الرئيسية / مقالات رأي / مواجهة التضخم.. أنباء إيجابية

مواجهة التضخم.. أنباء إيجابية

بقلم: بول كروجمان – صحيفة الاتحاد

الشرق اليوم- الاقتصاد الأمريكي ليس في حالة ركود حالياً. فمهما يكن من شأن ما سمعتموه، لا يمثل ربعان من النمو السلبي خلال العام تعريفاً “رسمياً” أو “فنياً” للركود. بل يحدد هذا لجنة اعتمدت دائماً على مؤشرات كثيرة، منها معدل تزايد فرص العمل بخاصة. وكما أشار جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي، الأربعاء (27 يوليو)، فإن سوق العمل ما زالت قوية.

لكن الاقتصاد الأمريكي يتباطأ بالتأكيد، ويرجع ذلك أساساً إلى أن الاحتياطي الاتحادي يتعمد تصميم تباطؤ لخفض التضخم. ومن المحتمل أن يكون هذا التباطؤ في نهاية المطاف شديداً وواسع النطاق بدرجة كافية للحصول على صفة الركود. وأعتقد أنني في هذا الشأن أكثر تشاؤماً نوعاً ما من اتفاق الآراء. وأعتقد أن الاحتمالات تتساوى تقريباً حول أن التاريخ سيقول إننا شهدنا ركوداً طفيفاً في أواخر عام 2022 أو أوائل عام 2023، وهو ركود تسبب في ارتفاع متواضع في معدل البطالة.

والسؤال الحقيقي هو: ما احتمال أن يكفي تباطؤ معتدل للسيطرة على التضخم سواء أُطلق عليه ركود أم لا؟ وكانت الأخبار على تلك الجبهة مشجعة إلى حد ما في الآونة الأخيرة. ومن الواضح أن أسعار البنزين انخفضت 80 سنتاً للجالون تقريباً من ذروتها في منتصف يونيو. فهل تذكرون القصص المخيفة عن بلوغ الجالون ستة دولارات بحلول أغسطس؟

والأهم من ذلك، أن استطلاعات الرأي بشأن الاقتصاد – وهي ترصد غالباً نقاط التحول الاقتصادية قبل وقت طويل من الإحصاءات الرسمية – بدأت تشير إلى انخفاض كبير في التضخم الأوسع نطاقاً. وعلى سبيل المثال، توصل مسح “ستاندرد آند بورز جلوبال” إلى أنه بينما تواصل شركات القطاع الخاص رفع الأسعار، فإن معدل التضخم “انخفض الآن إلى أدنى مستوى له في 16 شهراً”.

وأدركت الأسواق المالية هذا. وانخفض المعدل المتوقع للزيادة في الأسعار خلال العام المقبل والمتمثل في انخفاض “أسواق مقايضة التضخم” من أكثر من 5% في أوائل يونيو إلى 2.45% اعتباراً من صباح يوم الخميس (28 يوليو). كما انخفضت توقعات التضخم على المدى المتوسط. والآن، من السابق لأوانه بكثير إعلان النصر في مكافحة التضخم. وظهر كثير من بوارق الأمل الكاذبة على هذه الجبهة على مدار العام ونصف العام الماضيين.

ويشعر الاقتصاديون الجادون الذين تحدثت إليهم بقلق شديد لرؤية نشرة يوم الجمعة (29 يوليو) عن مؤشر كلفة العمالة الذي من المفترض أن يقيس ما يحدث لكلفة العمالة. فهل يؤكد أم يناقض التباطؤ الواضح في نمو الأجور الذي يظهر في مقاييس بسيطة لمتوسط ​​الأجور ومسح مؤثر واحد على الأقل؟ علينا أن ننتظر ونرى. والنبأ السار هو أن صانعي السياسة مستعدون للقيام بهذا بالضبط.

ومن وجهة نظري، كان الجانب الأكثر تشجيعاً في بيان الاحتياطي الاتحادي يوم الأربعاء هو الفقرة التي تعلن أن لجنة وضع السياسة النقدية مستعدة للتحلي بالمرونة، وأنها “ستواصل مراقبة الآثار المترتبة على المعلومات الواردة وستكون مستعدة لتعديل موقف السياسة النقدية حسب الاقتضاء”. وهذا رفض لا يكاد يخفى لمطالب صقور التضخم الذين يريدون أن يلزم بنك الاحتياطي الاتحادي نفسه الآن وحالاً بفترة طويلة من التشديد النقدي الصارم. وكما قلت، فالدلائل الأولية تشير إلى أن الاحتياطي الاتحادي يكسب حربه على التضخم، ويفعل ذلك بشكل أسرع وأسهل مما توقعه معظم المراقبين. ماذا سيعني هذا إذا تحققت هذه الآمال المبكرة؟

وأرى أن الإجابة الكبيرة هي أننا نحتاج إلى إعادة تقييم السياسة الاقتصادية في الآونة الأخيرة. كما يجب أن يعلم الجميع (على الرغم من أن الكثيرين ليسوا كذلك على الأرجح)، أن الاقتصاد الأميركي حقق نجاحاً ملحوظاً في استعادة الوظائف التي عصف بها ركود الجائحة.

وطغى ارتفاع التضخم على هذه الأخبار السارة، مما أدى إلى تصريحات بأن السياسة الاقتصادية الأميركية على خطأ. لكن جانباً كبيراً من التضخم في الآونة الأخيرة يعكس قوى عالمية خارج سيطرة الولايات المتحدة، وهذا هو سبب ارتفاع التضخم في كل مكان تقريباً، وليس هنا فقط. وإذا كان ممكناً التخلص من جزء التضخم الزائد الذي يعكس سياسة الولايات المتحدة بسرعة إلى حد ما، دون كلفة باهظة، فإن القراءة العادلة للسجل ستقول إن السياسة كانت ناجحة جداً في الواقع. وإن الارتفاع المؤقت في التضخم كان ثمناً مستحق الدفع لتجنب هذا النوع من الكساد الاقتصادي طويل الأمد الذي شهدناه بعد الأزمة المالية لعام 2008.

ومع ذلك، بدا لفترة من الوقت أن نوبة تضخم قد أحدثت ضرراً دائماً، بل وكارثياً من خلال العملية السياسية، لأنها قوضت احتمالات اتخاذ إجراء مهم بشأن تغير المناخ. والتعرض لنوبة تضخم مرتفع ليست نهاية العالم، لكن الفشل في التصدي للمناخ قد يمثل هذه النهاية. لكن السيناتور جو مانشين أعلن يوم الأربعاء (27 يوليو) أنه مقتنع بأن مشروع قانون يعالج تغير المناخ من شأنه أن يقلص فعلياً التضخم. وعلى الرغم من أنه لا يمكنني تعليق أمل حتى يتم التوقيع رسمياً من الرئيس على مشروع القانون، سنحصل حالياً على تعاف سريع واستثمار مطلوب بشدة في مستقبل أمريكا. ولذا فعلى الرغم من سلبية الرقم الأولي للإنتاج المحلي الإجمالي الذي من المحتمل أن يخضع لمراجعة كبيرة، فالأخبار الاقتصادية إجمالاً إيجابية إلى حد ما فيما يبدو.

شاهد أيضاً

أحلام مقتدى الصّدر وأوهام مناصريه

بقلم: فاروق يوسف- النهار العربيالشرق اليوم– عندما يُشفى العراقيون من عقدة اسمها مقتدى الصدر يكون …