيران، وهو حاكم استبدادي ذو سلوكيات استبدادية وميول للنمط الغربي وقد كان مدفوعاً بإصلاحات التحديث، في عام 1979 عقب الثورة الإسلامية الإيرانية.

وأضاف المصدر، ملخّصاً المخاطر التي يواجهها ولي العهد: لقد انتهى به الأمر داخل غرفة صدى يدعمه فيها الرجال الذين لا يقولون سوى نعم. بعد أن لجأ بن سلمان إلى توطيد السلطة بشكل غير مسبوق في تاريخ السعودية الحديث، حيث نقل نظام المملكة من “نظام إجماع داخل الأسرة إلى حكم الرجل الواحد”.

أكوام المال العام السعودي

ويبقى السؤال هو هل مدينة نيوم خيار سليم من الناحية الاقتصادية أم أنها مزيج من الخيال العلمي المدفوع بحب الأنا. هناك شيء واحد مؤكد، إذ تكشف التسريبات عن تزايد عدم الارتياح لدى المطلعين، مما يشير سؤال إخراج الفيل من الغرفة: فهل ستؤدي مغامرة محمد بن سلمان الضخمة إلى إفلاس المملكة؟

في يوليو، أوضح ولي العهد توقعاته حول تمويل المشروع المستقبلي الضخم. حيث سيتم أولاً تمويل نصف المرحلة الأولى من المشروع البالغة 1.2 تريليون ريال سعودي (320 مليار دولار)، ومن المقرر أن تستمر تلك المرحلة حتى عام 2030، من قبل صندوق الاستثمارات العام، وهو أداة مالية حكومية تابعة للدولة بقيمة 620 مليار دولار في عهد محمد بن سلمان يهدف لتنويع اقتصاد المملكة الذي يحركه النفط. كما ستمول الإعانات الحكومية وصناديق الثروة السيادية النصف الآخر.

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الكرملين في موسكو، روسيا

وسيتم تشجيع المستثمرين السعوديين من القطاع الخاص على المشاركة من خلال طرح شركة نيوم المحتمل للاكتتاب العام في 2024. ويثير هذا تساؤلات حول مدى اتساق هذا الاستثمار الخاص. ففي الواقع، وردنا أن المملكة العربية السعودية تلجأ لـ “تخويف” العديد من العائلات الأكثر ثراءً في المملكة لكي تصبح مستثمراً أساسياً بدافع “الواجب الوطني” لتشارك في الاكتتاب العام لشركة الطاقة السعودية أرامكو في عام 2019.

وبعبارة أخرى، فإن جزءاً كبيراً من الأموال السعودية التي تم تخصيصها بعناية لعقود من الزمن لتمويل الانتقال إلى حقبة ما بعد النفط ستدفع كلفة شركة نيوم الفلكية. ويكاد الرهان على عدم اتساق رؤية 2030 لا يخطئ، فصحيح أن نيوم يمكنها أن تحقق عوائد طويلة الأجل للمملكة العربية السعودية، لكن التاريخ يشير إلى وجوب توخي الحذر: فغالباً ما تبدو المشاريع العملاقة جيدة اقتصاديا على الورق، وهي تخدع العين بالتأكيد، لكنها في النهاية لا تقدم أي شيء تماماً مثل الضجيج في الحياة الواقعية.

خطوط الكوكايين أم تأثير الهرم؟

يحذر مايكل بيتيس، أستاذ المالية بجامعة بكين في الصين وكاتب حول النمو الاقتصادي العالمي، تحذيراً صارخاً بقوله: يجب أن يكون الإنفاق على البنية التحتية هو “كلفة للنمو، وليس سبباً له”. وقال إن أزمة الإسكان في الصين هي تذكير صارخ بأن الإنفاق على البنية التحتية يمكن أن يخلق “وهماً بالنمو” حتى عندما يكون مدعوماً باقتصاد صناعي كبير.

وقد ذكر لي إن: “في بداية التسعينيات، كانت الصين ريفية بنسبة 75 في المائة، لكن المصانع في أماكن مثل شينزين كانت بحاجة ماسة للعمال، لذلك ساعد الإنفاق على البنية التحتية في نقل مئات ملايين المزارعين قليلي الإنتاجية إلى المصانع حيث أصبحوا أكثر إنتاجية بكثير”. لكن ثاني أكبر اقتصاد في العالم وصل أيضاً لنقطة أصبح فيها بناء المساكن والبنى التحتية العامة سبباً للنمو.

“الإنفاق على البنية التحتية يشبه صنع خطوط الكوكايين. قال بيتيس: “عليك أن تصنع خطوطًا أكبر وأكبر وأكبر فقط لتشعر بالنشوة”.

مع مدينة ناطحات السحاب نيوم وذا لاين التي يبلغ مساحتها 170 كيلومتراً وارتفاعها 500 متر، تخطط المدينة لجذب تسعة ملايين شخص بحلول عام 2045 – إلى صحراء، وهي على عكس الصين، موطن للقبائل . ومع عدم وجد مصانع أو مراكز سكانية أو بنى أساسية فستكون مهمتهم بناء اقتصاد من الصفر.

عمل فني لهشام عبد ربه في جدة يتكون من 2800 قطعة نقدية تشكل صورة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

يقدم بيتيس تقييماً دامغاً: “لنكن واضحين: سيخلق بناء نيوم قدراً هائلاً من النشاط الذي قد يبدو كطفرة، لكن هذا لن يجعلهم أكثر ثراءً، بل سيعجل فقط ظهور أرباح مستقبلية بحيث سيجلبها للأمام”.

بعبارة أخرى، فإن الاندفاع الأولي للنشاط الاقتصادي لنيوم، إذا لم يكن مستداماً بوتيرة مماثلة، سيكون ببساطة عبارة عن “سرقة” للفوائد الاقتصادية المستقبلية لخلق وهم النمو في الوقت الحالي. ويمكن للمرء أن يقول إنه بمثابة بناء القلاع على الرمال.

هل يمكن أن تحفز نيوم النمو الذاتي بعد طفرة البناء الأولية؟ وهل انتقال السعوديين للعيش في مدينة نيوم سيجعلهم أكثر إنتاجية مما كانوا عليه في مدنهم الحالية، وهل سيتمكنون بالتالي من دفع النشاط الاقتصادي إلى أعلى بشكل مستدام؟ يشكك المحللون في ذلك.

لم يستجب جهاز “استثمر في السعودية” التابع لوزارة الاستثمار السعودية وجهاز ترويج الاستثمار في المملكة، لطلبات مقابلة صحيفة هآرتس. كما لم يرد مسؤول التواصل في نيوم على أسئلتنا، بما في ذلك النسبة المئوية لموظفي نيوم من المواطنين السعوديين وما هي جوانب نماذج الأعمال في نيوم التي تساعد في دعم الطرح القائل بأنها يمكن أن تخلق جدوى اقتصادية على المدى الطويل. (فالسعودية ليس لها علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل).

قال أندرو ليبر، الباحث السابق في دائرة الشؤون الحكومية بجامعة هارفرد والمختص بشؤون صنع السياسات السعودية: “قد يكون حجم وطموح نيوم مختلفاً، ولكن فكرة وجود مشروع ضخم جديد يعيد ترتيب الاقتصاد السعودي كلياً، أعتقد أن ذلك كان موجوداً في كل جيل”. وقال إن بعض جوانب نيوم، مثل تحسين القدرات الصناعية في السعودية، “أكثر قابلية للتطبيق من غيرها”.

لدى محمد بن سلمان طموحات لتحويل السعودية إلى قوة صناعية عالمية. فقد وافقت شركة لوسيد موتورز، التي تتخذ من كاليفورنيا مقراً لها بدعم من صندوق الاستثمار العام السعودي، على بناء مصنع في المملكة لإنتاج 155 ألف سيارة سنوياً بعد أن طلبت الحكومة السعودية 100 ألف سيارة من شركة صناعة السيارات الكهربائية الأمريكية.

لكن ربما لا يكون الدافع هو النمو المستدام على الإطلاق، بل خلق ما يسميه بيتيس “تأثير الهرم”. ستكون هذه محاولة لمحاكاة ملوك مصر القديمة الذين أعادوا توزيع الثروة على السكان من خلال الوظائف – بحيث يكون العمال بأجر هم من قاموا ببناء الأهرامات المصرية، وليس العبيد. فعلى الرغم من إعادة توزيع الثروة النفطية السعودية بالفعل على السعوديين العاديين من خلال وظائف القطاع العام والإعانات، تم الاحتفاظ بجزء كبير من الثروة وتخزينها في صناديق الثروة السيادية وسندات الخزانة الأمريكية.

ومن الناحية النظرية، فإن تدفق الأموال على المواطنين السعوديين من شأنه أن يحفز الاقتصاد المحلي غير النفطي. ولكن من الناحية العملية، من المرجح أن يتسبب تأثير الهرم أولاً وقبل كل شيء في حدوث تسربات اقتصادية، حيث أن المملكة تستورد معظم ما تستهلكه محلياً، بما في ذلك العمالة، على الرغم من أن “سعودة” سوق العمل هي إحدى الأولويات الرئيسية لرؤية 2030.

يمثل العمال المهاجرون حوالي 77 في المائة من وظائف القطاع الخاص. وفي نيوم، سيعمل المستشارون الغربيون ذوو الأجور المرتفعة على تلبية مطالب محمد بن سلمان، وسيعمل العمال الآسيويون ذوو الدخل المنخفض على بنائها، وتحويل الأموال السعودية إلى أوطانهم.

خطر الصحوة الوحشية

لفهم نيوم، يجادل المتحمسون لخطة الإصلاح في السعودية بأن المال ليس كل شيء. فقد حاز المشروع ومقاطع الفيديو الترويجية المثيرة الخاصة به على تغطية صحفية بالمليارات، وهي مساهمة كبيرة في خطة محمد بن سلمان لتجديد الصورة العالمية لأرض الإسلام، والتي ارتبطت منذ فترة طويلة بالتحفظ الشديد والإقصاء والقمع.

كما قامت الرياض بتلطيف حفل إطلاق المشروع بموجة من الإصلاحات الاجتماعية، مثل رفع الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارة. (فالسعودية تعدّ آخر دولة في العالم ترفع هذا النوع من الحظر، ولم تفعل ذلك كموقف مبدئي دفاعاً عن حقوق المرأة). لم تكن الفكرة لمجرد إثارة الضجة بين المستثمرين والجمهور العالمي، ولكن لزيادة الطموح بين السعوديين.

سيدة سعودية تقود سيارتها في مدينة جدة

يعد الهيكل الضخم لـ ذا لاين “التحدي العقاري الأكبر للبشرية”، كما زعم مسؤول في نيوم في أغسطس 2022 خلال مقابلة مع صحيفة ذا ناشيونال الإماراتية. فقد قال المدير التنفيذي للتطوير في ذا لاين، بشكل واضح، في إشارة إلى أطول مبنى في العالم، يقع في دبي: “نحن سنبني 120 عقاراً كبرج خليفة في المرحلة الأولى”.

ويبقى سكان ذا لاين البالغ عددهم تسعة ملايين شخص غير معروفين حتى الآن. فالمعلوم لنا هو أن 60 ناطحة سحاب تم بناؤها في مركز الرياض المالي لا تزال فارغة إلى حد كبير.

وتتجاهل الشمري النقد بقولها: “الجميع متحمسون ومتحمسون للغاية” في السعودية. لكن رفع طموحات الجيل السعودي الشاب بالمستقبل، وتسليط الضوء على ملكية محمد بن سلمان الواضحة للمشروع لإحداث ثورة اجتماعية واقتصادية، يتمثل الخطر في عواقب وخيمة إذا ما فشلت نيوم.

ماذا ستكلف الخسارة؟ بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فالخسارة المالية هائلة محتملة، وهي خسارة لا يمكن تعويضها بالوقت الذي تقضيه في التخيلات بدلاً من إيجاد الحلول الملموسة لمستقبل ما بعد النفط، وقد يؤدي هذا إلى فقدان الثقة في النظام، مما يعني وجود فرصة لوجود عدم استقرار سياسي.

وهذه هي النقطة التي قد يضطر فيها محمد بن سلمان، الذي عرف بتمتعه بدرجة عالية من البصيرة في أعماله وتركيزه للسلطة، إلى دفع تكاليف الإفلاس – سواء من خلال الاعتراف بمسؤوليته الكاملة عن الفشل أو من خلال نشر المزيد من الأساليب الاستبدادية لسحق المعارضة. والمسار الأخير، بالطبع، هو ما اختاره شاه إيران الراحل، والذي كان له نتائج سيئة.

شاهد أيضاً

كيف انكسر “مخلب النسر” الأمريكي في إيران؟

الشرق اليوم- رافق سوء الحظ خطة “مخلب النسر” الأمريكية لتحرير الرهائن في إيران في أبريل …