الرئيسية / مقالات رأي / شيفرة الحل ومنع الصدام في العراق

شيفرة الحل ومنع الصدام في العراق

بقلم: نضال منصور – الحرة

الشرق اليوم- المشهد العراقي يبدو قاتما، وبلا أفق سياسي، والجسور التي شيدتها المصالح، وتقاسم السلطة في السنوات الماضية بين حلفاء الأمس، وخصوم اليوم احترقت، وآيلة للسقوط.

منذ الانتخابات البرلمانية التي جرت قبل نحو تسعة شهور والمكاسرة السياسية مستمرة، والعملية السياسية مجمدة، والبحث عن تفاهمات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه يسير في طريق مسدود.

السؤال المقلق في العراق اليوم، وهناك من يضع يده على الزناد، هل يمكن أن يتصالح المتخاصمون ويجلسوا على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حلول؟ أم أن المكاسرة السياسية التي انتقلت إلى الشارع ستفتح باب جهنم على صدامات مسلحة، بعد أشهر من التحريض والحقن المتبادل؟

لا توجد إجابات حاسمة وقاطعة، والمراقبون للداخل العراقي يعتقدون أن ما يحدث ليس سوى استعراض للقوة، ومعركة عضّ أصابع لتحقيق مكاسب سياسية، وجس النبض للوصول إلى تنازلات وتسويات سياسية.

“توازن الرعب” بين التيارات المتصارعة؛ التيار الصدري بنفوذه الكبير في الشارع والأسماء الكثيرة والمتعددة لميليشياته، والإطار التنسيقي بتنوع عناوينه وأسماء زعمائه وقاعدته العسكرية وعمادها الحشد الشعبي، يوحي أن الأمور لن تصل حد الانفلات، فالأطراف كلها ستكون خاسرة، والبيت الشيعي سيتهاوى من الداخل، والعملية السياسية برمتها ستنتهي، وسيدخل العراق في نفق مظلم، وهذا ما لا يريده جيران العراق، حتى من يعبث باستقلاليته وقراره، ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يصمت حياله أو يغض الطرف عنه.

صعد المتخاصمون في العراق إلى أعلى الشجرة، وحان الوقت لينزلوا عنها، الزعيم مقتدى الصدر لا أعتقد أنه كان يتوقع أن تصل الأمور إلى هذا الحد، وكان يريد التصعيد ليقطف الثمار، لا التصعيد ليجد نفسه خارج البرلمان، وخارج اللعبة السياسية، ويرى خصومه قد أداروا ظهرهم له، وعلى استعداد للمضي في العملية السياسية بدونه، ويقومون بحشد جاد لعقد جلسة لثلثيّ البرلمان لانتخاب رئيس للجمهورية، وتكليف رئيس للوزراء، ولهذه الغاية يحاولون استمالة، وتغيير مواقف الأكراد، والسنة المؤيدين للتيار الصدري، والذين يدعمون مطلبه بضرورة حل البرلمان، وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة.

جرب مقتدى الصدر في الأشهر الماضية كل شيء؛ حاول تغيير التحالفات داخل البرلمان، سعى لاستقطاب المستقلين، ثم لوّح باستقالة نوابه في البرلمان، وحتى لا يُتهم بالكلام والمقايضات، استقال نوابه وانتقل إلى الشارع ليفرد عضلاته الشعبية في السيطرة على البرلمان والمرابطة في المنطقة الخضراء في عصيان وتمرد على الدولة التي يراها عنوانا للفساد.

طلب الصدر من مجلس القضاء حل البرلمان، فأجاب أنه لا يملك الصلاحية لفعل ذلك، وأنه يريد أن يظل خارج الصراعات السياسية.

“الفرصة الأخيرة” هذا عنوان المسيرة المليونية التي دعا لها الصدر من ساحة التحرير إلى ساحة الاحتفالات بالمنطقة الخضراء، وعنوان المظاهرة فيه وعيد وتهديد لخصومه، والمجهول حتى الآن ماذا بعد المسيرات والاحتجاجات؟

لا يبدو “الإطار التنسيقي” بحال أفضل بكثير، فهو استنزف كل محاولات الشد والجذب، ويدرك أن مقتدى الصدر ليس وحده، وهناك مكون رئيسي؛ كردي وسني داعم له بالداخل العراقي، وفي الخارج هناك من ينظرون له باعتباره مخلص العراق من التبعية لإيران.

لم يترك “الإطار التنسيقي” الملعب للتيار الصدري لينفرد به، يلاحقونه في الشارع يتظاهر ويحتل البرلمان، فينصبون خيمهم في مكان ليس ببعيد، يهدد بالتصعيد فلا ينتظرون ويباشرون هم بالتصعيد أيضا، وأثناء هذه المناوشات يجدون الوقت لزيارات إلى كردستان لعلهم يحدثون اختراقا في صفوف تحالف الصدر مع الكرد.

حتى اللحظة لا يقبل الإطار التنسيقي، الذي يقوده نوري المالكي، أن يفرض الصدر أجندته السياسية على الجميع، ولهذا فهم متمسكون بموقفهم من رئاسة الجمهورية، ورشحوا محمد شياع السوداني رئيسا للوزراء، وهي القشة التي قصمت ظهر العلاقات مع الصدر، وحين استقال نواب التيار الصدري لم يفوتوا الفرصة لتعبئة المقاعد البرلمانية، ليصبحوا، حسب رؤيتهم، الكتلة النيابية الأكبر.

الإطار التنسيقي كان، وما زال، يريد حكومة ائتلافية بين القوى السياسية تُعيد إنتاج التوازنات الطائفية، ولا تُخل بها، والصدر يرى أنه الأجدر بتشكيل حكومة أغلبية بعيدا عن المُحاصصة التي اُتبعت منذ سقوط نظام صدام حسين، وتُغازل في الوقت نفسه شعارات حراك تشرين.

الإطار متمسك بالمضي بالعملية السياسية؛ بانتخاب رئيس للجمهورية، وتكليف رئيس للوزراء، والصدر يسير بالاتجاه المعاكس، ويريد حل البرلمان، وانتخابات مبكرة، وما بين هذا الضجيج المحفوف بالمخاطر يبقى الأمل والرهان على قرار المحكمة الاتحادية لعلها تقول الكلمة الفصل، فتقطع الطريق على صراع قد ينفجر في أي وقت، وتُلزم الجميع بالعودة إلى ثكناته.

وبالتوازي فإن شيفرة أخرى للحل بدأت تنمو، وتتضح ملامحها، ويُشيع مقربون من دوائر السلطة أن رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، أوشك على ترتيبات تنزع صاعق الانفجار، وتُعيد التهدئة والهدنة.

وفي التفاصيل أن الكاظمي شارف على اتفاق الفرقاء على البدء في حوار مباشر برعاية الحكومة، وهذا قد يُنتج اتفاقا على رئاستي الجمهورية والوزراء، على أن يستمر البرلمان الحالي لعامين، ويحسم الحوار موعدها، وقانونها، والمفوضية التي ستُجريها.

الإطار التنسيقي، على ما يبدو، أبلغ الكاظمي بالموافقة على الحوار، والصدر حتى الآن لم يقل كلمته، والأرجح أنه لن يقاطعه.

الأبواب المغلقة يبدو أنها فُتحت وأصبحت مواربة، والكاظمي إن نجح في احتواء الاحتقان وإيجاد حل توافقي، لن يمنع الانفجار فقط، وإنما سيُعيد تأهيل نفسه، ويُقدم أوراقه كلاعب رئيسي يحتاج له الداخل والخارج.

شاهد أيضاً

سوريا وروسيا.. الفرص الناشئة

بقلم: عبدالحميد توفيق- العينالشرق اليوم– تدرك موسكو أن سوريا تشكل أحد التحديات الاستراتيجية المهمة التي …