الرئيسية / اقتصاد / Project Syndicate: ثغرات تتخلل الحديث بشأن الركود

Project Syndicate: ثغرات تتخلل الحديث بشأن الركود

بقلم: جيم أونيل

الشرق اليوم- تواجه الاقتصادات المتقدمة تحديات كبيرة، من أهمها استمرار ضعف نمو الإنتاجية، مما له آثار سلبية على العديد من المجالات الأخرى من مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وسنواجه تحديات هائلة ومتكررة في السنوات القادمة مهما كانت الظروف، وسنشعر ببعض الارتياح عندما ندرك أن التشاؤم نال منا.

كَثُر الحديث عن الركود، والتضخم، والركود التضخمي خلال الأشهر الأخيرة، مما يدفعنا إلى التساؤل عما إذا كان التشاؤم السائد له ما يبرره، وعلى الرغم من أنني أشاطر الآخرين هذه النظرة التشاؤمية (التحذير في وقت مبكر من أن هذا العام قد يكون “سيئًا بالنسبة للأسواق”)، فإنني بدأت أفكر مليا في آرائي السابقة لأربعة أسباب.

أولاً، استرعى انتىباهي مدى انتشار الحديث عن الركود الاقتصادي، إذ يبدو أن الجميع تقريبا يعتقدون أن البلدان المتقدمة إما تتجه نحو الركود أو تعيش بالفعل حالة ركود، وأجريت عدة مقابلات مع مستشاري الأعمال الذين يريدون جميعا أن يعرفوا “كيفية الاستعداد للركود”؛ وقلت لأحدهم إنني لم أر من قبل ركوداً قائما على توقعات مؤكدة مثل الذي من المفترض أننا نعيشه حاليا.

وعلى أي حال، فإن السبب الرئيس لكون “الركود” كلمة مرعبة هو أن فترات الركود عادة ما تكون غير متوقعة، إذ غالبا ما لا يتنبأ بها الاقتصاديون إلا بعد حدوثها بالفعل، وهذا ما حدث في الفترة 2007-2008 (التي كانت فريدة إلى حد ما)؛ ومرة أخرى في عام 2020، بعد اندلاع جائحة كوفيد19، وحتى الآن، حتى بعض البنوك المركزية (وبالتحديد، بنك إنكلترا) تتنبأ علانية بحدوث ركود في وقت لاحق من هذا العام. فهل تحسنت التوقعات الاقتصادية فجأة أم أن هناك شيئًا آخر يحدث؟

صحيح أن النمو السلبي للناتج المحلي الإجمالي خلال ربعين متتاليين عادة ما يعتبر إشارة على أن الاقتصاد يعيش حالة ركود؛ ويبدو أن الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة قد انخفض في الربعين الأولين من هذا العام، ولكن، بالتأكيد، يجب أن نأخذ في الاعتبار الأسباب المحدِدة للانكماش الظاهر، ويدل بعضها، مثل الانخفاض الكبير في المخزونات، على الاقتصاد الواسع النطاق الذي يتناقض مع المؤشرات الأخرى، فعلى سبيل المثال، كان تقرير التوظيف لشهر يوليو الصادر عن مكتب الولايات المتحدة لإحصائيات العمل أقوى مما كان متوقعا بصورة ملحوظة وفي ضوء هذه البيانات، لن أتفاجأ إذا أعلن المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية (الحكم الرسمي) أن الولايات المتحدة ليست في حالة ركود.

والسبب الثاني الذي يثير شكوكي بشأن الحديث السائد هو أنه لا تشير جميع المؤشرات المتوسطة والطويلة الأجل إلى ارتفاع التضخم بصورة مستدامة، فقد يكون مؤشر ميشغان لتوقعات التضخم لخمس سنوات والذي يحظى بأشد مراقبة قد ارتفع لفترة وجيزة فوق 3 في المئة، لكنه تراجع منذ ذلك الحين إلى 2.9 في المئة، مما يشير إلى أن المستهلكين العاديين يعتبرون الارتفاع الهائل في التضخم هذا العام مؤقتا. نعم، إذا كنت عضوا في مجلس الاحتياطي الفدرالي، فمن السابق لأوانه أن تكون واثقا جدا من هذه النتيجة، ولكن إذا استمرت معنويات المستهلكين في التراجع في الأشهر المقبلة، فأعتقد أن بنك الاحتياطي الفدرالي سيصبح أقل صرامة.

ثالثا، في حين أن أسعار العديد من السلع الأساسية لا تزال مرتفعة بصورة ملحوظة منذ هذا الوقت من العام الماضي، فقد تراجعت أيضا في الأسابيع الأخيرة، وإذا ظلت مستقرة نسبيا، فإن التضخم الرئيس في العديد من البلدان سيبدأ بالانخفاض، ربما إلى حد كبير، ومن المثير للاهتمام، أنه في حين تحظى توقعات بنك إنكلترا التي تشير إلى ارتفاع معدلات الركود والتضخم باهتمام كبير، بالكاد لاحظ قليل من الاقتصاديين أن البنك المركزي يتوقع في نهاية المطاف أن ينخفض التضخم بصورة حادة عن الذروة المرتفعة المتوقعة خلال معظم عام 2023.

والسبب الأخير هو أنه في معظم ملاحظات الأبحاث المتعلقة بالبنوك الاستثمارية في الوقت الحاضر، هناك افتراض قوي بأن البنوك المركزية ستتصدى بقوة لأي انتعاش في الأسواق المالية، لأنها لا تتحمل تكلفة تخفيف الظروف المالية في الظروف الحالية التي تعرف انخفاض معدلات البطالة، وضغوط الأجور المتزايدة، ومخاوف بشأن التضخم، ومع ذلك، رغم أن هذا هو بالتأكيد االكلام الذي يسمعه المرء من محافظي البنوك المركزية، فإنني أفضل الاعتماد على القول الذي مفاده أن “الشيء الوحيد المؤكد، هو أن محافظي البنوك المركزية سيغيرون رأيهم في مرحلة ما بشأن المناخ الاقتصادي”.

لا أحد مستبصر، فتذكر أنه طوال عام 2020 ومعظم عام 2021، كان الإجماع بين محافظي البنوك المركزية على أن التضخم كان عابرا، ورغم أنهم غيروا نبرة كلامهم منذ ذلك الحين، فقد يتبين في آخر المطاف أنهم لم يكونوا مخطئين تماما.

ومرة أخرى، من السابق لأوانه أن نبالغ في التفاؤل؛ فأنا لا أريد أن أعطي انطباعا بأن مخاوف الركود لا مبرر لها، وإذا تمت معالجة التراجع الأخير في الإشارات التضخمية (مثل أسعار السلع، والمنازل، والسيارات المستعملة) والتوقعات التضخمية طويلة الأجل، فسيتعين علي أن أتراجع عما أقول، ولكن نظرا لتجربتي مع الأسواق المالية على مدى 40 عاما، دائما ما يثير فضولي إجماع قوي كهذا بشأن شيء ما، خاصةً عندما تتعارض معه بعض الأدلة الفعلية.

وعلى أي حال، آمل بالتأكيد أن يكون التشاؤم مبالغا فيه، إذ تواجه الاقتصادات المتقدمة تحديات كبيرة، من أهمها استمرار ضعف نمو الإنتاجية، مما له آثار سلبية على العديد من المجالات الأخرى من مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وسنواجه تحديات هائلة ومتكررة في السنوات القادمة مهما كانت الظروف، وسنشعر ببعض الارتياح عندما ندرك أن التشاؤم نال منا.

شاهد أيضاً

السوداني: حركة العصائب تسهم اليوم في دعم مسار الدولة

الشرق اليوم– حضر رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أمس الجمعة، الاحتفالية التي أقيمت …