الرئيسية / مقالات رأي / Foreign Policy: الولايات المتحدة تحارب التضخم عبر استذكار التاريخ

Foreign Policy: الولايات المتحدة تحارب التضخم عبر استذكار التاريخ

بقلم: آدم توز

الشرق اليوم- خلال اجتماع سنوي لمحافظي البنوك المركزية وخبراء الاقتصاد في “جاكسون هول”، في ولاية “وايومنغ”، اتجهت جميع الأنظار إلى رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، جيروم باول، حيث كان قد أعلن خلال مؤتمر السنة الماضية بدء حقبة جديدة في السياسة الاقتصادية، وارتكز توقّعه حينها على فرضية مرتبطة بتراجع التضخم في تلك الفترة، وكان يُفترض أن يستهدف الاحتياطي الفدرالي متوسط التضخم مستقبلاً، فيطلق مراحل من التضخم المنخفض (أقل من 2% سنوياً) مقابل تسريع زيادة الأسعار، لكن يبدو ذلك العالم بعيداً جداً عن الواقع اليوم. يفوق التضخم في الولايات المتحدة راهناً عتبة 8%، وهو المعدل الأسرع منذ السبعينيات، ونظراً إلى هذه التطورات الاستثنائية، اضطر باول للتأكيد على جدّية الجهود التي يبذلها الاحتياطي الفدرالي لكبح التضخم، لكنه لم يستعمل هذه المرة النظريات الاقتصادية أو الاقتصاد القياسي لطرح أفكاره، بل لجأ إلى التجارب التاريخية.

ألقى باول خطاباً مليئاً بمراجع تعود إلى حقبة السبعينيات والثمانينيات، وعبّر عن احترامه لثلاثة من أسلافه: بول فولكر، وآلن غرينسبان، وبن بيرنانكي، لقد أراد بذلك أن يؤكد على عدم اتخاذ البلد منحىً رجعياً في المستقبل، حتى لو كنا لا نعيش اليوم في الحقبة التي اعتبرها بيرنانكي “الاعتدال العظيم”، فنحن لن نعود إلى فترة السبعينيات حيث واجه الاحتياطي الفدرالي مشاكل التضخم سريعاً ثم تابع مساره، وسيكون الوضع مختلفاً هذه المرة.

استنتج محافظو البنوك المركزية أهمية التوقعات في فترة التضخم خلال السبعينيات أيضاً، وقال فولكر في عام 1979: “التضخم يتغذى من نفسه جزئياً، لذا يقضي جزء من مهمة استرجاع اقتصاد أكثر استقراراً وإنتاجية بكسر توقعات التضخم”، ثم استفاض باول في كلامه قائلاً: “كلما طالت مدة التضخم المرتفع، زاد احتمال أن تترسخ التوقعات المرتبطة بارتفاع التضخم”.

لكن ذكر باول في خطابه أن الواقع مختلف جداً اليوم، إذ يجذب التضخم في الوقت الراهن انتباه الجميع، ومن خلال الاعتراف بهذه الحقيقة، حقق باول هدفاً مقصوداً واحداً على الأقل، فوجّه رسالة مفادها أن الاحتياطي الفدرالي يواكب المستجدات، مما يعني أن يتابع رفع أسعار الفائدة على دفعات كبيرة وغير مألوفة تتراوح بين 50 و75 نقطة أساس، إلى أن يصبح التضخم تحت السيطرة، ورداً على هذه التدابير، سجلت أسواق الأسهم الأميركية أسوأ يوم لها منذ أشهر، فتراجع مؤشر “ناسداك 100” بنسبة 4%.

هذه التطورات زادت التوقعات حول حصول ركود حتمي، لكن إلى أي حد سيسوء الوضع المرتقب؟ أكد باول أن الهدف الفعلي من تشديد التدابير العاجلة التي فرضها الاحتياطي الفدرالي يتعلق بتجنب الضغط المطوّل الذي اضطر فولكر لفرضه على الاقتصاد الأميركي خلال الثمانينيات، ففي النهاية، لا أحد يصدّق أن الضغوط التضخمية في عام 2022 تقترب ولو بدرجة بسيطة من التدابير الصارمة التي اضطر فولكر للتعامل معها عام 1979، وفي تلك الفترة، بدأت الثقة بالدولار تنهار، أما اليوم، فلا تزال الثقة بهذه العملة كبيرة، بعبارة أخرى، يتلاشى احتمال أن ينشأ تضخم جامح بما يشبه فترة السبعينيات، أو أن يحصل هبوط حاد على طريقة الثمانينيات في عام 2022.

قد تكون النبرة المستعملة في مؤتمر “جاكسون هول” جدّية لأقصى الدرجات، وقد اختار باول كلماته بعناية واضحة، لكن من خلال مواجهة ارتفاع الأسعار اليوم عبر استذكار “التضخم العظيم” في السبعينيات، يصعب ألا نلاحظ أننا أمام مسرحية تاريخية صامتة حيث يقدم الممثلون أدواراً مألوفة ويستعملون إيماءات مبالغاً فيها بدل تقديم أداء واقعي، وحيث يعرف الجمهور مسبقاً اللحظات التي تستحق الهتاف أو الاستهجان، لكن قد يجازف هذا الاستعراض بخسارة عشرات ملايين الوظائف ويُهدد مصير الاقتصاد العالمي كله.

شاهد أيضاً

سوريا وروسيا.. الفرص الناشئة

بقلم: عبدالحميد توفيق- العينالشرق اليوم– تدرك موسكو أن سوريا تشكل أحد التحديات الاستراتيجية المهمة التي …