الرئيسية / مقالات رأي / سوق العمل الأمريكي لا يناسب التضخم

سوق العمل الأمريكي لا يناسب التضخم

بقلم: كونور سن – صحيفة الاتحاد

الشرق اليوم- لن يثني تقريرُ الوظائف القوي، الصادر مؤخراً، مجلسَ الاحتياطي الفيدرالي عن وجهة النظر القائلة بأن سوق العمل لا يزال محموماً للغاية، بحيث لا يتوافق مع هدف التضخم البالغ 2%. على مدى الأشهر الستة الماضية، أوجد الاقتصاد الأمريكي ما معدله 381 ألف وظيفة شهرياً، مقارنةً مع وتيرة شهرية سابقة على جائحة “كوفيد-19” تقل عن 200 ألف وظيفة.

لكن بالنظر إلى بعض التحولات الأخرى التي تحدث في الاقتصاد، فإن إضافة وظائف بهذه السرعة تجعل فترة التباطؤ الدوري للاقتصاد، لتجنب الركود في سوق العمل، أكثر احتماليةً مما لو كان النمو قد تباطأ بالفعل. إنه يمنح الاحتياطي الفيدرالي مزيداً من الحماية لإبطاء الأمور دون أن ينهار الاقتصاد.

لنبدأ بالتفكير في نوع بيئة سوق العمل التي ستكون متوافقةً مع التباطؤ الاقتصادي. على الرغم من أن هذا سيعتمد على مجموعة من العوامل -مثل الأحداث العالمية (الحرب في أوكرانيا)، وقضايا سلاسل التوريد وإنتاجية العمالة- فإن نمو الوظائف شهرياً بنحو 175000 وظيفة ونمو الأجور بأقل من 4% سيكون قريباً جداً من اتجاه ما قبل الوباء.

ووفقاً لتقرير الوظائف، بلغ نمو الأجور على أساس سنوي 5.2% في أغسطس. لذلك إذا كان إطار العمل الخاص بنا صحيحاً، فإن تحقيق التباطؤ الدوري للاقتصاد لتجنب الركود يتطلب تقليل وتيرة نمو الوظائف الشهرية بحوالي 200000 وتقليل نمو الأجور بنحو 1.25%.

ويُعد هذا قدراً كبيراً من التباطؤ، نظراً للاتجاه الأخير، لكن إذا كنتَ صانع سياسة، فيجب أن تجده مشجعاً. إنه يتيح مساحةً لا بأس بها لتباطؤ الأمور قبل أن نقع في ركود. وهذا يمنح الاحتياطي الفيدرالي متسعاً من الوقت لتغيير المسار إذا سارت الأمور نحو الأسوأ. إنه وضع أفضل مما لو كان نمو الوظائف قد تباطأ كثيراً بالفعل، لكن مع بقاء نمو الأجور قوياً عند المستويات الحالية.

لدينا الآن سوق عمل يتحرك نظرياً بسرعة 85 ميلاً في الساعة. إن إضافة 381 ألف وظيفة شهرياً يجعل المحصلة السنوية هي 4.5 مليون وظيفة، وهذا أسرع نمو وظائف مقارنة باقتصاد الولايات المتحدة طوال تاريخه. ويمكن أن يتباطأ العدد بمقدار 200000 وظيفة شهرياً، ولعله هدف الاحتياطي الفيدرالي، خاصة أنه لا يزال لدينا سوق عمل يضيف وظائفَ بالسرعة التي كنا عليها قبل الوباء.

وهناك بالطبع بعض علامات الاستفهام المرتبطة بهذا السيناريو. ما زلنا بحاجة إلى إبطاء نمو الأجور أيضاً، ولا نعرف كيف ستسير الأمور، على الرغم من أننا بدأنا بالفعل في رؤية علامات تباطؤ في بعض الصناعات التي كانت أول من شهد نمواً في الأجور العام الماضي. فقد بلغ نمو الأجور للعاملين في صناعة الترفيه والضيافة ذروتَه بأكثر من 13% وانخفض بالفعل إلى 8.6% على أساس سنوي، وحتى أبطأ من ذلك في آفاق زمنية أقصر. كما شهدنا تباطؤاً مماثلاً في نمو الأجور للعاملين في صناعة النقل والتخزين، حيث لم تعد شركات التجارة الإلكترونية تعاني من نقص العمالة كما حدث في العام الماضي. في حين أنه ليس مؤكداً، فمن المنطقي أنه مع تباطؤ ظروف سوق العمل على نطاق أوسع، سنرى المزيدَ من علامات تراجع نمو الأجور.

هناك أيضاً سؤال مهم حول نمو الإنتاجية، والذي كان سيئاً هذا العام وساهم في مزيج من التضخم المرتفع ونمو الإنتاج الضعيف الذي رأيناه. أحد التفسيرات هو أن الشركات عانت من أجل ضم ملايين العمال الذين وظّفتهم خلال العام الماضي، حيث يستغرق العمال الجدد وقتاً حتى يواكبوا السرعةَ. الأمل هو أن يكون هذا مجرد تأثير جماعي. توجد في الاقتصاد الأمريكي نسبة عالية بشكل غير عادي من العمال عديمي الخبرة في الوقت الحالي، وبمرور الوقت سيصبحون منتجين كما كان العمال دائماً.

وإذا كان الأمر كذلك، فإن العودة إلى ظروف سوق العمل التي كانت سائدةً قبل الوباء يجب أن تكون كافية لتحقيق تباطؤ دوري في النمو الاقتصادي لتجنب الركود. وإذا كان هناك شيء ما قد تغير بالفعل بشكل جذري في سوق العمل، فربما لن يكون ذلك كافياً، وهناك سيناريوهات أكثر صعوبة يجب أخذها في الاعتبار.

هذه برمتها قصة لعام 2023. وفي الوقت الحالي، لا يزال زخم سوق العمل قوياً، حتى بعد كل الزيادات في أسعار الفائدة وتشديد الأوضاع المالية هذا العام. ومن الواضح أن لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي المزيد من العمل للقيام به. لكن هناك متسع كبير لسوق العمل للتباطؤ قبل القلق بشأن الركود، ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن التباطؤ الدوري في النمو الاقتصادي لتجنب الركود مهمة يستحيل التغلب عليها.

شاهد أيضاً

عند الأفق المسدود في غزة

بقلم: عبدالله السناوي – صحيفة الخليج الشرق اليوم- استغلقت حرب غزة على أي أفق سياسي …