الرئيسية / مقالات رأي / صعوبات تقدير التضخم

صعوبات تقدير التضخم

بقلم: بول كروجمان – صحيفة الاتحاد

الشرق اليوم- في أوائل عام 2021، احتدم النقاش بين الاقتصاديين حول العواقب المحتملة لخطة الإنقاذ الأمريكية، وهي حزمة بقيمة 1.9 تريليون دولار أقرها رئيس “ديمقراطي” جديد وكونجرس “ديمقراطي” (تقريبا). وحذر البعض من أن الحزمة ستكون تضخمية بشكل خطير، وشعر آخرون بالارتياح إلى حد ما. وكنت من “فريق الارتياح”. لكن كما اتضح بالطبع، كان هذا حكما سيئاً للغاية. لكن ما الخطأ الذي أخطأت فيه بالضبط؟

كان كل من النقاش الأولي والطريقة التي جرت بها الأمور أكثر تعقيدا مما أظن أن معظم الناس يدركه. واتفق الجميع في النقاش على أن الإنفاق العام عن طريق الاقتراض من شأنه أن يحفز الطلب، واتفق الجميع على أن وجود اقتصاد أقوى، به معدل أقل من البطالة من شأنه، مع تساوي الأمور الأخرى، أن يكون به معدل تضخم أعلى. وما كان لدينا بدلا من ذلك كان حجة حول الأحجام.

فقد كانت خطة الإنقاذ ضخمة من حيث القيمة الدولارية، وكما حذر “فريق التضخم”، إذا كان لها “معامل” بحجم معتاد فإنها ستؤدي إلى اقتصاد شديد السخونة، أي زيادة مؤقتة في التوظيف وإنتاج محلي إجمالي أعلى بكثير من مستوياته المستدامة، وبالتالي ارتفاع التضخم. والمقصود بـ”معامل” هنا هو الزيادة في الإنتاج المحلي الإجمالي الناجم عن كل دولار إضافي من الإنفاق الحكومي.

ومع ذلك، جادل أولئك الذين هم منا في فريق الارتياح بأن هيكل الخطة سيؤدي إلى زيادة أقل بكثير في الإنتاج المحلي الإجمالي مما قد يوحي به الرقم الرئيسي. وكان جزء كبير من الخطة عبارة عن شيكات لمرة واحدة لدافعي الضرائب، وهو ما سيجري توفيره إلى حد كبير وليس إنفاقه.

وقطعة كبيرة أخرى تمثلت في المساعدة لحكومات الولايات والحكومات المحلية، اعتقدنا أنها ستُنفق بشكل تدريجي فحسب على مدى عدة سنوات. وجادلنا أيضا أنه إذا كان هناك تجاوز مؤقت في الإنتاج المحلي الإجمالي والتوظيف، فلن يؤدي هذا إلى زيادة التضخم بشكل حاد، لأن التجربة التاريخية أشارت إلى أن العلاقة بين التوظيف والتضخم كانت ثابتة إلى حد ما – أي أن الأمر يستغرق الكثير من السخونة ليتمخض عن تصاعد كبير في التضخم. والشيء الغريب هو أن “المعامل” في خطة الإنقاذ، في الواقع، جاء منخفضا نسبيا فيما يبدو. فقط احتفظ كثيرون من المستهلكين بهذه الشيكات، وارتفع إنفاق حكومات الولايات والمحليات بنسبة تقل عن 1% من الإنتاج المحلي الإجمالي.

وما زالت العمالة أقل من مستواها الذي كانت عليه قبل انتشار الجائحة، ولم يتخط الإنتاج المحلي الإجمالي الحقيقي هذا المستوى، على الرغم من تعافيه في اتجاهه السابق للجائحة تقريبا. ومع ذلك، ارتفع التضخم على أي حال. والسبب هو أن جزءا كبيرا من ارتفاع التضخم، وإن لم يكن كله، يعكس الاضطرابات المرتبطة بالجائحة. فقد تسبب الخوف من العدوى والتغيرات في طريقة حياتنا في تحولات كبيرة في مزيج الإنفاق. فقد أنفق الناس أموالا أقل على الخدمات وأموالا أكثر على السلع، مما أدى إلى نقص في حاويات الشحن وضغط على قدرات الموانئ، وأمور أخرى.

وتساعد هذه الاضطرابات في تفسير سبب ارتفاع التضخم في بلدان كثيرة وليس فقط في الولايات المتحدة. صحيح أن التضخم ظل محصورا بشكل أساسي في جزء ضيق نسبيا من الاقتصاد في البداية، فيما يوافق قصة اضطرابات سلاسل التوريد، لكن هذا التضخم اتسع نطاقه.

وهناك مؤشرات كثيرة، مثل عدد فرص العمل الشاغرة، تُظهر فيما يبدو أن الاقتصاد أكثر سخونة مما تشير إليه أرقام مثل الإنتاج المحلي الإجمالي أو معدل البطالة. التجربة التاريخية كانت مضللة لأنه حتى وقت قريب لم يكن التضخم يعتمد كثيرا على درجة برودة الاقتصاد. وربما تصبح العلاقة بين الإنتاج المحلي الإجمالي والتضخم أكثر حدة في ظل اقتصاد ساخن.

كما أن الاضطرابات المرتبطة بالتكيف مع الجائحة وعواقبها ربما ما زالت تلعب دورا كبيرا. وبالطبع أضاف كل من الهجوم الروسي على أوكرانيا وإغلاق الصين للمدن الكبرى مستوى جديدا تماما من الاضطراب. ويعتقد أغلب الاقتصاديين في القطاع الخاص الذين تحدثت إليهم أن التضخم إما قد بلغ ذروته بالفعل أو أنه سيبلغ ذروته قريبا. ولذلك قد تبدو الأمور أقل إثارة للحيرة بعد بضعة أشهر. والتجربة برمتها علمتني درسا في التواضع. ففي أعقاب أزمة عام 2008، كان أداء النماذج الاقتصادية القياسية جيدا جدا، وشعرت بالراحة في تطبيقها على عام 2021. لكن بالتأمل في الماضي كان يجب أن أدرك أنه، في مواجهة العالم الجديد الذي صنعه كوفيد-19، لم يكن هذا النوع من الاستقراء رهانا آمنا. أكاديمي أميركي حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد.

شاهد أيضاً

عند الأفق المسدود في غزة

بقلم: عبدالله السناوي – صحيفة الخليج الشرق اليوم- استغلقت حرب غزة على أي أفق سياسي …