الرئيسية / مقالات رأي / تغيير الجبهات… هل يعدّل في أهداف روسيا؟

تغيير الجبهات… هل يعدّل في أهداف روسيا؟

بقلم: أسعد عبود – النهار العربي

الشرق اليوم– الهجوم الأوكراني المضاد الواسع على القوات الروسية على جبهة خاركيف في شمال شرقي البلاد، لن يعدو كونه فصلاً من فصول حرب لن تنتهي في القريب العاجل، وكل التقديرات تتوقع حرب استنزاف طاحنة قد تستغرق سنوات.   

من المؤكد أن الرئيس زيلينسكي والغرب كانا في حاجة إلى إظهار فائدة الدفعات التسليحية المتتالية من أمريكا ودول أوروبية لكييف، فكان الهجوم المضاد الذي يقوّي موقع الزعيم الأوكراني ويضعف الروح المعنوية للقوات الروسية، التي باتت في موقع دفاعي، بعدما كانت تمتلك اليد العليا في الميدان.  

الآن، تشهد أوكرانيا انقلاباً في موازين الميدان، فكيف يمكن أن يوظف في السياسة، وهل من الممكن أن يحمل موسكو على تخفيف شروطها لبدء التفاوض، والتواضع في قائمة المطالب التي ستطرحها لإبرام تسوية مع أوكرانيا؟ أم أن ما يجري في الميدان الآن، قابل للتغير بعد فترة إذا تمكنت القوات الروسية من التقاط أنفاسها وشن ضربات معاكسة، ما يجعل المعارك عبارة عن كر وفر، من دون أن يمتلك أي طرف ما يكفي من القوة لحسم الحرب؟  

تساؤلات كثيرة تدور الآن على ألسنة المعلقين والمراقبين لخطوط الجبهات في أوكرانيا، من دون أن تلقى جواباً شافياً، لكن لا بأس من الغوص في التحليل وإجراء قراءة هادئة وسط هذا الاحتدام في الميدان.  

لم تعد هذه الحرب حرباً روسية – أوكرانية، إنها حرب عالمية تدور على أرض أوكرانيا. والمساعدات العسكرية الأمريكية غير المسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية التي تقدم لأوكرانيا، لا يمكن النظر إليها إلا على أنها حرب بالوكالة، الغاية منها إلحاق الهزيمة بروسيا على نحو لا يعود في مقدورها معاودة الكرة ومهاجمة دولة جارة في المدى المنظور. أي إنها حرب إنهاك روسيا. والجميع يتذكر كلام وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن عن “إضعاف” روسيا.

والعقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على روسيا وهي غير مسبوقة من حيث اتساعها وسرعتها، تعتبر تدخلاً فعالاً أيضاً في حرب اقتصادية تعادل وربما أقسى من الحرب الميدانية.

إنها تطاحن جيوسياسي عالمي. الرئيس الروسي كرر في غير مناسبة أنه هاجم أوكرانيا من أجل إسقاط نظام القطب الواحد الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة منذ ثلاثة عقود ونيف. وهذا ليس هدفاً روسياً فقط، بل إن الصين تشارك الرغبة الروسية في إقامة عالم متعدد القطب.  

النجاح العسكري الروسي في أوكرانيا، يساهم في تحقيق مرامي بوتين والصين. لذلك يجب على الغرب إرغام روسيا على التراجع في الميدان كي تتواضع في أهدافها الجيوسياسية، وتقنع بأن كسر الأحادية الأمريكية غير ممكن في المدى المنظور، لأن الولايات المتحدة، على رغم تراجعها عالمياً، غير مستعدة للتنازل عن مكانتها لدولة أخرى. ويجب النظر بتمعن إلى ما يجري في المحيطين الهادئ والهندي، من مواجهة شرسة مع الصعود الصيني. وكل التحذيرات الصينية لم تسهم في ردع رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي عن إنهاء حياتها السياسية بزيارة لتايوان.

أي رؤية لا تأخذ في الحسبان هذه الإحاطة الشاملة للحرب الأوكرانية، تبقى منقوصة ومعرّضة للغرق في التفاصيل اليومية للجبهات. إن حرباً بهذا الاتساع والاحتدام يتعين وضعها في إطارها الجيوسياسي.

ربما تخسر روسيا مدناً وبلدات عدة على هذه الجبهة أو تلك، لكن هل يساهم ذلك في تغيير الغرض الذي ذهبت من أجله إلى الحرب؟ أي هل تقبل تحت أي ظرف من الظروف بأن يتمدد حلف شمال الأطلسي نحو الحدود الروسية، وبأن تتخلى عن السعي إلى عالم متعدد الأقطاب؟ 

هذا هو السؤال الجوهري. وهذا ما يجب النظر إليه وسط السعي الغربي المحموم إلى إحداث تغييرات على خطوط الجبهات من خاركيف إلى خيرسون.

شاهد أيضاً

عند الأفق المسدود في غزة

بقلم: عبدالله السناوي – صحيفة الخليج الشرق اليوم- استغلقت حرب غزة على أي أفق سياسي …