الرئيسية / مقالات رأي / في انتظار الخروج من المتاهة العراقية

في انتظار الخروج من المتاهة العراقية

بقلم: فاروق يوسف – النهار العربي

الشرق اليوم- لم تشب الانتخابات التشريعية التي أجريت في العراق نهاية عام 2021 أية شائبة تزوير أو سرقة للأصوات، لذلك لا تجوز إعادتها. مَن يجرؤ على قول ذلك؟ لقد فرض مقتدى الصدر منطقه على الجميع، إما إعادة الانتخابات أو الحرب الأهلية التي كان خصمه نوري المالكي قد أكد أنها واقعة لا محالة في ظل الانسداد السياسي.

راهن الصدر على شعور خصومه بالخذلان بسبب الموقف الإيراني “المحايد” على الأقل صورياً، كما أن شعبيتهم في انخفاض مستمر. في الوقت نفسه انتهى الطرفان (الصدر وخصومه) إلى حافات الهاوية وهو ما صارا يلوحان به. فإما أن يقتتلا أو يذهبا إلى الوسيط الشعبي الذي صار جاهزاً للقبول بدولة الصدر بدلاً من دولة “الحشد الشعبي”. صار واضحاً أن فكرة السلام الأهلي التي عرضها الصدر لها ثمنها الذي هو ليس أقل من التخلص من الطبقة السياسية التي بات وجودها ثقيلاً على النظام بل أنه قد يكون سبباً في فنائه. وإذ يلوح الصدر بالانتخابات حلاً وحيداً للأزمة فإنه يسعى كعادته إلى إنقاذ النظام الذي يعرف أنه يسند وجوده باعتباره ممثلاً للطائفة الشيعية. وهو اليوم يسعى إلى أن يكون الممثل الوحيد.

من وجهة نظره، فإن العراق في حاجة إلى نظام سياسي جديد يُعيد ترميم نظام المحاصصة الذي فرضه الدستور. ولكن، هناك إمكان لتغيير الدستور. ذلك ما سيُحدث أزمة لاحقة. فليس من الدستور مثلاً أن يكون رئيس العراق كردياً. تلك واحدة من مفردات عديدة ستقف حائلاً من دون الاستمرار في الدعوة إلى إصلاح النظام من أجل إعادة ترميمه. ما بات معروفاً أن الصدر لم يتشاور مع حلفائه من الأكراد والسنّة، أولاً حين انسحب من العملية السياسية وثانياً حين دعا إلى حل البرلمان والاستعداد لانتخابات جديدة.

وفي ما يتعلق بالجزء الثاني من المفاجأة، فإن ذلك يعني إضافة عشرة أشهر خاوية إلى الأشهر العشرة التي مضت من أجل الاعداد لانتخابات جديدة يعوّل الصدر على نتائجها في حسم صراعه مع الطبقة السياسية الشيعية التي صار وجودها بالنسبة إليه عائقاً يحد من حريته في التصرف بما صار يراه فرصته التاريخية في التغيير. ذلك وعده الرومانسي الذي لم يسنده ببرنامج عمل سياسي وبخطة اقتصادية مرسومة سلفاً للأربع سنوات المقبلة.

واللافت في الأمر أن مقتدى لم يتخلّ في خطاباته ومنشوراته عن لغته الطائفية، لا لأنه تربى عليها حسب، بل لأنه أيضاً يتوهم أنها اللغة الوحيدة التي يستطيع من خلالها الاحتفاظ بشعبيته بين فقراء الشيعة الذين ذاقوا الضيم عبر العشرين سنة الماضية بسبب سياسة العزل والتهميش والاستبعاد التي مارستها الأحزاب الشيعية التي استولت على السلطة وفي مقدمها حزب “الدعوة” ونوري المالكي هو رمزه الأكثر فساداً. ولأن شعب تلك الأحزاب يقيم في معظمه خارج العراق، فإن شيئاً غير قليل من ثروة العراق لم يكن يذهب إلى شيعة الداخل. حتى داخل النظام الطائفي كان هناك تمييز بين أبناء الطائفة الواحدة. كان التعالي الذي يمارسه أعضاء حزب “الدعوة” على فقراء الشيعة عنواناً لطبقة صاعدة لا تملك مؤهلاً سوى المذهب الذي صار لا يساوي شيعياً بشيعي آخر. صار انتماء المرء إلى أحزاب السلطة هو المؤهل الوحيد الذي يجعل منه كائناً متميزاً. يعرف مقتدى ذلك ويعرف أكثر منه. لذلك فإنه يعزف على أوتار الطائفية لئلا يُتهم بالخروج على المذهب. فهل يمكن القول إن الصدر طائفي، كان وسيكون كذلك؟ حتى اللحظة الرجل يبدو كذلك. إنه لا يرى معنىً لوجوده إلا من خلال عمامته السوداء.

حين تخلى الصدر عن انتصاره الانتخابي كان يخطط للانقلاب على الدستور. وهو ما فعله. كل التوقيتات الدستورية تم الغاؤها ولم يعد الذهاب إلى المحكمة الاتحادية نافعاً. بضربة واحدة محا ما كان خصومه قد خططوا له. احتل البرلمان لأيام فضاعت العملية السياسية. وهو ما كشف بطريقة لا تدعو إلى الشك عن هشاشة الوضع السياسي في العراق. لا أحد يحكم. ولأن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي يعرف أنه الأكثر ضعفاً بين المتخاصمين فقد اختار أن يقف على الحياد في انتظار أن تمر العاصفة. ولكن العاصفة لن تمر من غير أن تقتلعه من منصبه. ذلك ما فكر فيه الصدر حين رشح ابن عمه لرئاسة الحكومة. ما كان يُخيف الأطراف الشيعية الموالية لإيران أن تقوم حكومة صدرية. ذلك يعني هلاكها، من غير أن يؤثر ذلك في العلاقة بإيران. ما معنى ذلك؟ لا شيء أكثر وضوحاً. يعرف الصدر إيران جيداً وهو لا يعاديها إلا في هيمنتها المطلقة. أما مصالحها، فستكون مضمونة. ذلك ما كانت إيران تدركه، لذلك كان موقفها حيادياً. وهو الموقف الذي شجع الصدر في المضي في مشروعه.

ولكن لو افترضنا أن كل شيء جرى في سياق الاستجابة لشروط الصدر من خلال حل البرلمان والشروع في إجراء انتخابات تشريعية جديدة، ما هي ضمانات فوز تحالف الصدر بالأغلبية المطلقة التي تتيح له الإمساك بعصب العملية السياسية كلها؟ الفوضى التي أحدثها ليست دليلاً على أن المال السياسي سيتوقف عن لعب دور جوهري في ترجيح كفة الطبقة السياسية التي جرى استضعافها سياسياً من غير أن يتمكن أحد من تجفيف ينابيع ثروتها المالية. هناك قوانين كثيرة لا تزال الدولة خاضعة لها تضمن الحماية للفاسدين الذين سيجتاحون الانتخابات وهم على بيّنة هذه المرة مما تبقى من أصول اللعبة. فهل ستفرض الفوضى يومئذ حتمية النزال؟

شاهد أيضاً

الأمل المستحيل لإسرائيل

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً …