الرئيسية / اقتصاد / تقرير: تضخم أم ركود.. أيهما أخطر؟

تقرير: تضخم أم ركود.. أيهما أخطر؟

الشرق اليوم- بينما يبدو الاقتصاد الأمريكي، الأكبر في العالم، على حافة ركود بعد ربع سنوي ثان من تقلص النشاط، تسود مؤشرات مختلطة ويسيطر عدم اليقين بشأن المستقبل، سواء للدول أو الأفراد.

وفي خضم الجدل بين الاقتصاديين وصانعي السياسة، ثمة سؤال أساسي يفرض نفسه، يمكن أن تكون له تداعيات هائلة على مستقبل الولايات المتحدة، وربما العالم: أيهما أسوأ- التضخم أم الركود؟

ومن خلال رفعه أسعار الفائدة بشكل متتالي، يراهن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على أن الأولوية هي لرفع معاناة المستهلكين، وتحجيم الأسعار التي ترتفع بأسرع وتيرة لها منذ أربعة عقود.

لكن العديد من الاقتصاديين والمشرعين يرفضون هذه الفكرة ، بحجة أن مخاطر حدوث ركود، ستكون أسوأ بكثير من مشكلة التضخم.

ومن المؤكد أن الاحتياطي الفيدرالي يود تجنب كلا الأمرين، ويهدف إلى “هبوط ناعم”، يرفع خلاله أسعار الفائدة بشكل كافٍ لإبطاء الطلب، دون خنقه تمامًا. ويرى أنه هذه ستكون النتيجة المثالية، رغم أن الاحتياطي الفيدرالي نفسه يعترف بأن حدوث ذلك يزداد صعوبة.

شبكة “CNN” الأمريكية تناولت في تقرير موسع بعنوان ” لماذا يريد البعض الركود؟ (ولماذا يقول البعض الآخر) إن هذا جنون”.. التأثيرات المحتملة، والفارق بين مساوئ الركود والتضخم.

وكتب جوش بيفنز، مدير الأبحاث في معهد السياسة الاقتصادية، في وقت سابق من هذا الشهر: “إن إجراءات بنك الاحتياطي الفيدرالي حتى الآن لا تضمن حدوث ركود ، لكنها جعلت حدوث الركود أكثر احتمالية”.

وهذا الأمر يترك لنا نتيجتين محتملتين: المزيد من التضخم من النوع الذي شهدناه خلال العام الماضي، أو الركود الذي يؤدي إلى انخفاض الأسعار، مع احتمال زيادة البطالة وتقليص نمو الأجور.

وينتمي بيفنز بقوة إلى معسكر يرى أن “التضخم المرتفع أمر سيء ولكن الركود أسوأ”، وهذا إلى حد كبير من جراء ما يفعله الركود في سوق العمل.

ومن الواضح أن التضخم يؤثر بالسلب على أجور الناس، وهذا أمر سيء. (ارتفعت أسعار المستهلكين بنحو 9% الشهر الماضي على أساس سنوي ، بينما ارتفعت الأجور بنسبة 5.3%). ولكن، وكما يقول بيفنز ، “الشيء الوحيد الذي نعرفه عن فترات الركود أنها تؤدي إلى خفض الأجور بشكل أكثر موثوقية من التضخم”.

وإحدى الحجج الرئيسية التي يطرحها معارضو بيفنز أن التضخم يأتي رفقة مشكلة “نفسية” معقدة، فمجرد سيطرة فكرة الارتفاع الدائم في الأسعار على نفسية المستهلك، تخلق دورة من الصعب كسرها، وهو أمر ليس بسيطا، كما يقول بيفنز، ولكننا لم نصل إلى هذه المرحلة بعد، بحسب تقديره.

وهذا يترك لنا نتيجتين محتملتين: “المزيد من التضخم من النوع الذي شهدناه خلال العام الماضي، أو الركود الذي يؤدي إلى انخفاض الأسعار مع احتمال زيادة البطالة وتقليص نمو الأجور”.

في الولايات المتحدة، ظل التضخم ثابتًا بنحو نسبة 2% سنويا، خلال الفترات الأفضل من أربعة عقود. وبسبب ذلك، وفق بيفنز، لا يتوقع المستهلكون، في الغالب، أن يستمر التضخم الأخير البالغ حوالي 9%، وهو يرى أنه “يجب أن نستفيد من تلك التوقعات وهذه المصداقية”.

السناتور إليزابيث وارين صوت بارز آخر في هذا المعسكر، وترى أن السبب الجذري للتضخم الحالي، بما في ذلك فوضى سلسلة التوريد التي أحدثها فيروس كورونا والحرب في أوكرانيا – خارج نطاق سلطة الاحتياطي الفيدرالي.

وكتبت وارين في مقال افتتاحي في “وول ستريت جورنال” الأسبوع الماضي أن أسعار الفائدة المرتفعة لن تصلح أسعار الطاقة المرتفعة”.

وعندما يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، فإنه يجعل اقتراض الأموال أكثر تكلفة على الأفراد والشركات. هذا يدفع الجميع إلى إنفاق أقل. تبطئ الشركات التوظيف أو تقلل ساعات العمل أو تسرح العمال مع تقلص الطلب.

وترى وارين أن ذلك “سيترك ملايين الأشخاص – العمال ذوي الأجور المنخفضة والعمال الملونين – برواتب أقل أو بلا رواتب على الإطلاق.”

وفي المقابل يرى آخرون أن فترات الركود، رغم أنها ليست مثالية أيضًا، قد لا تكون بالضرورة كارثية.

ويشير هؤلاء إلى سبعينيات القرن الماضي، عندما ارتفع التضخم الجامح، وبلغ ذروته عند 14% عام 1980. وقد تطلب الأمر زيادات مؤلمة في أسعار الفائدة وفترة ركود لاحقة في أوائل الثمانينيات ، حتى تم أخيرا كسر دورة التضخم.

واعتبر الخبير الاقتصادي نوح سميث أن: “الركود المعتدل الآن أفضل بكثير من الركود الحاد الذي يشبه ما كان بتلك الفترة والذي سيكون ضروريًا لتهدئة التضخم إذا ترسخت التوقعات”.

وليست كل فترات الركود متساوية. فقد مرت الولايات المتحدة بـ 34 حالة ركود منذ عام 1857 – أو ما يقرب من حالة ركود واحدة كل خمس سنوات في المتوسط ​​، وفقًا لبيانات المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية. وفي المتوسط ​​، استمر كل منها حوالي 17 شهرًا.

وهذا يعني أن الولايات المتحدة تجاوزت الكثير من فترات الانكماش.

وكتب سميث مؤخرا: “نعم ، نحن على الأرجح في حالة ركود ، وهذا جيد”.

لكن هل يمكن أن يكون الركود شيئًا جيدًا حقًا؟.. في بعض الأحيان، بحسب ما يقول لاكشمان أكوثان، المؤسس المشارك لمعهد أبحاث الدورة الاقتصادية، الذي يحدد تواريخ الركود لـ 22 اقتصادًا حول العالم.

ويوضح أكوثان في رسالة إلى “سي إن إن بيزنس”: “يمكن أن تكون فترات الركود بمثابة تطهير للاقتصاد ككل، مما يؤدي إلى إبعاد الشركات العملاقة غير الفعالة عن العمل وإفساح المجال أمام منافسين أكثر ذكاءً يمكنهم تلبية احتياجات العملاء بشكل أفضل”. “هذه المرة، تغير الاقتصاد بدرجة كافية في أعقاب الوباء بحيث لا بد أن تفتح فرص عمل جديدة.”

ويذكر أكوثان ببعض الشركات التي ظهرت خلال فترات الانكماش الأخيرة مثل Airbnb (تأسست عام 2008) وUber وWhatsApp (تأسست في 2009) وقد خرجت جميعها من الركود العظيم في 2007-2009.

ومع كل ذلك يبقى التساؤل بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة في حالة ركود الآن أم لا؟ إذ تؤكد المؤشرات الحالية على “برودة اقتصادية”، وأن الطلب على الإسكان آخذ في التراجع وثقة المستهلك آخذة في الانحدار.

وفي معظم فترات الركود، يعد التحفيز الفيدرالي طريقة نموذجية لتحفيز الاقتصاد واستعادة ثقة المستهلكين.

شاهد أيضاً

خامس رؤساء السنغال… شعبوي بنكهة إخوانية

بقلم: أقريني أمينوه- اندبندنتالشرق اليوم– تغيير دراماتيكي وتحول مفاجئ في معادلة التوازن السياسي جعلا من …